لجنة التربية و التعليم العالي و البحث العلمي

نهاية المشروع الإيراني.. ولكن من يملأ الفراغ؟

بقلم: الأستاذ الدكتور قيس عبدالعزيز الدوري

عضو لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

صديق سوري باحث أثار شهوتي للكتابة عن هذا الموضوع حيث كتب تحليل عن الحرب بين إيران واسرائيل او الحرب بين اسرائيل وإيران اسمه جهاد العدلة ولذلك قلت مؤكداً كلام اخينا العدلة من السذاجة الاعتقاد أن انهيار مشروع ما، يعني تلقائيًا نهوض مشروع نقيض له يخدم مصلحة الأمة. فكما أن سقوط المشروع الإمبراطوري الإيراني في قلب الجغرافيا العربية يمثل انفراجة للأغلبية الساحقة من شعوب المنطقة، إلا أن الفراغ الإستراتيجي الناشئ لا يُبشر بالضرورة بانتصار الحق، بل قد يُستثمر من قبل مشروع أشد خطورة، وأكثر رسوخًا.

دعك من أولئك الذين يدافعون عن إيران لأنها “من أهل القبلة”، فهم يقيسون الأمور بمنظار عاطفي، أو لحسابات غير بريئة، ويستشهدون بمقولة ابن تيمية في غير موضعها، فيبنون على فرضية مغلوطة تؤدي إلى نتائج كارثية. الحقيقة أن المشروع الإيراني لم يكن يومًا مشروعًا إسلاميًا جامعًا، بل كان مشروعًا هجينًا مذهبيًا توسعيًا، طمَح لتغيير هوية الأمة من داخلها، بممارسات قمعية وطائفية، بلغت من السوء ما فاق أذى الاحتلال نفسه في بعض المناطق.

ومع انحسار النفوذ الإيراني وتراجع ترسانته العسكرية، وتآكل جبهته الداخلية المتململة من السياسات العقيمة للنظام، يبدو أن مشروع “الولي الفقيه” يسير نحو نهايته المحتومة، سواء سقط النظام أو بقي مجردًا من أنيابه.

لكن… من يملأ الفراغ؟

الجواب المُرّ: الكيان الصهيوني.

الكيان الذي لم يكن يومًا في وضع أقوى مما هو عليه الآن:

  • دعم أمريكي مطلق من إدارة يمينية ذات ارتباط عقدي بالمشروع الصهيوني.
  • غطاء غربي واسع.
  • قبول رسمي عربي، تطبيعًا أو رضًا أو صمتًا.
  • وتفكك جبهات المقاومة، باستثناء من تبقى من الرجال الخضر الذين لا يزالون يحققون له الخسائر المعنوية والرمزية، ويقضّون مضجعه بصبرهم وقدرتهم على الاستمرار.

الكيان يمضي في معاركه بعد أن نجح في بناء سردية وجودية مقنعة لشعبه: إما الانتصار أو الفناء. وهي سردية نجح في توحيد الداخل الإسرائيلي خلفها رغم فساده السياسي. بل إنّ قدرته على فتح جبهات متزامنة في غزة، ولبنان، وسوريا، ثم ضرب الداخل الإيراني، دليل على امتلاكه منطق الأسباب، وعمقًا استخباراتيًا، وتفوقًا تقنيًا وعسكريًا، بينما خصومه يئنون من فساد داخلي، وعزلة دولية، وهشاشة شعبية.

إيران، مهما أطلقت من صواريخ، لن تغيّر نتيجة المعركة، لأنها تعيش عزلة جماهيرية عربية بسبب طائفيتها، وعزلة شعبية داخلية بسبب اقتصادها المنهار، وعزلة دولية بسبب مشروعها النووي الذي تستهلك فيه طاقة الدولة وثروات الناس.

ومع مرور الوقت، ستُستنزف قدراتها أكثر، وسيتحوّل النظام إلى مجرد ظل باهتٍ لإمبراطورية لم تولد أصلاً، وسيضطر إلى التخلي عن طموحاته النووية والتوسعية، مقابل بقائه المؤقت.

في المقابل، الكيان الصهيوني لا يرى في معركة الجنوب الفلسطيني مجرد حرب عابرة، بل معركة وجودية لا تقبل إلا بالانتصار، لأن أي تنازل فيها هو أول خطوة في طريق الانحسار، وهو ما لا يقبل به رئيس وزراء متطرف، ذكي، مدعوم من الداخل والخارج.

وإذا كانت المنطقة قد تخلّصت من مشروع طائفي كارثي اسمه إيران، فإنها قد تُدفع بثقل أعظم إلى مشروع تطبيعي شامل وخطير اسمه الكيان، سيدخل بقوة في المنظومة الأمنية والسياسية والاقتصادية للمنطقة، وستصبح له اليد العليا، بحكم تفوقه المالي والتقني، وارتباطه العضوي بالغرب.

فهل من بديل؟

ربما تكون تركيا.

فإذا ما امتلكت أنقرة إرادة سياسية، ورؤية إستراتيجية، فإنها قادرة على لعب دور الموازن الإقليمي، لا بحكم التاريخ فقط، بل بحكم حسها القومي المستيقظ تحت قيادة الرئيس أردوغان، وبحكم إدراكها المتنامي لخطورة تمدد المشروع الصهيوني على أمنها القومي.

ولعل تلاقي التوجس القومي التركي، مع الحذر العربي من تغول الكيان، يُنتج تحالفًا عقلانيًا، يتصدى للمشروع الجديد، ويمنع أن تتحول نهاية إيران إلى بداية لهيمنة صهيونية شاملة على المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى