لجنة التربية و التعليم العالي و البحث العلمي

شيء من الأعجاز العلمي في القرآن الثقب الأسود و أفق الحدث

أ.د. مجيد محمود جراد

كلية العلوم / جامعة الأنبــار

عضو لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ)

الطارق: 1-3)

قبل الحديث عن النجم الثاقب، دعنا نتحدث عن النجم أو الثقب الأسود الذي هو عبارة عن منطقة في الفضاء, تمثل كتلة كبيرة في حجم صغير تسمى الحجم الحرج بالنسبة لهذه الكتلة، حيث تبدأ المادة بالانضغاط تحت تأثير جاذبيتها الخاصة ويحدث فيها انهيار من نوع خاص هو الانهيار بفعل الجاذبية، و ذلك ينتج عن القوة العكسية للانفجار حيث أن هذه القوة تضغط النجم و تجعله صغيرا جدا وذا جاذبية قوية خارقة، ويزداد تركيز الكتلة أي كثافة الجسم (نتيجة تداخل جسيمات ذراته وانعدام الفراغ البيني بين الجزيئات)، وتصبح قوّة جاذبيته قوّية إلى درجة لا يمكن لأي جسم يمر بقربها أن يفلت منها مهما بلغت سرعته وبالتالي يزداد كمّ المادة الموجودة في الثقب الأسود، وبحسب النظرية النسبية العامّة لـأينشتاين فإن الجاذبية تقوّس الفضاء الذي يسير الضوء فيه بشكل مستقيم بالنسبة للفراغ، وهذا يعني أن الضوء ينحرف تحت تأثير الجاذبية وذلك ما تم ملاحظته عملياً في حالات كسوف الشمس الكلي.

والثقب أو النجم الأسود يقوس الفضاء إلى حد يمتص الضوء المار بجانبه بفعل الجاذبية، وهو يبدو لمن يراقبه من الخارج كأنه منطقة من العـدم إذ لا يمكن لأي إشارة أو معلومة أو موجة أو جسيم أو حتى الضوء الإفلات من منطقة تأثيره فيبدو بذلك أسودا. غير انه أمكن معرفة وجوده بمراقبة بعض الإشعاعات من الأشعة السينية التي تنطلق من المواد حين تتحطم جزيئاتها نتيجة اقترابها من مجال جاذبية الثقب الأسود وسقوطها في هاويته، وللتوضيح فإن تحول الكرة الأرضية إلى ثقب أسود يستدعي تحولها إلى كرة نصف قطرها 1 سم وكتلتها نفس كتلة الأرض الحالية أي بمعنى انضغاط مادتها لجعلها من غير فراغات بينية في ذراتها وبين جسيمات نوى ذراتها، مما يجعلها صغيرة أصغر من كرة المنضدة في الحجم ووزنها الهائل يبقى على ما هو عليه.

(وهذا يعني إن قوانين الفيزياء التي نعرفها لا تعمل داخل الثقب الأسود لأنها تكون معطلة شأنها شأن الانفجار العظيم الذي تتعطل فيه القوانين لكن عندما نكون خارج الثقب الأسود فأننا لا نتأثر بهذا التعطيل). وبعبارة أخرى إن هذه القوانين لا تتعطل ولكنها تعمل وفق أبعاد حديثة تشمل بيئة الثقوب السوداء.

لهذا فأن أفـق الحـدث هـو (حـدود منطقـة من الزمان والمكان (الزمكان) التي لا يمكـن للضوء الإفلات منها وتكون محيطة بمركز الثقب الأسود).

أن حقل جاذبية النجم الأسود يغير مسارات أشعة الضوء في الزمكان ومخاريط الضوء التي تشير إلى أن المسارات التي يتبعها الضوء في الزمكان تكون على شكل ومضات ضوئية منحنية قليلا نحو الداخل( كما يبدو في الصورة أعلاه) وهذا ما تم إثباته عندما شُوهِد انحناء الضوء عند كسوف الشمس الكلي، ومع تقلص النجم تزداد الجاذبية على سطحه فتنحني المخاريط نحو الداخل بشكل كبير حتى يصعب على الضوء الإفلات من الجاذبية. وبحسب النظرية النسبية فأنه لا يمكن لأي جسم السير بأسرع من الضوء لذا فأنه لا شيء يمكنه الإفلات من حقل جاذبية النجم الأسـود. ومن هنا نجد أن لدينا منطقة من الزمان والمكان لا يمكن الإفلات منها وهذه المنطقة نسميها الثقوب السوداء وتسمى حدودها ( أفق الحدث).  

أذن أفق الحدث  هو حـدود منطقة من الزمان والمكان لا يمكن لأي شيء الإفلات منها وتعمل على شكل غشاء ذو اتجاه واحـد وهو داخل الثقب لا خارجه ويمثل مسار الضوء الذي يحاول الإفلات من جاذبية النجم الأسود وبهذا نجد أن أي شي يقع في هذه المنطقة سوف ينجذب نحو الداخل ليبلغ بسرعة منطقة مركز النجم الأسود التي هي  ذات كثافة عالية فيسحق فيها فيبلغ بذلك نهاية الزمان .

أن تخوم (الثقب أو النجم الأسـود) تعرف باسم (أفق الحدث)، و يكون كل شيء داخل هذه التخوم خاضعاً خضوعاً مطلقاً لهيمنة الجاذبية لهذا النجم، وأما خارج (أفق الحدث) فــــإن بإمكان المادة، من نجوم أو سحب غازية، أن تدور في أفلاك حول (الثقب الأسود) كما تفعـــل حول أي جسم كثيف، وبالتالي يصـبح (أفق الحدث) عبارة عن حدود تصنعها تلك الأشعة الضوئية على حافة الثقب؛ والتي هي غير قادرة على الهروب من تلك التخـــوم، ولكنهـــا تحـــافظ على موقعها حول (الثقب الأسود) بسبب جاذبيته الفائقة.

وهكذا نجد أنه عند مرور سفينة فضائية عبر (أفق الحدث)، فإن المسافر على متن تلك الرحلة الكونية يلاحظ أنه يتحرك في اتجاه واحد نحو مركز (الثقب الأسود)، ولا يستطيع المسافر بأي حال من الأحوال أن يغيـر من اتجاهه لأنه خاضع لإعصار الجاذبية الجارف الذي يقوده بشكلٍ حتمي إلى جوف (الثقب الأسود) حيث لا تنطبق هناك قوانين الفيزياء المعروفة. لهذا يجب التفرقة بين الحجم الذي تتكدس فيه المادة وبين أفق الحدث للثقب الأسود والذي عنده لا يمكن لشيء أن يفلت من الثقب الأسود. فمثلا لو تحولت الشمس إلى ثقب أسود فإن قطرها عند أفق الحدث سيصل إلى 3 كيلومتر تقريبا، بينما ستتكدس كتلة الشمس كلها في نقطة في مركز الثقب الأسود وبقية الحجم إلى أفق الحدث سيكون عبارة عن فراغ حيث تسقط كل المادة التي تعبر أفق الحدث في مركز الثقب، ومن هنا نجد أن النظرية النسبية العامة تعرف الثقب الأسـود كما  يلي :

The black hole is a region of empty space with a point like singularity at the center and an event horizon at the outer edge.

أي : ( أن الثقب الأسود عبارة عن منطقة من الفضاء الفارغ والذي يحتوي في مركزه على نقطة التفرد وعند حافته يوجـد أفق الحدث ). (وتعرف النقطة التي تتكدس فيها المادة في مركز الثقب الأسود بنقطة التفرد (singularity) كما تبدو في الشكل التالي).

وبالتالي فإن كلمة الثقب كلمة صحيحة من الناحية العلمية وليس كما كان يظن البعض بسبب الخلط بين أفق الحدث للثقب الأسود وبين مركزه، حيث يعتقد الكثيرون أن مادة النجم المنهار ستشغل كل الثقب الأسود حتى أفق الحدث. ولكن كما ذكرنا فإن مادة النجم المكدسة في حجم متناهي الصغر في مركز الثقب سيصل تأثيرها فقط إلى أفق الحدث مسببة الفراغ الذي يوجد فيه الثقب.

وهنا يصطدم العقل البشري باحتمالات عديدة لطبيعة الثقب الأسود وحقيقة ما يكمن في جوفه، لأننا نتعامل هنا مع الجسم الأكثر غرابة في الكون إذ هو ثقب في الزمان والمكان.

وقد تمكن العلماء مؤخراً وفي نهايات القرن العشرين من تصوير الثقب ا\لسود باستخدام ثمانية تلسكوبات راديوية موزعة في مناطق متفرقة من العالم ومرتبطة مع بعضها البعض فكان ذلك أول نجاح لتصوير الثقب الأسود لمعرفة ودراسة ماهيته . وستكون الخطوة القادمة تصوير الثقب الأسود المتوقع وجوده في مجرتنا التي نعيش فيها مجرة درب التبانة أو ما تسمى مجرة الطريق الحليبي (The Milky Way) .

لقد أشارت الآيات القرآنية الكريمة إلى هذه الصفة العجيبة والمعقدة لهذه المرحلة النهائية من حياة النجم بل إن وصف الآيات للنجم بأنه ثاقب هو وصف دقيق جدا وذلك لأن النجم وإن كان هو سبب حدوث هذا الثقب الذي يمتد إلى أفق الحدث إلا أن مادة النجم لا تزال مكدسة في مركز الثقب، فالنجم بحد ذاته لم يصبح ثقبا بل لا يزال النجم موجودا في مركز الثقب ومادته التي تكدست في هذا الحجم المتناهي الصغر هي التي سببت وجود الثقب، ولهذا فمن الناحية العلمية هناك ثقب وسبب تكونه هو الثاقب والثاقب هو النجم في حالته المكدسة.

ولقد أشار القرآن الكريم إلى بقية صفات الثقوب السوداء في آيات أخرى في سورة التكوير في قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) التكوير:15-16  فبسب هذه الجاذبية المهولة والتي لا يفلت الضوء منها، تكون الثقوب السوداء خانسة أي مختفية، كما أنها تجري في السماء وتكنس كل شيء يقترب منها بسبب جاذبيتها المهولة التي لا يفلت منها أي شيء. وهذا يؤكد لنا لماذا كان القسم بالنجم الثاقب بالفعل قسم عظيم ولذلك قرنه الله بالسماء على عظم شأنها في بداية سورة الطارق قال تعالى (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ)) الطارق: 1-3(. لقد طرحت هذه الآيات سؤالا وهو * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * والجواب هو النجم الثاقب أي الثقب أو النجم الأسود.

 

أ.د. مجيد محمود جراد

كلية العلوم / جامعة الأنبــار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى