التخريب الممنهج للتعليم العالي من جراء استحداث الكليات الاهلية بعد عام – 2003
التخريب الممنهج للتعليم العالي من جراء استحداث الكليات الاهلية بعد عام – 2003
الاستاذ الدكتور شلال حبيب الجبوري
عضو مؤسس في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي
إن التعليم الاهلي في العراق ليس بدعة فهو تعليم معروف في دول العالم المختلفة خاصة في امريكا واوربا وهو تعليم راقي وقد يتفوق على التعليم الرسمي احيانا ولأسباب كثيرة منها:
- توفر الكادر التدريسي الكفؤ
- توفر البنايات الجامعية بمواصفات عالية من حيث السعة وعددها والبنايات الخاصة بالتدريسيين ومكاتبهم واماكن راحة الطلاب وناديهم والبنايات الخاصة بالمختبرات والمكتبة ودورات المياه واجهزة الحريق
- توفر المستلزمات المادية والعلمية من حيث الاجهزة المختبرية واجهزة التدفئة والتبريد
- المناهج الدراسية المتطورة
- القبول على اساس الكفاءة وحسب شروط الاقسام العلمية
- ادارة الامتحانات بصورة كفوءة ودون محاباة وعدم التساهل في قضايا الغش
- النتاج البحثي الغزير والمؤلفات الراقية وبراءات الاختراع والجوائز السنوية والعقود المالية مع المؤسسات الحكومية والخاصة بما يزود الجامعة بموارد مالية لدعم نشاطاتها
- جودة التعليم وتحقيق شروطه
- الادارة الجامعية الكفؤ
وغيرها من الاسباب الداعمة لها من قبل المجتمع المحلي وموازنة الدولة
ان التعليم العالي في العراق له إرث تراثي وفكري على مدى عقود منذ نشأة الدولة العراقية وتم المحافظة على علميته وجودته وعند استلام الحكم الوطني لوزارة التعليم العالي بعد ثورة 17-30 تموز 1968 عقدت الوزارة عدة مؤتمرات من اجل تشخيص الاخفاقات وتصحيحها وتعزيز الايجابيات ووضع استراتيجية وطنية للتعليم العالي تضمن الارتقاء به وجعله تعليما راقيا يرفد ابنائه بالمهارات العالية وحسب التخصص المطلوب من اجل التنمية والنهوض بالمجتمع وقد كان لندوة النهوض عام 1992 التي اشرف عليها وقادها شهيد الحج الاكبر المرحوم صدام حسين اثر كبير في وضع استراتيجية وطنية لمواجهة الحصار الظالم والحفاظ على منجزات التعليم العالي على مستوى الدراسة الاولية والعليا ومن بين مفردات هذه الاستراتيجية الاتي:
- البدأ بجحفلة الجهد الوطني واستحداث الدراسات العليا في الجامعات العراقية مما ساعد على رفد الجامعات بالكوادر التدريسية والبحثية
- وضع قواعد راسخة لاستحداث الكليات والاقسام العلمية سواء في التعليم الرسمي والاهلي ومنها :
- توفر على الاقل 5 تدريسيين وبمراتب علمية مختلفة للقسم العلمي المستهدف استحداثه والذي يحتاجه البلد وفق الاستراتيجية الوطنية
- توفر البناية الملائمة والمجهزة بكافة المستلزمات المادية والعلمية
- توفر المكتبة وتجهيزاتها
- ان لا يكون الاستحداث عشوائي وانما وفق الحاجة والمكان الملائم
- توفر الادارة الكفؤ
ولأجل تحديد التخصصات المستحدثة والتي تخدم التنمية فقد جرى مسح شامل للخريجين ضمن سلسلة زمنية طويلة لتحديد اولويات الاستحداث حيث برزت الحاجة للتخصصات الطبية اولا وبعض التخصصات الهندسية ثانيا ثم التخصصات الاخرى ولما كان البلد يمر في حصار ظالم فقد تم التفكير في استحداث التعليم الاهلي ووفق شروط التعليم الرسمي من اجل تخفيف الضغط على التعليم الرسمي علما انه كانت هناك جامعة الحكمة الاهلية والكلية الجامعة والتي سميت بالمستنصرية عند تحويلها الى جامعة رسمية
ومن المحددات التي وضعت للتعليم الاهلي ان لا يدخل التخصصات الحاكمة مثل التخصصات الطبية والهندسية وان لا تفتح دراسات عليا على ان ينظر فيما بعد بذلك عند استقرار وتقدم هذه الكليات وان لا يكون هدفها ربحي وتخصيص جزء من ارباحها لدعم الكلية ونشاطها البحثي مع نسبة قليلة للمؤسسين
ومن شروط الاستحداث ان تكون الكلية مكفولة من قبل نقابة او جمعية او اتحاد وليس افراد ووفق هذه الشروط فقد استحدثت الكليات الجامعة الاتية:
- كلية الرافدين في بغداد
- كلية المنصور في بغداد
- كلية التراث في بغداد
- كلية المأمون في بغداد
- كلية العلوم الاقتصادية في بغداد
- كلية المعارف في الانبار
- كلية شط العرب في البصرة
- كلية الحدباء في الموصل
- كلية اليرموك في ديالى
وفي عام 2002 اعطيت موافقة على استحداث كلية صيدلة وبقبول لا يتجاوز 50 طالب في السنة
إن الشروط التي وضعت من قبل الوزارة لعمليات الاستحداث تم خرقها من قبل الاحزاب المتنفذة وعملائها فتحول الاستحداث الى تجارة وفساد وغير مرتبط بشروط ولا بمصلحة البلد فاطلق العنان له وبتواطؤ من قبل الجهات المعنية بالوزارة مقابل المال او بضغط الاحزاب ومعمميها بحيث تضخمت اعداد الكليات والجامعات بما يزيد عن حاجة البلد واثر ذلك كثيرا على مستوى التعليم وتدنيه وتفشي الفساد بدفع من مالكي هذه الجامعات والكليات وكمثال على الاستحداث العشوائي نورد بعض نتائجه كما يلي (هذا لا يشمل الدراسات المسائية):
- اصبح لدينا 17 كلية طب أسنان رسمية و 39 اهلية اي بمجموع 56 كلية طب اسنان
- 17 كلية صيدلة رسمية و 39 اهلية بمجموع 56 كلية صيدلة
- 26 كلية طب رسمية وكليتين اهلية
- 14 كلية تمريض رسمية و21 اهلية
- 21 كلية قانون رسمية و61 اهلية
- ادارة اعمال 21 قسم رسمي و32 اهلي
- محاسبة 15 قسم رسمي و 26 اهلي
- تقنيات مختبرات طبية 5 قسم رسمي و54 اهلي
- تقنية صناعة أسنان 5 قسم رسمي و15 اهلي
ونفس الشيء للتخصصات الأخرى وهذه الصورة الكارثية جعلت بعض النقابات تعلن الغاء التعيين لخريجي الصيدلة وطب الاسنان لضخامة الاعداد وتدني مستواهم المهاري حيث لو قسمنا اعداد الاقسام والكليات لطب الأسنان والصيدلة على المحافظات يصبح نصيب كل محافظة 4 كليات صيدلة و4 كليات طب اسنان وهذه هي العشوائية في الاستحداث والذي انعكس سلبا على مستوى الخريج اما اذا نظرنا الى اعداد كليات القانون واقسامها والتي بلغت 82 قسم فتبرز الكارثة الكبرى ونفس الشيء بالنسبة للتخصصات الاخرى والتي لاتتوائم مع حاجة البلد سوى توائمها مع جيوب المعممين والفاسدين من خلال الاجور الخيالية فمثلا للتخصصات الطبية فان الاجر لا يقل عن عشرة مليون دينار سنويا والقبول في كل عام بما لايقل عن 350 طالب اي بايراد سنوي لايقل عن ثلاث مليارات ونصف لهذة التخصصات فقط ومن قبل من؟ … من قبل المعممين مثل همام حمودي والحكيم والخزعلي وغيرهم كثر
والصورة تصبح اكثر سوداوية عندما نعلم ان هذه الكليات لا تتوفر فيها الشروط العلمية للتخصصات فهي عبارة عن بيوت عادية او بنايات اغتصبت من قبل المتنفذين مثل بناية جامعة البكر من قبل المعمم حسين الشامي وبناية كلية التراث التي اغتصبت من قبل المدعو علي العكيلي والملقب بعلي قواطي حسب مهنته السابقة ولكن بدعم من جهة متنفذة وكلية العلوم الاقتصادية والتي اغتصبت من قبل قيس الخزعلي والسيرة تطول اذا اردنا ان ندقق في الملكية للكليات والجامعات وباختصار شديد هي دكاكين لأصحاب السلطة والنفوذ
ويمكن اجمال التأثيرات السلبية للاستحداثات العشوائية بما يلي:
- تضخم في إعداد الكليات والجامعات زيادة عن حاجة البلد مما ادى بالنتيجة الى تدني مستوى التعليم
- بما ان الاستحداث تم وفق توجه ربحي بغض النظر عن الجوانب العلمية والمهارية وحاجة البلد فهو استحداث فاسد ومؤذي للبلد
- تفشي ظاهرة الغش بين الطلبة وعدم المحاسبة عليها من قبل المعنيين بالامر ولاسباب منها فساد مالي ومنها بضغط وابتزاز من قبل اصحاب السلطة والمال
- تغير نظرة العالم عن مستوى التعليم في العراق مما دعاهم الى استبعاده من التصنيف الدولي
- فساد التدريسيين بسبب قيامهم بالتدريس المزدوج بين الرسمي والاهلي وتدني مستوياتهم العلمية مما اثر على نتاجهم البحثي
- استحداث دراسات عليا في الكليات الاهلية مما ادى الى اعطاء شهادات لاتتوفر فيها الشروط العلمية ومنحت تحت غطاء الفساد المالي مما اثر على سمعة الشهادة العراقية داخليا وخارجيا
وفي الختام ومن اجل اعادة عجلة التعليم العالي الى مستواه المرموق قبل الاحتلال فان الامر يحتاج الى جهد وطني مخلص وكفوء من اجل اغلاق كل ما هو لا يتوائم مع الشروط العلمية واغلاق ما هو فائض عن الحاجة وتسوية امور الطلبة بنقلهم الى التخصصات الرسمية او الاهلية التي نتوسم بها الرصانة
ملاحظة ان الاحصائيات المذكورة لا تشمل كوردستان وهي مأخوذة من دليل الطالب لهذا العام.