اللجنة الاقتصادية
أهمية الاستثمار في المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة
أهمية الاستثمار في المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة
الأستاذ إسماعيل الدليمي
مقرر اللجنة الاقتصادية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
- يعتبر الاستثمار الركيزة الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي ومعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه أي مجتمع، الأمر الذي يتطلب بذل قصارى الجهود لتوفير الأموال والموارد الأخرى اللازم توجيهها نحو الاستثمار في المشاريع المتنوعة بما في ذلك المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة، من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المستهدف الذي يؤدي الى رفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي وتخفيض نسب البطالة وتحقيق الاكتفاء الذاتي وإنعاش الصادرات وصولاً الى رفاهية المجتمع.
- من أجل إزالة المعيقات أمام إقامة المشاريع الاستثمارية بأنواعها لا بد من مراجعة التشريعات بما يساعد على توفير الظروف المناسبة لجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية وتشجيع إقامة المشاريع بحسب الأولويات المتاحة في أي بلد، وبموجب دراسات للجدوى الفنية والاقتصادية اللازمة لاعتماد المشاريع في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المتعددة، والتركيز على التكامل بين منتجات المشاريع وتعزيز الإدارات المسؤولة عنها بما يضمن تخفيض تكاليف الإنتاج ورفع مستوى الإنتاجية وتحقيق المنافسة المبنية على نوعية المنتجات وسرعة تسويقها بما يحقق قيمة مضافة واعدة لهذه المشاريع لكي تسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي.
- التنمية الشاملة في أي بلد لا يمكن أن تعتمد على المشروعات الكبيرة ذات الإنتاج الواسع الذي يحقق قيمة مضافة عالية للاقتصاد مملوكة للقطاع العام أو الشركات الكبرى في القطاع الخاص فقط، وإنما لا بد من تشجيع إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يؤدي الى التكامل في الإنتاج وزيادة رقعة المشاريع الاستثمارية في ساحة الاستثمار الوطني، وذلك لضمان تحقيق زيادة في فرص العمل وتخفيض نسب البطالة في المجتمع، وغالباً ما يتم تنظيم المشروعات المتوسطة بشركات ذات مسؤولية محدودة أو عائلية تعود للقطاع الخاص، أو بمشاركة بين القطاعين العام والخاص، للاستفادة من قدرات القطاع الخاص في إدارة هذا المستوى من المشاريع الإنمائية، كما أن المشاريع الصغيرة يتم تنظيمها بشركات صغيرة عائلية أو فردية وأن تنظيمها يخضع للقواعد المحاسبية والتشريعية في البلاد، وغالباً ما يتم التعريف بهذه الشركات بعدد العاملين وحجم رأس المال وقيمة المبيعات ومدى توفر المستلزمات الأخرى، مثلاً في الأردن، بحسب معلومات وزارة الصناعة والتجارة، أن المشاريع الصغرى هي التي تشغل 4 عاملين فما دون، بينما المشاريع الصغيرة هي التي تشغل ما بين 5-19 عاملاً، والمشاريع المتوسطة تشغل ما بين 20-99 عاملاً، وما فوق ذلك تعتبر مشاريع كبرى.
- في بعض البلدان ومنها الأردن بحسب معلومات البنك المركزي الأردني تشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة حوالي 96% من المشاريع القائمة في الأردن والتي تسهم في توفير 70% من فرص العمل، و 40% من الناتج المحلي الاجمالي. وفي بلدان أخرى يمكن أن تشكل هذه المشاريع نسبة لا تقل عن 90% من المشاريع القائمة كما هي الحالة في مصر وتونس والمغرب وبعض دول الخليج العربي.
- لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة في البلدان النامية ومنها العراق لا بد من تشجيع الاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تكون ملكيتها للقطاع الخاص بالإضافة الى الشركات الكبيرة المملوكة من قبل القطاع العام أو القطاع المشترك بين القطاعين العام والخاص، وبعد توسع نشاطات وقدرات الشركات العائدة للقطاع الخاص يمكن أن تتنافس مع الشركات الأخرى وتفوز بالمشاريع الكبيرة لوحدها أو بمشاركة شركات متخصصة أخرى.
- كما أن الاستثمار في المشاريع التابعة للشركات الصغيرة والمتوسطة تساهم في النمو الاقتصادي، مما يتطلب الدعم الكامل لنشاطاتها من أجل تمكينها من توظيف التكنولوجيا الحديثة التي تساعدها بزيادة إنتاجيتها وصولاً الى تحقيق الأرباح الكافية لضمان تطورها واستقرارها وزيادة مساهمتها في الدخل القومي .
- وأن تشجيع إقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص يساعد في قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات التي تحول دون تقدمه، وذلك عن طريق دعم ومساندة مشاريع الشركات الصغيرة والمتوسطة في تهيئة ظروف عملها، الأمر الذي يعزز دورها في التطور الاقتصادي وتشغيل القوى العاملة والقضاء على البطالة.
- إن المشاريع الإنمائية الصغيرة والمتوسطة لا يقتصر وجودها في قطاع دون غيره وإنما توجد في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بحسب احتياجات التنمية في البلاد، غير أن العدد الأكبر لهذه المشاريع في معظم البلدان العربية غالباً ما يكون في القطاع الصناعي والقطاع الزراعي وقطاع الخدمات.
- بل وأن أهم العناصر المساعدة في استدامة النمو في القطاع الصناعي هو توفير التمويل اللازم للمشاريع الإنمائية الصغيرة والمتوسطة عن طريق البنوك المتخصصة إضافة الى البنوك التجارية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المستهدفة عبر مشاريع القطاع الصناعي. وهنا يمكن أن يلعب الجهاز المصرفي متمثلاً بالبنوك المركزية والمصارف الحكومية المتخصصة والتجارية دوراً بتوفير الاحتياجات التمويلية للقطاع الخاص بأسعار فائدة منخفضة مع توفير رصيدٍ كافٍ لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومنح هذه المشاريع تسهيلات مجزية مثل تأجيل دفع الأقساط وتخفيض الأعباء الضريبية وإعفاء من الرسوم، وخاصة في الحالات التي تتعرض البلاد للكوارث الطبيعية.
- إن درجة التقدم الاقتصادي وخاصة في القطاع الصناعي تعتمد على الأفكار النوعية ومدى تأهيل القوى العاملة اللازمة لإدارة وتشغيل المشاريع لا سيما الصغيرة والمتوسطة منها ومستوى استخدام التكنولوجيا الحديثة والرقمية في عملياتها الإنتاجية والإدارية، خلافاً للأساليب القديمة في الإدارة والإنتاج والتسويق وحتى العلاقات الداخلية والخارجية، لأن أساليب الإدارة التقليدية للمشاريع تتطلب كلف تشغيلية عالية، لذا فأن العمليات الإنتاجية والإدارية في المشاريع الصناعية بأنواعها تتطلب إمكانات بشرية تعتمد على التكنولوجيا المتطورة والتي تستوجب الإلمام بالمهارات التقنية الحديثة إضاقة الى المعرفة الأكاديمية أو المهنية، الأمر الذي يشجع الاستثمار في المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة أيضاً والتي يمكن أن تساهم في زيادة النمو والتقدم الاقتصادي.
- كما أن تطوير القطاع الزراعي باستخدام التكنولوجيا ودعم البحث العلمي في نشاطاته وإقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل المزارعين في القطاع الخاص يساعد في تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب، على أن تكون هذه المشاريع مشمولة بالدعم المالي عن طريق مؤسسة تمويلية حكومية أو صندوق استثمار يساهم في إدارته وتمويله القطاع الزراعي الخاص، مع إمكانية ربط تنظيم المشاريع موضوع البحث بنظام تعاوني يضمن تمكين المشاريع الزراعية من الحصول على مستلزمات إنتاجها إضافة الى ضمان تسويق منتجاتها، وهذه التعاونيات لا تقتصر على الإنتاج النباتي وإنما تشمل الإنتاج الحيواني أيضاً، مع أهمية توفير أنواع الدعم اللازم لنجاح هذه المشاريع، لأنها تعتبر من أهم الوسائل لمحاربة الفقر والقضاء على البطالة وتحسين مستويات الدخل لسكان الريف.
- أما المشاريع الإنمائية الصغيرة والمتوسطة في قطاع الخدمات بأنواعها، التجارية والنقل والطاقة والسياحة والترفيه والخدمات الأسرية… إلخ، فأنها قطاعات حيوية تشغل أعداد كبيرة من السكان، لا بد من دعمها مادياً بشروط ميسرة تساعد على ضمان نجاحها واستمرارها، وضمان مساهمتها الفعالة في رفاه وسعادة المجتمع.
- إن العاملين في المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة يشكلون القسم الأعظم من الطبقتين الفقيرة والوسطى في المجتمع ويمثلون صمام الأمام لتعافيه وتطوره، وكلما توسعت نشاطات مؤسساتها الإنتاجية والخدمية كلما زادت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وفي الظروف التي تتعرض لها البلاد لعقبات وتحديات مثل وباء كورونا لا بد من تشجيع التمويل المؤسسي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة مع تخفيض الأعباء على المستثمرين بهذه المشاريع، كما ذكرنا، عن طريق خفض أسعار الفائدة وتأجيل الأقساط وغيرها من التسهيلات لحين تحسن الأوضاع الطارئة.
- إن تشجيع إقامة مشاريع تنموية صغيرة ومتوسطة معناها تشغيل الشباب ذكوراً وإناثاً في هذه المشاريع، وذلك بإتاحة الفرص التشغيلية للمرأة بنطاق واسع لا سيما في قطاعات الصناعات الغذائية والتجارة والسياحة والخدمات الأسرية، الأمر الذي يتطلب التركيز على تأهيل هؤلاء بما يعزز عمل تلك المشاريع، كما أنه من الضروري دعم مراكز التدريب المهني والتدريب أثناء الخدمة بما يضمن توفير مهارات تؤهل الشباب والمرأة للعمل في المشاريع الإنمائية الصغيرة والمتوسطة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.