لجنة العلوم السياسية

قراءة في التصعيد العسكري بين ايران واسرائيل

بقلم أ.د هاني الياس خضر الحديثي

استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية

 

قبل أيام نشرت على صفحتي  تغريدة مفادها ان الرد الايراني على الاعتداء الاسرائيلي  ضد الملحقية الايرانية في دمشق هو امر متوقع ومتوافق عليه سلفا لاعتبارات استراتيجية .

الان بعد تحقق هذا السيناريو على ارض الواقع اتابع تداعيات الضربة الايرانية ضد اسرائيل لأقول ان كلا الادعاءين ؛ الاسرائيلي بالضد  المطلق ،والايراني بتحقيق الاهداف الاستراتيجية ليسا صحيحين وفق اغلب التقارير المحايدة والتصريحات الرسمية من كل الاطراف وضمنهم ايران وإسرائيل  .

لقد حققت ايران الغرض النسبي  منها وهو ضربة محسوبة التأثير المحدود عملياتياً  لتأكيد الاعتبار لقدراتها في تحقيق الردع الاقليمي ، مع تجربة امكانية الرد المباشر دون حاجة لوكلائها في المنطقة .

وقدرة اسرائيل في التصدي لها بالتنسيق مع حلفاؤها واصدقائها بسهولة خارج نطاق مساحة اسرائيل مع القبول بخسائر مادية محدودة ليست ذا وزن عسكري او استراتيجي .

وبالتالي انتهت اللعبة بنتيجة لا غالب ولا مغلوب .

المهم في الامر هو التداعيات لهذا الاشتباك المباشر و المحسوب بدقة .

على الصعيد الاسرائيلي اكدت اسرائيل انها وبعد ستة اشهر من حربها المفتوحة في غزة تمتلك قدرات متفوقة تمكنها من التصدي لأي فعل استراتيجي من اي طرف ، وهو  الفعل الذي يعتمد ايضا على التواجد الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين في مختلف مناطق الشرق الاوسط ،الامر الذي يعزز من قدرات الغرب في حماية مصالحه الاستراتيجية في عموم الشرق الاوسط وهذه أيضا رسالة غربية اطلسية ليست لإيران حسب انما للقوى الدولية المتوافقة معها والمتطلعة نحو الشرق الاوسط ومنها روسيا والصين .

 

بالنسبة لإيران فأنها وفي ضل غياب الردع العربي بعد اختفاء العراق  منذ حرب الكويت ، اكدت انها موجودة وحاضرة ومستعدة للدفاع عن مناطق نفوذها في عموم المشرق العربي ، وهي رسالة ليست لإسرائيل وامريكا حسب انما رسالة دعم وتطمين لوكلائها المنتشرين في بلدان المشرق العربي خاصة والوطن العربي عامة .

وبالتالي فان اي خارطة حلول سياسية مستقبلا للمنطقة لابد ان تأخذ هذا المتغير الاقليمي بنظر الاعتبار بمعنى تقاسم النفوذ .

الى جانب ما تقدم فان مجلس الامن  الدولي والامم المتحدة لن يكونا قادران  على تبني قرار دولي مؤثر ضد العمل العسكري الايراني بفعل الفيتو الروسي والصيني كما كان الحال في انعقاد مجلس الامن الدولي لمناقشة طلب ايران بإدانة الاعتداء الاسرائيلي على مقر قنصليتها الدبلوماسي في دمشق ومقتل قادة ايرانيين كبار فيه ، وبالتالي فان القانون ألدولي   لن   يجد له فعلا  في مساحة الاشتباك بين الطرفين .

الشيء الممكن توقعه لصالح اسرائيل انها ستجد للفعل الايراني وظيفة تأثير ايجابي لصالحها في تغييرات محددة  لدى اتجاهات الراي العام المتعاطف معها اصلا بعد الضرر الذي اصابه نتيجة افعالها في ارتكاب جرائم الابادة الجماعية في غزة ، وهو الامر الذي ستوظفه لصالحها في حرب غزة لاحقا .

الطرف الخاسر فعلا شكلا ومضمونا في هذه المواجهة هم العرب بالمطلق ومنهم الذين اخترقت الصواريخ والمسيرات الايرانية اجوائهم ، ومجابهتها من قبل اسرائيل وحليفاتها  الغربية في ذات الاجواء وهم في موقف المتفرج على طبيعة ذلك الاختراق والصدام في اجواء يفترض ان تكون سيادية بدون حول ولا قوة.

لقد تأيد  بما لا يقبل الشك ان بلدان الوطن العربي لم يعد لها دورا في معارك الشرق الاوسط والوطن العربي ليتأكد مدى الخسارة الكبرى التي لحقت بهم اثر مشاركتهم الولايات المتحدة وايران معا في فرصة تدمير العراق الذي كان الحارس الوحيد للعرب في المشرق العربي بشكل خاص .

أن ما تقدم سوف يسرع وتيرة التطبيع العربي مع الكيان الاسرائيلي في مواجهة التغول للخطر الايراني انطلاقا من قاعدة التطبيع مقابل الامن  .

وهنا سوف تجد القضية الفلسطينية نفسها على المحك بين الانقسام الى محورين ؛ ايراني و غربي وهو الامر الذي سيعقد اكثر من الاول حل الدولتين مالم يتم حسم الموقف العربي والفلسطيني اتجاه وحدة الفصائل الفلسطينية على حل الدولتين وفق مسارات جديدة يفرضها الامر الواقع وليس القرارات والقوانين الدولية بعيدا عن التطرف الذي تستخدمه ايران لتأكيد وجودها تحقيقا لمصالحها الاقليمية ليس اكثر من ذلك .

بعبارة اخرى فان العالم العربي يسير مرة اخرى في صفحة لاحقة لصفحة سايكس بيكو نحو اعادة تقسيم النفوذ وبصيغ عصرية جديدة بين القوى الاقليمية والدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى