خور عبدالله الى أين؟؟؟

خور عبدالله الى أين؟؟؟
بقلم أ.د هاني الياس خضر الحديثي
استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية
عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية
يشهد العراق الآن جدلا واسعا وحراكا شعبيا إتجاه إتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله الموقعة عام 2012 بين وزير النقل العراقي هادي العامري ووزير النقل والمواصلات الكويتي سالم الأذينة .
وبين الآراء القانونية والوطنية التي يتصدى لها عدد من الخبراء في تخطيط الحدود و الشأن العسكري أمثال السادة الدكتور جمال الحلبوسي والقاضي الدكتور وائل عبداللطيف والنائب المهندس عامر عبد الجبار ، يأتي الشيخ مزاحم التميمي الكابتن البحري والنائب السابق في البرلمان العراقي لينشر موضوعا بخصوص خور عبدالله يؤكد فيه أيضا عائدية الكويت كلها للعراق تأريخيا، ولكنها من وجهة نظر القانون الدولي دولة مستقلة ذات سيادة ومعترف بها وبحدودها من قبل الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية الأخرى فضلا عن كونها بتلك الصفة القانونية هي دولة على أرض الواقع سواء تعارض ذلك مع معطيات التأريخ أو توافق معها .
بالتالي وفق وجهة نظر موضوعية فأن الغزو العراقي لها في الثاني من أب 1990 يعد إنتهاكا للقانون الدولي وجميع المواثيق الدولية، والسبب في تفريط العراق بحقوقه وحدوده البرية والبحرية.
أستخدم العراق خور عبدالله منذ تأسيس الدولة العراقية و تطور العمل والاستخدام عند إنشاء ميناء ام قصر و ميناء خور الزبير منتصف القرن الماضي ، فكانت شركة موانئ العراق تحفر وتؤثث وتدير القناة الملاحية دون تدخل أو اعتراض من الكويت ، ويعد خور عبدالله نافذة العراق ومجاله الحيوي ومنفذه البحري إلى الخليج العربي لحين تدخل الإرادة الدولية عام 1991 وفرض خط المنتصف بدلا من السيادة الكاملة للعراق، ليحرم العراق من حقه و يصبح النصف غير الصالح للملاحة البحرية من حصة العراق ، الأمر الذي أجبر السفن التي تقصد موانئ ام قصر تمر عبر النصف الصالح للملاحة والذي أصبح من حصة الكويت والتي لم تكن مهتمة بهذا الخور من قبل على الإطلاق.
صادق البرلمان العراقي على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله عام 2013 ونشرت في جريدة الوقائع العراقية.
الاتفاقية منحت الكويت المشاركة في إدارة القناة الملاحية في خور عبدالله من خلال إنشاء لجنة إدارة مشتركة تتولى تنظيم وتنسيق الملاحة ووضع خطة مشتركة على اساس المساواة في الحقوق لضمان سلامة الملاحة ووضع قواعد لمنع التلوث وفقا للمعايير الدولية ، بالإضافة إلى أعمال الصيانة وتعميق الممر الملاحي والمسح البحري وتكون التكاليف مناصفة. ومن النقاط المثيرة للجدل هي ما تضمنته الاتفاقية بأن يقوم الجانب الكويتي بإرشاد السفن المتوجهة الى ميناء مبارك الكويتي وتحصيل رسوم المرور و تفتيش السفن بالرغم من ان مرور السفن سيكون بالجزء الواقع عند مدخل القناة الملاحية باتجاه البحر وهو جزء عراقي خالص وبامتياز . ويتضح من ذلك ان الكويت هي من كتبت نصوص الاتفاقية لتسهيل نواياها بتشغيل ميناء مبارك الكويتي وباستقلالية وسيطرة تامة .
نقضت المحكمة الاتحادية هذه الاتفاقية بعد مرور عشر سنوات تحت مبررات اجرائية في عملية التصويت داخل مجلس النواب . الأمر الذي يقتضي للعودة إليها من قبل الحكومة العراقية الطعن في قرار المحكمة الاتحادية او التوصل الى إتفاق جديد لتنظيم الملاحة .
ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت ولغاية الدعامة 162قد حسم بموجب قرار مجلس الامن التابع للأمم المتحدة رقم 833 لسنة 1993 والذي يشدد ويؤكد على حرمة هذه الحدود وإنها نهائية. اما ما تبقى من الحدود البحرية ما بعد الدعامة 162 وباتجاه الخليج العربي ظل مسكوت عنه من الجانب العراقي، بينما طالبت الكويت بموجب المرسوم الكويتي الصادر عام 2014 والمودع لدى الامم المتحدة بالسيادة الكاملة على خور عبدالله و على اكثر من نصف مساحة المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة العراقية والتي تتضمن ممرات بحرية استراتيجية وحقول بحرية للنفط والغاز .
ولأجله ووفقا للمصادر الموثوقة ، تم تشكيل لجان فنية وقانونية من قبل مجلس الوزراء لغرض المطالبة بالحدود البحرية العراقية، هذه اللجان متكونة من عدة جهات: وزارة الخارجية، النقل، الموارد المائية، قيادة القوة البحرية، المساحة العسكرية وجهات أمنية تراقب وتدقق عمل تلك اللجان .
وفقاً لمصادر المعلومات الخاصة كما وردتنا، بدأ عمل لجان المطالبة بالحدود البحرية تقريبا منذ عام 2019 وبعيدا عن وسائل الإعلام لأهمية و خصوصية هذا العمل ، و لان الجهد الوطني الحقيقي عادة هدفه الإنتاج المثمر و حماية حقوق العراق البحرية وفقا للقانون الدولي وكان ممثل وزارة النقل قبطان بحري يمتلك خبرة بحرية دولية كبيرة وحاصل على شهادة الماجستير بالعلوم البحرية من جامعة مالمو في السويد ، تابع الموضوع بدقة علمية وقانونية وفنية وأصبح لديه إيمان بضرورة المطالبة بالمناطق البحرية العراقية قبل فوات الأوان، وظل يسبح ضد التيار داخل الوزارة وخارجها الى ان نجح في إقناع المسؤولين و بمؤازرة أعضاء ورئاسة اللجنة الفنية والقانونية بإقرار خارطة المجالات البحرية و سيادة العراق على خور عبدالله وعلى الممرات الملاحية في خور الخفجة وخور العمية وعلى المياه الاقتصادية وحقول النفط والغاز البحرية العراقية والتوصية بإيداعها لدى الامم المتحدة.
أن هذا القرار سيجعل من العراق الطرف المتحكم والمسيطر على مدخل خور عبدالله تضطر معه دولة الكويت للعودة والاتفاق مع العراق ، وبذلك ستحمى حقوق العراق الوطنية في خور عبدالله وباقي المناطق.
عرضت الخارطة وفقا لتلك المصادر على مجلس الوزراء وتم استضافة جميع الدوائر المعنية المذكورة ،
واقر مجلس الوزراء هذه الخارطة بكتابه المرقم بالعدد 2614 في 10.04.2025بعد التصويت عليها داخل مجلس الوزراء .
بهذا القرار طلب مجلس الوزراء من وزارة الخارجية ايداعها لدى الامم المتحدة ، لكنها للأسف حتى الان في مجرات وزارة الخارجية وهي تماطل في هذا الموضوع من وجهة نظر المصادر ذات الصلة بإعداد الخارطة .!!!
ضمن هذه الجهود المذكورة سلفا ، تم طلب راي من خبير دولي ليبدي رايه في هذه الخارطة وبالفعل تم عرضها على خبير الماني الدكتور روديجر وولفروم الرئيس السابق للمحكمة الدولية لقانون البحار وهو رجل قانون الماني واستاذ القانون الدولي الحالي في كلية الحقوق بجامعة هايدلبرغ والمدير الفخري لمعهد هايدلبرغ ماكس بلانك للقانون الدولي وهو عالم متعمق في هذا الشأن، علما أن مكتب رئيس الوزراء حسب مصادر المعلومات هو الذي دعاه لزيارة العراق بناء على اقتراح لجنة الأمر الديواني 123 حينما حدث خلاف بين النقل والخارجية في تفسير اتفاقية تنظيم الملاحة ووضع خارطة لها تضمن حقوق العراق فيها ، مع العلم أن هناك قرار سابق عام 2013 لدعوة خبير اجنبي لم تنجز .
وقد ابدى الخبير روديجر وولفسون في زيارته للعراق لليومين 27 و28 شباط 2025 بناءا على الدعوة الرسمية الموجه له رايه الايجابي بعد مجيئه للعراق واطلاعه على جميع الوثائق بهذا الصدد مستغربا تأخر العراق في ايداع هذه الخارطة لدى الامم المتحدة وسلم رايه خطيا بهذا الشأن بناءا على طلب رسمي من الحكومة العراقية.
بموجب هذه الخارطة يضمن العراق قانونيا الحق في مياهه الدولية دون تعارض مع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن الدولي بهذا الصدد.
السؤال الى وزارة الخارجية الموقرة: لم التأخير في ارسال الخارطة التي تضمن حق العراق في مياهه الاقليمية رغم قرار مجلس الوزراء بإحالتها كوثيقة لدى الامم المتحدة بموجب كتابه الموجه للوزارة بالرقم 2614 والمؤرخ في 10.04.2025.
أليس في ذلك تضليل للراي العام وتضليل لذوي الصلة من الخبراء والاعلاميين والسياسيين الذين ينادون القضاء العراقي بالحفاظ على حقوقه السيادية؟
كذلك يبدو مما تقدم أن على مجلس الوزراء الموقر و احتراما لقراراته أن يتابع تنفيذها بالسرعة الممكنة كسلطة تنفيذية واحدة مسؤولة دستوريا عن إنفاذ القرارات الوطنية والحيوية وعدم إتاحة الفرصة لتمييع او مجانبة تنفيذ قراراته الملزمة .