لجنة الاسكان و البنى التحتية

معضلة التشريعات التخطيطية في المدن العراقية

المهندس الاستشاري علي نوري حسن – مهندس معماري ومخطط مدن

عضو لجنة الاسكان والبنى التحتية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

اب / 2023

 

تتحكم القوانين والانظمة والتشريعات في كافة الامور التخطيطية في العراق . والتي تهيكل المدن والمستوطنات البشرية . وتـُشرّع في العادة بهدف حل مشكلة معينة . او لتنظيم امور تعاني منها المدن والتخطيط العمراني عادة .

 

ويعاني التشريع العراقي ليس في مجال التخطيط فحسب ، بل في كافة الامور الاخرى . وذلك لوضعها في قوالب محددة يصعب تغييرها مع الزمن . ولظروف قد تكون اسبابها غير واضحة .

وتقسم التشريعات في العادة حسب  قوتها واهميتها الى مستويات معينة ، فتالشريع الذي يحمل اسم (قانون) يكون في قمه هذه المستويات . وتاتي بالدرجه الثانية ما تسمى بـ (الانظمة) ، ثم تليها في الاهمية (الضوابط وبعدها التعليمات) التي ترافق القانون او النظام . ولكون هذه الورقة تعنى بالشان التخطيطي والعمراني للمدن والمستوطنات العراقية . فسيتم التركيز على هذا الموضوع ، والتطرق لبعض سلبيات التشريعات الخاصة به .

وضع اول تشريع يخص تخطيط المدن وتنظيمها وبعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة .  وهو نظام (الطرق والابنية والمرقم (44) لسنه 1935 ) . والذي عنى بالكثير من الامور التي تخص المدن وتنفيذها وتنظيمها . وترق الى عرض الشوارع ، ومساحات القطع السكنية ، وتحديد رقعة المدينة ، وتقسيمها الى استعمالات مختلفة ، بالاضافه الى تقسيم المدينة الى مناطق سكنيه وعمرانية محددة . وكل هذه المواد والفقرات كانت تتماشى مع الفترة الزمنية التي وضعت فيها . ويعتبر هذا النظام في تلك الفترة طفرة نوعية في مجال تنظيم المدن العراقيه وضبط نموها وتطورها والاستعمالات داخلها . الا ان مُضيْ اكثر من (87) سنهة (اي ما يقارب قرن كامل من الزمان) تعتبر فتره طويلة يجب تغيير مضامينها بما يتماشى والعصر الحديث ومتطلباته . كما جاء قانون اداره البلديات رقم( 165 لسنه 1964) كتشريع هام ورئيسي لتنظيم المدن ونموها ايضا . الا ان الملاحظ ايضا ، ان هذا القانون مضى عليه بحدود نصف قرن . ثم تلاه قانون التصميم الاساسي لمدينه بغداد المرقم (156 لسنه 1971) وهو الاخر قديم ويرجع الى حوالي نصف قرن من الزمان . علما ان القانون الاخير يخص مدينه بغداد حصرا . في حين ان التشريعين السابقين له ، يتم تطبيقها على كل المدن العراقية ، بغض النظر عن مستواها الاداري او موقعها الجغرافي .

 

لقد رافقت هذه القوانين والنظام المذكور اعلاه تعليمات وضوابط مختلفة ، اختلفت حسب تواريخ صدورها . الا انها تفاوتت ، وقد تحوي بعض التناقضات في مضامينها وتطبيقها لامور معينه لحل مشكلة معينة .

ان النمو العمراني السريع للسكان في العراق ، وتوسع المدن العراقية ، والهجرة من الارياف الى المدن بشكل واسع ، والحاجه الملحة لتامين السكن الملائم لكل المواطنين ، جعلت تلك القوانين عاجزة عن مواكبة تلك التطورات . وقد تجاوز المشرع العراقي والقياده السياسية ذلك باصدار سلسلة من القرارات السريعة لتلافي الخللات والثغرات التشريعية وعدم مواكبة الواقع المعاش . وقد ادت في كثير من الاحيان الى تضارب في القرارات المتخذة . خصوصا وان بعض القرارات تكون سريعة وغير مدروسة بما يكفي ،  وتتعارض في موادها التشريعية مع بعض مواد وتشريعات القوانين او الانظمة المختلفة السابقة لها . خصوصا مع ظهور نصوص جديدة وغريبة على التشريع العراقي مع تلك القرارات ، مثل عبارة :

(لا يعمل مع اي نص يتعارض مع هذا القانون)

او القرار والذي انعكست سلبا على جملة القوانين والقرارات السابقة . والدخول في اشكالات تشريعية وتطبيقية او تنفيذية .

ولاعطاء الامثله على ذلك ، فنظام الطرق والابنيه الذي مر ذكره في اعلاه ، يحدد اعراض الشوارع في المدينة ، ومساحات القطع حسب المناطق العمرانية . والتي تتراوح مساحاتها بين (100 او اقل ، ولتصل الى مساحات كبيرة تزيد على 1200 متر مربع ) . بغض النظر عن مستوى البلدية الاداري للمدينة ، او حجم المدينة ، او موقعها الجغرافي وتضاريس الارض فيها . كما ان القرارات التي صدرت في الثمانينيات من القرن الماضي ، حددت مساحات القطع السكنيه لعموم المدن العراقية (القرار رقم (940) لسنة 1987) وكما يلي :-

  • مراكز المحافظات لا تقل عن 200 متر مربع
  • مراكز الاقضيه لا تقل عن 250 متر مربع
  • مراكز النواحي لا تقل عن 300 متر مربع

وبذلك تم تثبيت مساحات كافه القطع السكنية في مناطق المدينة المختلفة . ومن دون تمييز بين مدينة واخرى وخصوصيات كل منها . الامر الذي ادى الى عدم التنوع في احياء المدينة والمرغوب عادهة في كافة المدن . وعدم التمييز بين المدن المفتوحة والتي تتوفر فيها مساحات واسعة لتوسعها من دون محددات وبين المدن المحدده والمكبلة في مختلف المحددات كالمحرمات البيئية او النفطية او العسكرية او الطبيعية كالتضاريس او الانهار … وغيرها .

لقد بات المخطط العمراني يتخبط بين التشريعات القديمهة والقرارات السريعة والحديثهة ، وبين الضوابط المتخذه سريعا لحل مشكلة معينة ، ولكن القرار عممها على كافة المدن ، كما يقف المخطط حائرا بين المتطلبات الحديثة وبين التشريعات البالية والقديمة . والتي تفرضها الظروف الجديدة مثل دخول السيارة والطائرة ووساط النقل المختلفه . وتاثيرها الكبير على هيكل المدينة العمراني ومخططها . فعدد السيارات عام (1935) عندما وضع نظام الطرق والابنية كان متواضعا جدا في العراق . وكذلك عند تشريع قانون ادارة البلديات عام (1964) او قانون التصميم الاساسي لبغداد لعام (1971) .

ولو تم تتبع زيادة اعداد السيارات في العراق لاتضح انها ازدادت لما يقرب من 40 ضعفا بين الاعوام (1970) وعام (2000) وهذه الارقام تشير الى عجز التشريعات السابقة لمواكبة هذه التغيرات الكبيرة . بالاضافة للنمو السكاني السريع . ، او التغيرات التكنولوجية المختلفة الحاصلة  محليا وعالميا وتاثيرها على تخطيط المدينة .

وفي غياب السيطرة على النمو والتنفيذ ، بدأت تغزوا المدن ظواهر غير مسبوقة ، كظهور العشوائيات السكنية ، وظهور تجمعات لابنية غير منضبطة ، والتي لا تحدها اي ضوابط عمرانية او اعراف تخطيطية مقبولة . فاقم كل ذلك المزايدات السياسية للسياسيين الجدد ، لكسب اصوات المواطنين باي شكل ، والتي ادت الى حالة من الفوضى والدمار التي تشهدها وتعيشها المدن العراقيه حاليا .

يضاف لكل ذلك عدم وجود سياسة واضحة لدى الدولة بخصوص توزيع القطع السكنية على المواطنين او تامين السكن الملائم والمقبول لهم . كما كان معمول به سابقا ، والذي يتم عن طريق الجمعيات السكنية او توزيع القطع على الموظفين او العسكريين … وذوي الدخل المحدود وغيرهم .

كل ما ذكر اعلاه ادى الى تقسيم وافراز المساكن الحالية ، وتشضيها الى قطع صغيرة ،  داخل او ضمن المسكن الواحد . وادت الى رفع الكثافات السكنية والتي ستظهر نتائجها السلبية الكبيرة بعد عدة سنوات يصعب معها معالجة الحاله المرضية المستشرية لتلك الممارسات الخاطئة وغير المنضبطة

الاستنتاجات

  1. وجود تشريعات قديمة لا تتماشى مع الظروف الحالية .
  2. وجود تضارب في التشريعات والقوانين والانظمة . بالاضافه الى وجود كم هائل وكبير من القرارات غير الدقيقة وبالاخص ما ظهر منها في فترة الثمانينيات من القرن الماضي وما بعدها .
  3. عدم استجابه التشريعات الحالية والمعمول بها للتغيرات السريعة الحاصلة في النمو الحضري ومتطلبات المدن الحديثة . وتطور وسائط النقل الجديدة او مواكبة التكنولوجيا الحديثة .
  4. ظهور مشاكل من نوع خاص تتطلب المعالجات والحزم في تطبيق خطط فاعلة ، للحد من التجاوزات غير المسؤولة في كافه المدن العراقية .
  5. غياب المفاهيم الحديثة في التشريعات السابقة . والقيام بشكل جدي باصدار تشريع جديد يخص النمو الحضري والمديني . (ومن الجدير بالذكر ان عدة محاولات جرت لتحديث التشريعات وصرقت مبالغ طائلة لذلك االغرض وبائت بالفشل ، ولم يتم اقرارها لمختلف الاسباب) .

 التوصيات

  1. ضرورة اعادة النظر في كافة التشريعات السابقة والقيام بشكل جدي باصدار تشريع موحد جديد شامل يخص نمو المدينة وتطويرها وتحديثها اذا ماشا مع التغيرات الحديثة ومتطلبات التكنولوجيا الجديدة .
  2. ضرورة اعادة النظر ولفت النظر واعطاء الاهميه الكافيه للبيئة الطبيعية المحيطة بالمدينة ، او ايلاء العنايه الخاصه لمفاهيم مثل (المدن الخضراء ، الطاقة الصديقة ، البيئة النظيفة …) ، والتي ظهرت كمفاهيم جديدة في التخطيط العمراني الحديث .
  3. الحزم في تطبيق الضوابط والتشريعات بعيدا عن المضاربات السياسية او العوامل الاخرى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى