لجنة العلوم السياسية

قرار الهدنة في لبنان …نتائج وتداعيات

بقلم أ.د هاني الياس خضر الحديثي

استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية

 

الحرب الاسرائيلية في جنوب لبنان تكاملت مع حربها في غزة حيث الحقت دمارا شاملا وارتكبت خلالها جرائم دولية وفق القرارات القضائية الدولية التي صدرت عن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

المفارقة بينهما ان القوى الدولية عالميا واقليميا لم تكن مهتمة بما جرى في غزة من جرائم ابادة جماعية رغم ما صدر عن المحاكم الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة من قرارات تدين الانتهاكات ضد الانسانية، في الوقت الذي تنادت مجتمعة نحو وقف الحرب في لبنان بعد اندلاع المعارك مباشرة.

ولغل السبب في ذلك يعود الى رغبة اقليمية ودولية بعدم تعريض لبنان كدولة الى ما تعرضت له غزة التي تحكم من قبل حركة حماس الموصوفة بالإرهاب من قبل اغلب بلدان الغرب.

رغم ذلك فان ما تعرض له لبنان في الفترة الاخيرة ليس هينا ماديا وبشريا، ولكن يكاد الاجماع الدولي يذهب نحو نتائج تحققت على الارض أبرزها:

–  لقد تعرض حزب الله الى هزيمة ساحقة على يد الالة الاسرائيلية خلاف ما كان حزب الله يروج له بانه يستطيع بكبسة زر ان يلحق الهزيمة بإسرائيل، وهو الحزب الذي شكل على مدى عقدين كحد ادنى الواجهة المتقدمة لإيران في المشرق العربي كله واداتها نحو الانتشار في كل من سوريا والعراق واليمن فضلا عن لبنان نحو تكريس نظرية ولاية الفقيه في عموم المنطقة وعلى حساب الدولة الوطنية والولاء الوطني.

–  استعادة الفرصة نحو تكريس دور الدولة اللبنانية بدلا من الدولة الفاشلة المختطف قرارها ومؤسساتها من قبل حزب الله ، وبالتالي تصبح الفرصة الان مؤاتيه لإعادة بناء دولة المواطن اللبناني بدلا من دور المليشيات.

–   تامين الامن الاسرائيلي شمال فلسطين وتهيأة الفرصة المناسبة لتخطيط الحدود اللبنانية مع اسرائيل والمعترف بها دوليا وفق القرار 1701 مما يضع حدا للحالة الحربية بين الطرفين وربما يضع الخطوة الاولى نحو تطبيع العلاقات بينهما لاحقا.

–   النتيجة الحاسمة في هذا الجانب ان حزب الله بعدما تسبب به من كوارث على الساحة اللبنانية لم يعد بإمكانه معاودة الدور الذي درج عليه في التحكم بالقرار السياسي اللبناني خاصة ان المؤشرات بتنامي تيار وطني لبناني بين شيعة لبنان يساند خيار الابتعاد عن التبعية للمرشد الايراني بدأ يتنامى وربما يكون هو البديل المدعوم حتى على صعيد الساحة الوطنية اللبنانية لتكون ايران بذلك قد خسرت ذراعها الاقوى الذي طالما اعتمدت عليه في اعادة رسم نفوذها في ساحات المشرق العربي

أن وجود الضامن الدولي الامريكي -الفرنسي سيكرس من هذا المشهد وهو الضمانة ايضا للأمن القومي الاسرائيلي مع عدم اسقاط احتمال تدخل عسكري مباشر تقوده الاطراف الضامنة للاتفاق في حال خرقه من قبل حزب الله.

من جانب اخر فان ما تقدم سيترك تداعيات مباشرة في الساحات المتفاعلة المحيطة وتحديدا سوريا والعراق الى جانب الاردن الذي طالما تعرض امنه القومي لتهديدات مصدرها حزب الله ومن تحالف معه من مليشيات داخل سوريا.

في سوريا وطيلة فترة ما بعد السابع من اكتوبر العام 2023 م، فان النظام السوري سعى للنأي بنفسه عن الانخراط فيما أطلق عليه وحدة الساحات رغم انه لم يستطع كبح جماح حزب الله ومعه المليشيات الاخرى التي دخلت سوريا من الاراضي العراقية وتخندقت داخل سوريا وصارت جزءا من المشهد الايراني.

الان وبعد الذي حصل مع حزب الله في لبنان والمترافق مع ضربات موجعة استهدفت بها اسرائيل مواقع مهمة داخل سوريا، فان النظام السوري صار عمليا امام خيار السعي للتخلص من حزب الله والمليشيات المتجحفلة معه كشرط اساس لمنح نفسه فرصة اطول في البقاء مع محاولة تحقيق ذلك بأقل الخسائر مع الحليفة ايران ومع حزب الله فلولاهما لما استطاع النظام السوري قمع الانتفاضة الشعبية التي كادت ان تطيح به.

لذلك فان النظام امام خيارين:

أما اغتنام الفرصة وطرد المليشيات وحزب الله من سوريا باي شكل من الاشكال كشرط للاستمرار مع محاولة استعادة الثقة به من قبل الشعب السوري في حال نجاحه بذلك.

أو تعريض نفسه للتقويض بعد ان خسر اقوى حلفائه الذين ضمنوا له الاستمرار على حساب الملايين من الشعب السوري بين قتيل ونازح ومهجر.

أما بالنسبة للعراق واليمن فان الفصائل الموالية للولي الفقيه والتي تصرح علنا بانها غير ملزمة بوقف الحرب مع اسرائيل، فإنها الان وضعت نفسها موضع الدرع الاخير لإيران دفاعا عن مناطق نفوذها ومصالحها.

من المتوقع ان تشهد احتمالين:

الاول: أن تتحول الى ورقة ضغط ايرانية اتجاه الولايات المتحدة للعودة الى قواعد الاتفاق حول برنامجها النووي الموقع عليه عام 2015 م ورفع العقوبات المفروضة عليها مقابل ايضا تسوية سياسية شاملة.

الثاني: ان يتم التعامل معها كما تم التعامل مع حماس وحزب الله، وحينها يمكن ان تشهد البلدان المعنية بها حربا مباشرة وغير متكافئة، ولكنها تتمتع بميزة الواقع الجغرافي الذي يمكن إيران من توفير الدعم المباشر برا وبحرا وجوا لأذرعها.

وهنا تصبح الخيارات مفتوحة حتى امام استهداف القواعد الامريكية في عموم منطقة الخليج العربي وكذلك استهداف المنشآت النفطية الامر الذي سيهدد امدادات الطاقة عالميا.

نتيجة ما تقدم ستحرص إيران على مساعي التوظيف لتقاسم النفوذ مع القوى الاخرى ومنها إسرائيل على المنطقة العربية.

أن اعلان حركة حماس مباشرة بعد توقيع الاتفاق بين اسرائيل ولبنان عن استعدادها للتوقيع على اتفاق سلام شامل مع اسرائيل هو اخطر واهم التداعيات كونها شكلت بالأساس السبب فيما حصل جنوب لبنان لنخرج بنتيجة واضحة مؤداها خطورة اتخاذ القرارات الحاسمة دون دراسة لواقع المتغيرات بدليل الدمار الشامل دون نتائج حاسمة والذي تعرض له الشعبين الفلسطيني و اللبناني رغم اهمية التذكير بإعادة القضية الفلسطينية الى واجهة القضايا الاكثر سخونة والتي تهدد السلم والامن الدوليين طالما ظلت دون حل عادل وشامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى