لجنة الصناعة و الطاقة

الإظلام الشامل في شبه الجزيرة الإيبيرية.. الأسباب والعواقب والتحديات المستقبلية

المهندس طارق زياد الجميلي

عضو لجنة الصناعة والطاقة

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

5-5-2025

 

 

في حوالي الساعة 12:30 بالتوقيت المحلي في إسبانيا يوم 28 إبريل 2025 قبل دقائق فقط من انهيار الشبكة الكهربائية شكلت مصادر الطاقة المتجددة 78% من مزيج التوليد في الجزيرة الإيبيرية, حيث ساهمت الطاقة الشمسية وحدها بنحو 60% من الطاقة المولدة في حين لم تشكل التقنيات التقليدية مثل محطات التوليد التي تعمل بالغاز والطاقة النووية سوى 15% من إجمالي مزيج التوليد, وهذا الوضع ليس غريبا في إسبانيا أو البرتغال حيث يتم توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بنسبة عالية لا سيما خلال الأيام المشمسة والغنية بالرياح.

وما يميز يوم 28 نيسان هو أنه حدث فقدانان متتاليان للتوليد في جنوب غرب إسبانيا ضمنها منشآت توليد تعتمد الطاقة الشمسية كما موضح ادناه:

ورغم أن التحقيقات ما تزال تجري لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه التوقفات التي أدت إلى فقدان ما يقرب من 15 جيجا واط من الطاقة المولدة وكانت الطاقة المتولدة الباقية غير كافية لتلبية الطلب مما أدى إلى حدوث فشل متتالية عبر الشبكة بأكملها وتم فصل وحدات توليد مختلفة بشكل تلقائي لحماية البنية التحتية وإغلاق محطات الطاقة النووية وفقا لبروتوكولات السلامة والصورة أدناه توضح التوليد من الوحدات المختلفة:

في غضون ساعات شهدت شبه الجزيرة الإبرية انقطاع تام للكهرباء وهكذا انقطعت الكهرباء عن البر الإسباني والبرتغالي في آن واحد واستمر هذا الوضع لعدة ساعات وحدث إظلام تام وتم استعادة الطاقة بعد التوقف كامل للنظام اعتمادا على التوليد الداخلي ثم عبر الربط مع دول الجوار حيث وفر المغرب ما يصل إلى 900 ميجا واط عبر خطوط النقل في مضيق جبل طارق بينما ساهمت فرنسا فيما يصل إلى 2000 ميجا واط

إن خطر انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في أنظمة الكهرباء ذات الحصص العالية من الطاقة المتجددة مؤكد ومع ذلك فإن الإظلام الشامل الحاصل في إسبانيا والبرتغال يسلط الضوء بشكل حاد على نقاط الضعف المعترف بها منذ فترة طويلة

تكمن إحدى المشكلات الرئيسية في نقص خدمات التوليد المساعدة وخدمات تنظيم التردد وضعف القصور الذاتي للمنظومة وجميع هذه الخدمات يتم توفيرها تقليديا بواسطة المولدات المتزامنة في محطات الطاقة التقليدية مثل المحطات الغازية الحرارية والنووية والمحطات الكهرومائية حيث تساهم المولدات بالقصور الذاتي من خلال كتلتها الدوار الكبيرة ما يساعد على استقرار تردد الشبكة والجهد أثناء التقلبات المفاجئة أو الاختلالات على النقيض من ذلك تعمل منشآت الطاقة الشمسية وطاقة الريح عادة على عاكسات تتبع الشبكة وهي أجهزة تتزامن مع تردد الشبكة والجهد بدلا من تحديد تلك المعلمات بنفسها لذا فإنها تعتمد على شبكة مستقرة لكي تعمل بشكل صحيح ولا يمكن لمنشآت الطاقة الشمسية وطاقة الريح دعم استقرار الشبكة بشكل مستقل أثناء الاضطرابات على الأقل في الوقت الحالي.

ومع تزايد حصة مصادر الطاقة المتجددة القائمة على العاكسات وتراجع استخدام التوليد التقليدي أصبحت الشبكة أكثر عرضة لانقطاعات محتملة كما حدث في 28 إبريل.

في اللحظات التي سبقت الحادث اتسم مزيج التوليد بنسبة عالية من الطاقة الشمسية ونسبة قليلة من المولدات التقليدية وهذا بدوره أدى إلى افتقار النظام الكهربائي القدرة على استيعاب الصدمات الأولية لفقدان التوليد

حلول استقرار الشبكة ومخاوف أنظمة الطاقة المتجددة

يعد الاستثمار في محولات تحويل الطاقة الكهربائية العاكسات إحدى أكثر التوصيات إلحاحا وقبولاً للحد من خطر عدم استقرار الشبكة حيث تمكن هذه العاكسات مصادر الطاقة المتجددة بين محاكاة إداء محطات الطاقة التقليدية من خلال إرساء مرجع ثابت للجهد والتردد مما يسهم في الحفاظ على استقرار الشبكة اثناء الاضطرابات ويجدر بالدول التي تنوي التوسع في إدخال الطاقة المتجددة بأخذ ذلك بنظر الاعتبار.

وتمثل محولات الطاقة المشكلة للشبكة خطوة واعدة نحو تحسين استقرار النظام في سيناريو الطاقة المتجددة العالية إلا أنها لم تختبر على نطاق واسع في الشبكات الكبيرة والمترابطة.

تعتمد معظم الأنظمة الناجحة في استراليا وهاواي على محول واحد لإداء هذا الدور وقد تؤدي محاولة تشغيل محولات طاقة (العاكسات) المتعددة بهذه التقنية وفي وقت واحد إلى استجابات متضاربة بينما يستدعي المزيد من البحث والتطوير.

تعتبر محطات الطاقة الكهرومائية التي تعمل بالضخ والتخزين وأنظمة البطاريات عناصر أساسية لإدارة فائض الطاقة وضمان الإمداد خلال الأوقات الحرجة كما يمكن للبطاريات على وجه الخصوص أن تدعم استقرار الشبكة من خلال ضخ أو امتصاص الطاقة بسرعة ومع ذلك ونظرا لأنها تعتمد على تقنيات العاكس يبقى التحدي الرئيس تصميم وبرمجة عكس اته الاستجابة بفعالية لتقلبات الشبكة.

إحدى المخاطر المباشرة التي أعقبت انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال رد فعل شعبي سلبي محتمل تجاه الطاقة المتجددة ومع ذلك لم تكن مصادر الطاقة المتجددة بحد ذاتها السبب الجذري لهذه الانقطاعات الشاملة الدرس الرئيسي هو أن ضمان استقرار وموثوقية ومرونة شبكة تهيمن عليها مصادر طاقة متجددة متنوعة يتطلب أكثر من مجرد زيادة عدد الألواح الشمسية وتوربينات الرياح ينبغي دعم هذه التقنيات بشبكة الكهربائية مصممة خصيصا لتلائم هذه المنظومات.

ببساطة يعد تحديث الشبكة الكهربائية أمرا أساسيا لنجاح عمليات انتقال الطاقة وهذا يقود إلى سؤال بالغ الأهمية وغالبا ما يغفل عنه من يتحمل تكلفة هذا التحديث

من يتحمل كلفة هذا التحديث؟

غالبا ما تحل مصادر الطاقة المتجددة محل توليد الطاقة التقليدية الذي تبقى خاملة لفترات طويلة وهذا يصعب على مشغلي محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز والوقود النووي استرداد تكاليفهم الثابتة وقد يثبط الاستثمارات المستقبلية ونتيجة لذلك يميل توافر الموارد التقليدية إلى الانخفاض معا لزيادة انتشار الطاقة المتجددة ويحقق هذا الاستبدال  فوائد بيئية ملحوظة الذي يقلل من الآثار البيئية الخارجية المعروفة مثل انبعاثات الكربون والملوثات الأخرى المرتبطة بالمولدات التقليدية وقد بررت هذه الفوائد منذ فترة طويلة تقديم الإعانات والحوافز الضريبية لدعم نشر الطاقة المتجددة

ومع ذلك أوضحت أحداث 28 إبريل بأن هنالك متطلبات جديدة على مستوى النظام مثل التحكم في التردد والقصور الذاتي والتي عادة ما توفرها المولدات التقليدية والتي إن لم تعالج بشكل كافي قد تقوض استقرار الشبكة وقد تؤدي إلى انقطاعات في التيار الكهربائي مجددا وبنفس المنطق الذي برر الدعم المالي للفوائد البيئية لمصادر الطاقة المتجددة ينبغي على منتجي الطاقة المتجددة أيضا المساهمة في تكلفة الحفاظ على استقرار الشبكة اللازم مع تزايد اندماجهم في النظام ومع ذلك فإن هذا المنطق قد يكون حساسا سياسيا ففي الماضي كانت السياسات التي تتطلب دعما للطاقة المتجددة تواجه صعوبات ومن المتوقع أن تواجه صعوبات أكبر في حالة توفير الدعم الارتقاء بالشبكة لاستيعاب الطاقات المتجددة.

دروس للمنظومة العراقية

أعلنت الحكومة العراقية نيتها إدخال 12,000 ميجاوات الطاقة المتجددة بحلول 2030 وهو هدف طموح جدا, ومن المعلوم أن المنظومة العراقية تعاني من وهن شديد في منظومات نقل الطاقة وتوزيعها ولذا من الضروري التنبيه بضرورة إجراء دراسات تفصيلية والنهوض في واقع المنظومة وضرورة إبقاء توازن يضمن عدم الإخلال القصور الذاتي للمنظومة ككل وأن يتم تحديث المواصفة الفنية لمنظومات الطاقة المتجددة لأخذ بنظر الاعتبار العوامل التي ذكرناها سابقا أن الدروس المستخلصة من التجربة الإسبانية أظهرت ضرورة وجود ربط جيد مع دول الجوار المقصود هنا بالربط هو الربط التزامني الصحيح وليس الرابط المعزول مثل ما يجري حاليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى