لجنة الشباب و الرياضة

المدارس الكروية في العراق والعالم … تشابه في الأسماء واختلاف في المضمون

أ . د إسماعيل خليل إبراهيم

نائب رئيس لجنة الرياضة والشباب

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

  فارق كبير بين أن نعرف ماهية أمر ما فنعمد إلى القيام به أو بما يشابهه وبين أن نقلد ذلك الأمر لمجرد التقليد دون علم أو دراية بدقائقه وتفاصيله ومعرفةٍ بمضمونه، وماهية أهدافه، ومن هي الجهات المسؤولة عنه؟ ودون توفيرٍ لإمكانات ومستلزمات نجاحه، وهو ما ينطبق تماماً على ما يطلق عليه البعض المدارس الكروية في العراق.

   نسوق هذه الكلمات لنقول أن ما يطلق عليه المدارس الكروية في العراق لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمدارس الكروية في العالم التي يعود تأريخ إنشائها في الأندية الكبيرة في أوربا وأمريكا الجنوبية إلى أكثر من ستة عقود مضت وفي مقدمتها أندية ( برشلونة وريال مدريد وأياكس الهولندي ، ومانشستر يونايتد وليفربول والأرسنال ، وبايرن ميونيخ وسبورتنج لشبونة البرتغالي ) ، فضلاً عن عدد من أندية أمريكا الجنوبية لاسيما في ( البرازيل والأرجنتين ) والقائمة تطول ، أي أن فكرة إنشاء المدارس الكروية ليست بالجديدة سوى بالنسبة لنا .

قدمت المدارس الكروية لتلك الأندية لاعبين لن تمحى أسماؤهم من الذاكرة وفي مقدمتهم (ميسي ورونالدو وكرويف وأنييستا وفان باستن وديفيد بيكهام) والعشرات غيرهم ممن لا يسع المجال لذكر أسمائهم وإن كانت لا تخفى على متابعي وعشاق كرة القدم. واستناداً لما تقدم نقول أن المدارس الكروية هي الإبن الشرعي للأندية الرياضية حصراً، فليس من لاعب في العالم مهما بلغت شهرته ومستواه أَقدَمَ على إنشاء مدرسة كروية خاصة به، ولم يخض هذه التجربة اتحاد كروي أو لجنة أولمبية أو وزارة معنية بالشباب والرياضة في أي دولة.

 ترى ما هو واقع المدارس الكروية في العراق؟ في ظل الفوضى التي تسود الوسط الرياضي وفي مقدمته كرة القدم تبرز أمامنا ثلاث جهات تتبنى إنشاء المدارس الكروية دون معرفة الغاية الأساس من إنشائها وكل جهة تدعي أن منطلقها هو خدمة كرة القدم العراقية واكتشاف المواهب وتطويرها وما سواها من عبارات انشائية ليس لها دور ملموس على أرض الواقع، وهذه الجهات هي:

   1 – الأندية الرياضية : وهي الجهة المنوط بها تنفيذ هذه المهمة أسوة بما موجود في دول العالم  لكن أنديتنا التي تدعي أن لديها مدارس كروية لا تعيرها الاهتمام المطلوب ، وإنشائها ليس سوى إسقاط فرض والدليل على ما نقول المستويات الهزيلة التي تقدمها فرق الفئات العمرية في مباريات الدوري ، واختفاء المواهب الكروية التي يفترض أن تكون النتاج الرئيس لهذه المدارس ، والافتقار إلى البنى التحتية الملائمة والملاكات التدريبية الكفؤة والمؤهلة علمياً ، وشحة الأموال التي ترصد لها ، والنقص في التجهيزات ومستلزمات التدريب ، وغياب المتابعة لمسيرتها . علماً أن الخطوة الأولى في اختيار اللاعبين لهذه المدارس تتمثل في اجتياز الاختبارات العملية التي تجرى لهم بإشراف مدربين يفترض أن يكونوا من المختصين والأكفاء ويمتلكون القدرة على اختيار المواهب الحقيقية من بين المتقدمين وليس على وفق أي اعتبار أخر كما يجري في معظم أنديتنا.

إن الأندية وعلى مدار تأريخها هي الجهة الوحيدة التي ترفد كرة القدم باللاعبين ولمختلف المستويات، وتُشَكِل اتحادات كرة القدم منتخباتها للفئات العمرية من المتميزين الذين تفرزهم مباريات الدوري التي تشارك فيها فرق أنديتهم والتي تقيمها اتحادات كرة القدم لمختلف الفئات العمرية.  

2 – اللاعبون السابقون : ومنهم من مثل المنتخب الوطني ومنهم دون ذلك ، وكل ما يقومون به هو إعلان تأسيس مدرسة كروية ينتمي لها الصغار مقابل مبالغ محددة تدفع للاعب صاحب المدرسة ، ومن يتم اختياره من الصغار يخضع لوحدات تدريبية لا أحد يدري مدى عمليتها وملاءمتها للأعمار الني يتم تدريبها ، ومدى كفاءة القائمين بالتدريب ، وما هي المؤهلات التي يمتلكونها لتدريب هذه الأعمار لاسيما وإن تدريب الصغار له خصوصيته وخطورته ، ولكل مرحلة عمرية متطلبات وأسس ومناهج تدريب تختلف عن ما قبلها وما بعدها وتكمل كل منها الأخرى . وإن كانت الأندية تعمل بموجب اجازة رسمية حصلت عليها من وزارة الشباب والرياضة فمن أين حصلت هذه المدارس على الإجازة التي تمنحها حق العمل واستلام اجور انتماء الصغار لها أم أنها تعمل دون الحاجة لإجازة من جهة رسمية؟ ومن يتحمل المسؤولية القانونية في حال إصابة أي لاعب من لاعبيها وتكاليف علاجه؟ وماذا بعد إنهاء الصغار لفترة التدريب؟

   ومما يثير الاستغراب الانتشار العشوائي لهذه المدارس دون أي ضوابط أو تعليمات تحكمها أو جهات تراقب عملها، أو تحد من هذا الانتشار وتضع الأمور في نصابها من خلال حصر مسؤوليتها بالأندية فقط لاسيما وأنها باتت مصدرا لكسب الأموال ليس إلا.

  3 – وزارة الشباب والرياضة: دَخَلَت طرفاً في إنشاء المدارس الرياضية لعدة ألعاب منها كرة القدم، ولطالما وَقَفتُ حائراً أمام أسئلة طَرَحتُها على نفسي منها، ما علاقة الوزارة بإنشاء مدارس رياضية وما الغاية منها؟ وهل هناك وزارة للشباب والرياضة في أي دولة في العالم قامت بإنشاء مدارس رياضية؟ حسب معلوماتي الجواب هو، كلا، وما هو مصير الصغار الذين ينتمون لهذه المدارس بعد أن ينهون فترة تدريبهم فيها؟ لا شك أن الغالبية العظمى منهم ستعود من حيث أتت وتنتهي مسيرتها الكروية بانتهاء وجودها في هذه المدارس. ألا يفترض بالوزارة الاهتمام بمنتديات الشباب وإعادة الحياة لمختلف النشاطات التي كانت تمارس فيها ومن بينها كرة القدم بدلاً من الخوض في مجال لا علاقة لها به؟ علماً أن فرق كرة القدم في مراكز الشباب كانت تشارك في بطولة سنوية خاصة بها تقيمها الوزارة.

وما ذكرناه عن وزارة الشباب والرياضة ينطبق على اتحاد كرة القدم العراقي.

   سنطرح فيما يأتي عدداً من الاستفسارات عن المدارس الكروية من ناحية الإمكانات والأهداف لنتبين موقعنا من هذه التجربة مقارنة بالعالم.

  أولاً: ما هي أهداف إنشاء المدارس الكروية في الأندية؟

   1 – استقطاب المواهب وصقلها، والارتقاء بها مهارياً وبدنياً وخططياً وذهنياً وتربوياً وثقافياً.

   2 – بناء أجيال من لاعبي كرة القدم على أسس علمية سليمة، وغرس حب اللعبة في نفوسهم.

   3 – تشكيل فرق النادي التي تشارك في بطولات الفئات العمرية التي يقيمها الاتحاد، والإستفادة من المبرزين منهم بضمهم إلى الفريق الأول فيما بعد. (هل للمدارس التي يمتلكها اللاعبون أو الوزارة أو الاتحاد فرق تشارك في بطولات الدوري؟ ) .

   4 – تأمين موارد مالية للنادي عن طريق بيع عقود اللاعبين أو إعارتهم للأندية الأخرى. (هل سيقوم اللاعبون الذين يمتلكون مدارس كروية أو الوزارة أو الاتحاد ببيع عقود اللاعبين أو إعارتهم مقابل أموال إلى جهات أخرى؟ بل هل هناك عقود بين هذه الجهات ولاعبيها) .

   5 – تنمية السمات الخلقية والتربوية والإرادية في نفوس اللاعبين.

   6 – ترسيخ القيم الإجتماعية والروح الرياضية في نفوس اللاعبين.

   7 – بناء ثقافة الإحتراف وسماته عند اللاعبين.

   8 – التنمية الشاملة المتوازنة للاعبين.

   9 – غرس روح الإنضباط والإلتزام واحترام الأخرين في نفوس اللاعبين.

  10 – تنمية روح المنافسة الشريفة لدى اللاعبين.

   ونعود لنسأل، كم من هذه الأهداف يُعمَلُ بها في المدارس الكروية العراقية؟ ربما يقول البعض أن الأندية تعتمد عدداً منها، ونجيب أن المهم هو التطبيق العملي لها لا الصياغة الإنشائية المجردة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وماذا عن تطبيقها في المدارس الكروية التابعة للاعبين ولوزارة الشباب والرياضة واتحاد كرة القدم؟ 

     ثانياً: ما هي الإمكانات والمستلزمات التي لابد من توفرها في المدرسة الكروية؟

   1 – الملاعب الجيدة، والأجهزة والأدوات ، والمعدات الخاصة باللعبة.

   2 – الملاكات التدريبية المتخصصة بتدريب الفئات العمرية على وفق خصوصية كل فئة عمرية. 

   3 – المناهج التدريبية العلمية على وفق احتياجات كل فئة عمرية من النواحي البدنية والمهارية و الخططية والنفسية . 

   4 – الملاكات الطبية المتخصصة بالطب الرياضي فضلاً عن عيادة طبية .

   5 – تأمين الأموال الكافية لاستمرار المدرسة وتطويرها .

   6 – وجود ملاك إداري على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة ، إلى جانب وجود مشرف لكل فئة .

   7 – توفر قاعة للدراسة والمحاضرات .

   8 – توفر صالة ألعاب ترفيهية ومطعم و حمامات ومرافق صحية .

   9 – وجود قاعة رياضية مغطاة للياقة البدنية وتنفيذ البرامج العلاجية والتأهيلية للاعبين وتأمين الأجهزة و الإدوات والمستلزمات التي تحتاجها .

  10 – واسطة لنقل اللاعبين .  

    إن كان بعض هذه الإمكانات والمستلزمات متوفر في الأندية فكم منها يا ترى متوفر في المدارس الكروية التي يؤسسها اللاعبون المعتزلون ؟ الجواب المؤكد هو لا شيء ، فملاعب التدريب يتم ايجارها لعدم امتلاك أصحاب المدرسة للملاعب ولهذا السبب فهي تتغير باستمرار ، وهذا يعني أن لا مقر ثابت لها مما يؤكد حتمية عدم امتلاكها لبقية الإمكانات والمستلزمات . إلى جانب ذلك فإن من يتولى التدريب هو صاحب المدرسة وربما استعان بعدد من زملائه المعتزلين ، ومن المؤكد أن الجميع يتعامل مع التدريب بخبراته السابقة كلاعب وليس كمدرب مختص بتدريب الفئات العمرية .

   ثالثاً : ما الذي تقدمه المدارس الكروية للاعبيها ؟

   1 – الرعاية الطبية والفحوصات الدورية للاعبين .

   2 – الرعاية النفسية والصحية والتربوية والثقافية من قبل مختصين في هذه المجالات وتعزيز الجوانب الأخلاقية والتربوية و السلوكية .

   3 – إجراء القياسات البدنية الدورية للاعبين لمعرفة التطور الحاصل فيها .

   4 – الإهتمام بالتحصيل الدراسي للاعبين ومتابعة مسيرتهم الدراسية .

   5 – إقامة الندوات والمحاضرات للاعبين في شتى مجالات اللعبة من قبل مختصين لتنمية ثقافتهم .

   6 – علاج الإصابات التي يتعرض لها اللاعبون أثناء التدريب أو المباريات على نفقة النادي داخل البلد وخارجه .

   7 – استضافة مشاهير اللاعبين للإلتقاء بالصغار وتقديم النصح والمشورة والإرشاد لهم .

   8 – إرشادات عن التغذية السليمة والعادات اليومية الصحية.

   9 – توجيه اللاعبين لأهمية التوفيق بين الدراسة والرياضة.

  10 – تنظيم عقود مع اللاعبين بموافقة أولياء أمورهم وبإشرافهم وتحديد مبالغها .

  11 – تقديم طقم ملابس كامل لكل لاعب.

   وهنا نسأل ، ما الذي تقدمه مدارسنا الكروية للاعبيها مما ذكرناه ؟ وهل لدى القائمين على شؤونها أي فكرة عنها؟ وإن كان هناك من يقول أن المدارس الكروية في الأندية قد تقدم بعضاً منها فإننا نؤكد أن المدارس الكروية التي يؤسسها اللاعبون لا تقدم أي شيءِ منها .   

 ولمعلومات القارئ الكريم فإن الأندية الكبيرة في أوربا تحديداً لم تعد تكتفي بالمدارس الكروية الموجودة لديها في بلدانها، بل بدأت ومنذ سنوات في افتتاح مدارس كروية في بعض دول أفريقيا وأسيا لاسيما بعد المستويات المتميزة التي قدمها اللاعبون الأفارقة والأسيويون الذين لا يكاد يخلو نادٍ في أوربا منهم. اما أهداف تلك المدارس فهي اكتشاف الموهوبين من الصغار ورعايتهم وتطوير مستوياتهم، وتأمين جميع الإمكانات والمستلزمات البشرية والمادية والملاكات التدريبية المتخصصة لتلك المدارس لضمان نجاحها في مهمتها وهو ما يعود بالنفع المشترك على تلك الأندية سواء بالإستفادة منهم في فرقها، أو بيعهم إلى أندية أخرى ، ويعود بالنفع على بلدانهم إذ سيتطور مستوى منتخباتها.

   لقد باتت المدارس الكروية ذات المستوى العالي من بين الأسباب التي تساهم في بقاء الأندية التي تمتلكها في المقدمة بين أندية بلدانها لسنوات طويلة لأنها من الروافد المهمة التي تزود فرقها باستمرار بالمواهب التي تكفل لها استمرار النجاح وتحقيق الإنجازات، وتجعلها من بين المصادر التي تؤمن لها الأموال التي تستثمرها في تطوير المنظومة الرياضية في النادي عن طريق تسويق لاعبيها الذين ليست بحاجة لهم لأندية أخرى .

   والآن نتساءل : هل للمدارس الكروية في العراق علاقة بما تعتمده المدارس الكروية في أندية العالم؟ وما الذي قدمته أو ستقدمه للكرة العراقية في ظل واقعها الحالي ؟ إن الموهوبين الصغار هم مستقبل كرة القدم العراقية وإن عدم إيلائهم الإهتمام المطلوب لن يقود إلا لخسارة تلك المواهب والمغامرة بمستقبل الكرة العراقية التي لن تجد من يمثلها سوى أنصاف الموهوبين .

إن غايتنا من إثارة هذا الموضوع هو حرصنا على الرياضة العراقية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص ، ومن هنا ندعو إلى حصر إنشاء مدارس كرة القدم بالأندية فقط مع ضرورة أن تخضع تلك المدارس إلى المتابعة الفنية لسير التدريبات فيها ، وأن يتولى التدريب فيها مدربون مختصون لديهم الخبرات والشهادات التدريبية التي تؤهلهم تدريب فرق الفئات العمرية ، وأن تتوفر فيها البنى التحتية المطلوبة ، والتأكيد على أهمية تأمين جميع احتياجاتها المالية و الطبية و الإدارية والخدمية لتنتفع منها كرة القدم بدلاً من بقائها عناوين مجردة دون مضمون ، وأن تشارك في بطولات الفئات العمرية بفرق ذات مستويات جيدة لا أن تكون مشاركاتها لذر الرماد في العيون .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى