اللجنة الاقتصادية

تحرير العراق من الهيمنة الإيرانية، هل يعيد التاريخ نفسه؟

بقلم: البروفيسور الدكتور سعد محمد عثمان

أستاذ الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية

الأمين العام للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

   في ظل التطورات السياسية المتسارعة، قدّم النائب الأمريكي جو ويلسون ورقةً إلى الكونغرس بعنوان “تحرير العراق من إيران”، والتي حظيت بتأييد واسع داخل الأوساط السياسية الأمريكية والغربية والعربية، فضلًا عن دعمٍ شعبي داخل العراق، خاصة من قبل 80% من العراقيين الذين قاطعوا الانتخابات الأخيرة رفضًا للهيمنة الإيرانية. ومع تصاعد الضغوط على العراق، يكثر التساؤل: هل يعيد التاريخ نفسه كما حدث قبل غزو العراق عام 2003؟ وهل تسير واشنطن وفق نفس الآليات السابقة، أم أن التطورات العسكرية والسياسية فرضت أدوات جديدة للوصول إلى النتيجة ذاتها؟

السياق التاريخي: من الضغوط إلى الغزو بعد حرب الخليج عام 1991، اتبعت الولايات المتحدة مسارًا تصاعديًا من الضغوط على العراق، بدءًا من الحصار الاقتصادي، ومرورًا بفرق التفتيش، وانتهاءً بالاتهامات الكاذبة بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، مما أدى إلى الغزو في 2003 وتسليم الحكم إلى معارضة غير مؤهلة، جاءت من شتات العراقيين في أصقاع الأرض.

واليوم، تبدو أمريكا وكأنها تعيد نفس السيناريو، ولكن بأدوات مختلفة تتماشى مع تطورات المشهد السياسي والعسكري في عام 2025.

  • الاستراتيجيات الأمريكية في استهداف العراق وإيران
  1. 1. التحول في الأدوات العسكرية والوسائل السياسية لم تعد الحرب التقليدية الخيار الأول للولايات المتحدة، إذ أصبحت الحروب السيبرانية، والضغط الاقتصادي، والحصار المالي، واستهداف البنية التحتية أدوات أكثر فعالية في تحقيق أهدافها بأقل الخسائر. لكن النتيجة النهائية ستظل كما هي: التغيير السياسي والإستراتيجي في العراق.
  2. 2. الحسابات الأمريكية: الاقتصاد فوق المبادئ لم تعد واشنطن تبني سياساتها على الاعتبارات الأخلاقية أو القيمية، بل باتت تعتمد على حسابات اقتصادية بحتة، حيث تتحقق الأهداف بأي ثمن، وبأقل تكلفة ممكنة. وما يجري في غزة ولبنان وسوريا واليمن شاهدٌ على ذلك.
  3. 3. المستهدف في العراق والهدف النهائي

المستهدفون: كل من يدعم إيران ويقوي نفوذها، سواء من الميليشيات أو شبكات تهريب الدولار والنفط، أو النظام السياسي الموالي لطهران.

الهدف: إقامة نظام يحقق المصالح الأمريكية، ويحافظ على أمن إسرائيل، ويُقصي النفوذ الإيراني من العراق.

  1. 4. الاستهداف العسكري كخيار حتمي

إذا اتخذت واشنطن قرار تحرير العراق من إيران، فسيصبح الخيار العسكري ملزمًا، خاصة بعد فشل أدوات الضغط الناعمة، وإصرار العراق على التوازن بين أمريكا وإيران، وهو ما تراه واشنطن تهديدًا لمصالحها وخرقًا لعقوباتها على طهران.

وفي هذا السياق، استضافت قناة ILTV الأمريكية ضمن برنامج INSIDER مجموعة من الخبراء الاستراتيجيين، الذين أكدوا أن إيقاف إيران بات ضرورة حتمية بكل الوسائل الممكنة. ووفقًا للتحليلات المطروحة، فإن الضربات الجوية والصاروخية المكثفة قد تكون العامل الأساسي في إشعال ثورة داخلية ضد النظام الإيراني، مع تجنّب مشاركة إسرائيل في الضربات لمنع تأجيج المشاعر الإسلامية.

  1. 5. أكاذيب إيران حول قدراتها النووية

في تقرير نشرته CBN NEWS، كشف الصحفي كرس ميشيل أن ادعاءات إيران بقدرتها على استخدام الأسلحة النووية مجرد أكاذيب تهدف إلى خلق حالة من الردع الزائف. وأكد أن ترامب ملزم بتنفيذ وعوده بمواجهة إيران عسكريًا إذا استدعى الأمر، وهو ما يعكس تصاعد الضغوط داخل الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد طهران.

كما أكد تقرير صادر عن مركز الشرق الأوسط للدراسات في واشنطن، بقيادة كريس ريس، أن إيران تعتمد على استراتيجية التهديدات النووية كأداة سياسية للابتزاز، لكنها تدرك جيدًا أنها لن تكون قادرة على مواجهة ضربة أمريكية شاملة.

  1. 6. أمريكا بدون تحالفات: أجندة جديدة على عكس ما حدث في عام 2003، حيث قادت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا ضد العراق، فإنها اليوم تميل إلى تنفيذ استراتيجياتها بشكل منفرد، دون الحاجة إلى موافقة الحلفاء التقليديين، في إطار فلسفة “أمريكا العظمى” التي تعيد نهجها إلى الحرب العالمية الثانية.
  2. 7. ليس قرار ترامب وحده، بل سياسة أمريكية ثابتة

يعتقد البعض أن التصعيد ضد إيران هو رغبة شخصية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن الحقيقة أن هذا القرار يعكس توجّهًا استراتيجيًا ثابتًا داخل الإدارة الأمريكية، وهو التزام سياسي وعسكري لابد من تنفيذه، بغض النظر عن شخصية الرئيس.

وبرنامج INSIDER الأخير تحت عنوان “Trump’s Bomb Threat” يعكس هذه الحقيقة بوضوح، حيث يؤكد الخبراء أن الضربات العسكرية لإيران لم تعد خيارًا، بل ضرورة، بغض النظر عن توجهات ترامب الشخصية.

 

  1. 8. مهلة 60 يومًا: التفاوض أم الاستسلام؟

منحت الولايات المتحدة إيران 60 يومًا للتفاوض، لكن التجربة التاريخية تشير إلى أن هذه المهلة لا تعني تغيير القرار النهائي، بل مجرد محاولة لإجبار إيران على شروط استسلام مشابهة لما فُرض على العراق قبل الغزو في 2003.

 

  1. 9. مستقبل التحالفات الدولية: إيران وحدها في المواجهة
  • الصين: رغم الشراكة الاقتصادية مع طهران، فإن مصالحها مع أمريكا والغرب أكبر بكثير، مما يجعلها غير مستعدة للدخول في صراع مباشر مع واشنطن من أجل إيران.
  • روسيا: موقفها في حرب العراق 2003 يُذكّرنا بأنها لم تفعل شيئًا لمنع الغزو، مما يشير إلى أنها لن تقدم لإيران أكثر من دعم دبلوماسي محدود.
  • دول الخليج: تمتلك السعودية والإمارات اليوم قوة جوية وصاروخية متقدمة، وقد تنضم إلى أي تحرك عسكري ضد إيران، وربما تشارك مصر وتركيا أيضًا.

السيناريو المتوقع: التغيير قادم لا محالة

كل المؤشرات تؤكد أن القرار الأمريكي قد اتخذ، سواء عبر الضغط الاقتصادي الأقصى، أو عبر عمل عسكري حتمي، أو عبر فرض شروط تفاوضية مذلة تؤدي إلى استسلام إيران وأذرعها.

والعبرة من التاريخ واضحة: كما كان العراق في 2003 وحيدًا في مواجهة العاصفة، ستجد إيران نفسها في الموقف ذاته، ولن يكون أمامها سوى خيارين: الاستسلام أو الدمار الشامل.

ختامًا، يبدو أن التغيير في العراق وإيران قد أصبح ضرورة تاريخية، حتى وإن كان مخالفًا لما كنا نؤمن به أو نحلم به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى