العرف في التشريع العراقي
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
التشريع كما هو معروف يتضمن مصادر أصلية وأخرى فرعية والتشريعات هي القوانين التي تصدر عن السلطة على وفق الأهمية والأولوية وبدرجات. والمعني بذلك الدستور، ثم القانون، ثم القرارات والأنظمة والتعليمات التي تصدر من قبل السلطة التنفيذية. والمصادر الأساسية للتشريع وحسب الأهمية هي مبادئ الشريعة الإسلامية ومن ثم الدستور ويليه القانون ثم العرف والقياس كمصدران مساعدان. والعرف هو ما أعتاد علية الناس وألفوه من قول أو فعل في تصرفاتهم وعاداتهم وأصبحت كعادات ملزمة شرط أن لا تتعارض مع القوانين والأنظمة.
ويعتبر العرف من أقدم وأهم المصادر التشريعية والقانونية وللقضاء وللفتوى والاجتهاد في المسائل الفقهية العالقة. وللعرف مكانة مميزة في العمل التجاري حيث تكثر الأعراف المتعددة التي تحكم التعامل والتجارب وكذلك يعتبر العرف مصدرا من مصادر القانون الدولي العام والقانون الدولي الخاص والمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والإقليمية، والمحلية.
والعرف الصحيح يعتبر منارا مضيئا لاستنباط الأحكام كما أن القواعد العرفية هي التي لم تفرضها السلطة التشريعية على المجتمع، بل أنها ناتجة عن ممارسات عامة ولمدة طويلة من الزمن استقرت وتجذرت وأصبحت سلوكا معينا نتيجة تكرار العمل بها في أكثر من مرة.
فيتولد الاعتقاد لدى الجميع قناعة تامة باحترامها والعمل بمضمونها ولكي يطلق على السلوك صفة العرف يجب أن يتواتر العمل به ولمدة زمنية قد تقصر أو تطول وفق الأحوال والظروف ويتحول بعدها إلى سلوك عام. ومن هنا تنشأ القاعدة العرفية وتكتسب درجة الإلزام في السلوك وتداول المعاملات وغيرها من شؤون الحياة.
إلا أن هناك اشتراطات يتوجب أن تتوفر بهذه القاعدة كي يعمل بها الفقه والقضاء ومنها ـ أن تكون العادة الاجتماعية قد مر عليها زمنا طويلا كي تتحول إلى القاعدة عرفية. وأن تكون مستمرة، ومستقرة وعامة ومجردة. وأن يألفها المجتمع كي تمنح صفة الالتزام والعمل بها. وأن لا تخالف نصوص القوانين والأنظمة والنظام العام والآداب.
أما أقسام العرف فهي القولي والفعلي والعام ولا ضرورة للخوض في تفاصيلها لأن مفرداتها تدل على تسميتها. وأما مزايا العرف التي تجعله يتقدم على القوانين عند التطبيق:
1ـ يلبي حاجات المجتمع لأنه ينشأ من رحمه ويحقق متطلباته.
2 ـ انه يتوافق مع أرادة الجماعة لأنه صدر عنها.
3 ـ أن العرف يخضع لحالات التطور التي تواكب ظروف المجتمع الحياتية.
أما الانتقادات التي توجه إلى العرف فهي ـ أنه لا يتناغم ولا يتفاعل مع تطور المجتمع في عالم اليوم المتسارع ـ أنه متنوع ومناطقي وقد يختص في محلة دون أخرى الأمر الذي يؤدي إلى تعدد القواعد القانونية ـ أنه يتصف بالمرونة وغير مكتوب مما يصعب ضبطه وكتابته والعمل به.
ومع ذلك فأن أهمية العرف ذو فائدة كبيرة في حالة غياب النص التشريعي وقد يلجا القاضي والفقيه الاستعانة بالعرف في حالات معينة. وكما هو معلوم فأن للعرف ركنين مادي ومعنوي يجب توفرهما وقد أشرنا إليهما في المقدمة وهما عبارة عن سلوك الناس في حالة معينة واعتقادهم بوجوب الالتزام بها وأتباعها لأنها أصبحت قاعدة قانونية.
ويعتبر العرف مصدرا احتياطيا ورديفا للقانون في حالة غياب النص أو سكوت المشرع فيتولى القاضي تطبيقه وبصفته مكمل للتشريع. ويبرز دور العرف بشكل جلي ومميز في القانون التجاري حيث يستبعد العرف ويخالف قاعدة تشريعية في بعض الحالات.
وتتواجد القاعدة العرفية في تطبيق مواد القانون باعتبار العرف مساعدا له في كشف وتشخيص مضامين المواد ويودي إلى سد الفراغ التشريعي.
نصت المادة (1) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 النافذ (1ـ تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها 2 ـ فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقضي مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة 3 ـ وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالإحكام التي أقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية ) وفي القانون التجاري رقم 30 لسنة 1984 لم ينص بصورة مباشرة على كون العرف مصدرا من مصادره لأن المادة (4) لم تنص صراحة على ذلك كون العرف يعد مصدرا من مصادر القانون المدني فضلا عن وجود نصوصا ذكرها القانون التجاري وعلى سبيل المثال النصوص (163 و 164 و174 ) وبالتالي يمكن الأخذ بها واعتبار العرف من مصادر القانون .
أن توجه المشرع باستبعاد العرف كمصدر من مصادر القانون التجاري محل انتقاد يتوجب معالجته لما للعرف التجاري دورا مهما في الأعمال التجارية وبالذات التجارة الدولية والإقليمية حيث يواجه التجار العراقيين تقاليد وأعراف لم يألفوها ومع ذلك لابد من القيام بها وقد لا يتضمنها القانون التجاري. ولكي لا أطيل على القارئ الكريم سوف أنهي المقال بالمقترحات في الاتية:
- يجب اعتبار العرف التجاري مصدرا من مصادر القانون التجاري والنص صراحة على ذلك أسوة بالقانون المدني النافذ وبقية القوانين.
- تضمين القوانين المدنية والإدارية وبالذات قانون الأحوال الشخصية نصوصا تتضمن الأخذ بالعرف وفقا للتسلسل الوارد في القانون المدني في حالة غياب النص فيها.
- إدخال مادة تدريسية في المعهد القضائي تتضمن أهمية الأخذ بالعرف في حالة غياب النص والاستعانة بالتطبيقات القضائية على الرغم من ندرتها.
- لابد من التمييز بين الأعراف الحسنة والصالحة والنبيلة وبين الأعراف المضرة التي لازال البعض يقوم بها والتي تودي إلى هدم وتخريب المجتمع وتقويض أعمدة العدالة. وصياغة قانون يتضمن عقوبات شديدة لمن يمارسها أو يشارك فيها.