مقايضة الإيداع والمداينة بالتهريب
شوان زنگنه
عضو اللجنة الاقتصادية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
باحث سياسي واقتصادي ، مستشار حكومي سابق
واضحٌ ما يعانيه العراقُ من أزمةِ صرفِ الدولار، وتعدُّدِ أسعاره، وعجزِ التدابير الحكومية في معالجتها، فرغم كافة الإجراءات النقدية، والضخِّ اليومي لعشراتِ، ومئاتِ الملايين من الدولارات في سوق النقد العراقي، عبر المصارف ومكاتب الصرافة، إلا أن الدينار العراقي ما يزال يعاني من التذبذب، وعدم الاستقرار، بل والهبوط المستمر تجاه العملات الصعبة.
وتشير بياناتُ السوق النقدية العراقية إلى نزوح القدر الأكبر مما يتِمُّ ضخُّه في الأسواق من الدولارات من قبل البنك المركزي العراقي إلى إيران، وهذا، حتمًا، يتسبّب بقلة توفُّرها، وتعزيزِ سعرِها تجاه الدينار العراقي، وتوسيعِ الهوّة بين سعرها الرسمي، وسعرها في الأسواق المحلية.
ويعود سبب النزوح والتهريب هذا، وكما تعلمون، إلى حاجة البنك المركزي الإيراني إلى الدولار، وذلك لضخّه في الأسواق من أجل حماية العملة المحلية (التومان)، ومنعها من الانهيار، ولمّا كان العراق هو المنفذ الأساسي لتأمين وتوفير الدولار، فإن الطلب الإيراني على دولارات الأسواق العراقية سيبقى نشيطًا، ودائمًا، وحيويًّا، ولن تُجدي تلك الإجراءات الشكلية، والهزيلة، التي يتخذها البنك المركزي العراقي في تخفيف هذا الطلب، كما أن القدرات الإدارية، والسياسية، والاقتصادية، والفنية، للحكومة العراقية غير قادرة على منع النزوح والتهريب.. وعليه، فإن مصير استقرار الدينار العراقي أصبح، شئنا أم أبينا، مربوطًا بمصير التومان الإيراني.
لذا، ولكي تَتِمَّ معالجةُ هذه المشكلة المستورَدة نهائيًّا، ويتمَّ تحريرُ الدينار من رِبْقَةِ التومان، ولِوَضعِ حَدٍّ لهذه العلاقة غيرِ الطبيعية، والمضرّةِ للاقتصاد العراقي، أقترحُ الآتي:
“مقايضةُ الإيداعِ والمُداينة بالتهريبِ”، وأقصدُ بها: أن يقوم البنك المركزي العراقي بتجزئة مبالغ البيع النقدي في نافذة بيع العملة الأجنبية، يوميًّا، إلى قسمين، قسم صغير منها يتمُّ ضخُّه في الأسواق العراقية، وحسب حاجة السوق، والقسم الأكبر منها، ولِنَقُلْ، 50 مليون دولار، يتمُّ إيداعُه، كودائع دينٍ، لدى البنك المركزي الإيراني، بحيث يتمكّن من التصرف فيها، وضخِّها في الأسواق لحماية التومان، ثم يتمُّ استخدام هذه الودائع في دفع ما يستورده العراقُ من إيران، على أن تتمَّ عملياتُ المَقاصَّة بين البنكين المركزيّين بين الحين والآخر، فيكون العراق بذلك قد قطع دابر التهريب، وحرَّرَ عملتَه من رِبْقَةِ التومان، وتكون إيران قد حصلت مباشرة على العملة الصعبة، دون عناء، أو دفعِ فروقاتٍ للصرف، وبلا عمولاتٍ للسماسرة، على أن يتمَّ التوقف عن هذه العملية حينما تستقر العملة الوطنية، ويعود سعر الدينار إلى وضعه الرسمي والطبيعي، ويكون بذلك قد تمّتْ مقايضةُ الإيداع من قبل البنك المركزي العراقي بمنع عمليات التهريب لصالح البنك المركزي الإيراني
أما الإدارةُ الأمريكية، فإنها ستتفهَّمُ هذا الوضع، حتمًا، فإن أيَّ انهيارٍ لعملة البلدين، وما يتبعُه من انهيارٍ لاقتصاد البلدين، ستكون له آثار سلبية ملموسة على اقتصاد الشرق الأوسط، وعلى اقتصادات الدول التي تتعامل معهما.
وعلى الحكومة العراقية تقعُ مسؤوليةُ المعالجةِ الجذرية هذه، وعليها يقعُ توضيحُ هذه المعالجة للأمريكان، وَفْقَ المادة (50) من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة.
هذا ما لديَّ، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، ألا هل بلّغتُ، اللهم فاشهدْ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته