صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية – الحلقة الثامنة عشرة
الدورة العشرون … ميونيخ … 1972
أ. د إسماعيل خليل إبراهيم
نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة
اختارت اللجنة الأولمبية الدولية في اجتماعها الذي عقد عام 1966 مدينة ميونيخ الألمانية لتنظيم دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1972. وكان ( ويلي داومي ) رئيس اللجنة الأولمبية الألمانية وعمدة مدينة ميونيخ آنذاك ( هانز يوخن فوغل ) قد قاما بحملة مكثفة من أجل استضافة الدورة .
اقيمت الدورة من ( 26 آب إلى 10 أيلول ) بمشاركة ( 7234 ) رياضيا بينهم ( 1059 ) لاعبة من ( 121 ) دولة ، فكانت الأضخم في كل شيء ، وتفادت اللجنة المنظمة للدورة مقاطعة الدول الأفريقية والعربية لها بمنعها ( روديسيا ) التي تنتهج سياسة التمييز العنصري من الحضور و التي كانت أعلنت مسبقا أنها ستوفد 30 مشاركا . من الدول التي شاركت للمرة الأولى ( ألبانيا و فولتا العليا و الغابون و داهومي و كوريا الشمالية و ليسوتو و مالاوي و المملكة العربية السعودية و الصومال و توغو ) .
وشملت المنافسات ( 21 ) لعبة هي : ( ألعاب القوى و التجذيف و كرة السلة و الملاكمة و الكانوي-كاياك و الدراجات و الفروسية و المبارزة و كرة القدم و الجمباز و رفع الأثقال و الخماسي الحديث و الكرة الطائرة و الرماية و اليخوت و القوس والسهم التي عادت بعد غياب ( 52 ) عاما ، وكرة اليد التي سبق أن أدرجت في دورة برلين عام ( 1936 ) وكان حينها كل فريق يتألف من ( 11 ) لاعباً .
في ( 26 آب 1972 ) افتٌتحت الألعاب الأولمبية الصيفية العشرين بحفل في ملعب ميونيخ الأولمبي حضره ( 80 ) ألف مشاهد وتابعه الكثيرون على الهواء مباشرة عبر التلفزيون أو الراديو . أدت بطلة ألعاب القوى الألمانية ( هايدي شولر ) قسم الرياضيين لتكون المرة الأولى في تأريخ الألعاب الأولمبية التي تؤدي فيها المرأة قسم الرياضيين ، كما اعتُمد للمرة الأولى قسم للإداريين والحكام . وحمل العداء الألماني ( غونتر زهان ) الشعلة الاولمبية وجرى في الملعب الأولمبي محاطا بعدائين من القارات الأربع الأخرى هم ( الاميركي ريوان و الإفريقي كينو و الياباني كيميهارا و الاسترالي كلايتون ) .
أبرز أبطال الدورة : حصد السبّاح الأميركي مارك سبيتز ( 7 ذهبيات ) ، كانت في سباقات 200 متر فراشة ، والتتابع 4 مرات 100 متر ، و 200 متر حرة ، و 100 متر حرّة ، والتتابع 4 مرات 200 متر ، والتتابع 4 مرات 100 متر متنوعة ، و100 متر فراشة . وعند السيدات حصلت السباحة الأسترالية شاين غولد (15 عاماً ) على ذهبيات 200 متر حرّة ، و400 متر ، و200 متر متنوعة معزّزة أرقامها العالمية إضافة إلى برونزية 100 م وفضية 800 م .
وخطفت السوفياتية أولغا كوربوت (17 عاماً) القلوب بحصولها على ( 3 ) ذهبيات وفضية في الجمباز ، وحصل العداء السوفياتي فاليري بورزوف على ذهبيتي سباقي 100 و200 م ، والفنلندي لاسي فيرين ذهبيتي 5 ألاف و10 ألاف م . واكتفى العرب بفضيتين بفضل العدّاء التونسي محمد القمودي في سباق 5 آلاف متر ، والرباع اللبناني محمد خير الطرابلسي في وزن المتوسط .
نوادر و طرائف : وصِفَت دورة ميونيخ الأولمبية بـانها ( دورة الرياضيات الحسناوات ) ومنهن الألمانية ( هايده روزندال ) بطلة الوثب الطويل ، والألمانية ( أولريكه ميفارت ، والكندية ديبورا بريل ، والنمساوية إيلونا غوزنباور ) اللواتي تنافسن في مسابقة القفز العالي التي فازت بها ( مايفرت ) وهي في سن السادسة عشرة لتصبح أصغر بطلة أولمبية في ألعاب القوى .
غاب الاميركيان ( هارت و روبنسون ) عن تصفيات الدور ربع النهائي لمسابقة ( 100 م ) عدواً إذ لم يعلمهما إداري الفريق الاميركي بتعديل موعد السباق . أما سباق 1500 م الذي اعتمد للمرة الأولى للنساء فكان الفوز فيه من نصيب السوفياتية ( لودميلا براجينا ) .
أقيمت مسابقة كرة اليد للرجال في القاعة المغلقة ، وأصبحت الفارسة ( ليسلوت لينسنهوف ) من ألمانيا الغربية أول امرأة تفوز بذهبية ترويض الخيول ، وعادت الرماية بالسهام إلى البرنامج الأولمبي بعد غياب دام 52 عامًا .
اعتبر فوز منتخب الاتحاد السوفيتي بكرة السلة على البطل التقليدي الولايات المتحدة وبفارق نقطة واحدة وفي الثانية الأخيرة (51 – 50) هو الاهم بالنسبة للسوفييت في مباراة نهائية لا يزال ذلك الفوز مثار جدل كبير لا سيما ما يتعلق بالثواني الثلاث الأخيرة التي احتج الاميركيون طويلا عليها ، وتحقق الفوز بفضل رمية خاطفة للسوفياتي ( سيرغي بيلوف ) وكانت تلك هي المرة الاولى التي يهزم فيها المنتخب الاميركي في كرة السلة خلال دورات الالعاب الاولمبية .
كانت الألعاب الأولمبية في ميونيخ محطّة شنّت خلالها اللجنة الأولمبية الدولية حربها على المنشطات وكلّفت الأمير البلجيكي ( ألكسندر ) بقيادتها لكبح جماح السباق بين التحاليل الضابطة وحملات التوعية وفبركات المختبرات وطرقها الجديدة المتطوّرة والمستمرّة . وقد أقصي السباح البلجيكي ( ريك دومون ) الذي كان يعاني من الربو أُقصي من نهائيات سباق 400 متر حرّة بعد اكتشاف تناوله عقار ( ماراكس ) المهدئ الذي يحتوي على منشط ( الإيفيدرين ) المحفز ليكون أول متسابق يستبعد بسبب تناوله لهذه المادة .
في بقية اللعبات احرز منتخب بولندا ذهبية كرة القدم بفوزه على المجر ( 2 – 1 ) . واحرز منتخب اليابان ذهبية الكرة الطائرة للرجال وذهبت الفضية الى المانيا الديمقراطية ، ولدى السيدات احرز منتخب الاتحاد السوفيتي الميدالية الذهبية والمنتخب الياباني الميدالية الفضية . وأحرز الاميركي ( فرانك شورتر ) ذهبية سباق الماراثون في اليوم الأخير من الألعاب وقام إيفري برونديج رئيس اللجنة الأولمبية الدولية بتسليمه بالميدالية الذهبية .
في اختتام دورة ميونيخ انتهت فترة رئاسة إيفري برونديج للجنة الأولمبية الدولية حيث تولاه الآيرلندي ( مايكل موريس كيلانين ) أو اللورد كيلانين . على الصعيد الاولمبي كان برونديج مناصرا للهواية وحارب المد التجاري والإعلاني من منطلق أن الرياضة هواية وشغف وليست ميداناً للكسب المادي ، لكن خليفته اللورد كيلانين أدرك منذ بداية ولايته ان العالم تغير كثيرا منذ محاضرة البارون بيير دي كوبرتان عام 1894 في جامعة السوربون ودعوته إلى إحياء الألعاب الاولمبية . أدرك كيلانين أن كبر حجم الألعاب الأولمبية وارتفاع عدد المشاركين فيها وزيادة عدد مسابقاتها ان ذلك يولد مشكلة من ناحية ارتفاع تكاليف التنظيم ، إضافة إلى الأهداف السياسية التي أدلت بدلوها في هذا المعترك ، وتفشي المنشطات مما جعل الاعتماد على دور المال أمر لا مفر منه ، وكانت البداية لمشاركة اللاعبين المحترفين في الألعاب الأولمبية بعد أن كانت مقتصرة على الهواة . وفي عهده ارتفع عدد اللجان الأولمبية الوطنية المنظمة إلى اللجنة الأولمبية الدولية إلى ( 142 ) لجنة .
في المحصلة النهائية لجدول الميداليات حل الاتحاد السوفياتي في المركز الأول برصيد ( 99 ) ميدالية منها ( 50 ميدالية ذهبية و 27 فضية و 22 برونزية ) وحلت الولايات المتحدة في المركز الثاني بحصولها على ( 94 ) ميدالية منها (33 ذهبية و 31 فضية و 30 برونزية ) ، وجاءت ألمانيا الشرقية ثالثة بحصولها على ( 66 ) ميدالية منها (20 ذهبية و 23 فضية و 23 برونزية ) ، وحلت ألمانيا الغربية رابعة بـ ( 40 ) ميدالية منها (13 ذهبية و 11 فضية و 16 برونزية ) .