إيران والتغيير في سوريا
بقلم أ.د هاني الياس خضر الحديثي
استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية
عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية
التغيير الذي شهدته سوريا ترك تأثيراته سلبا أو ايجابا حسب طبيعة المواقف من نظام بشار الاسد، وله تداعياته داخليا واقليميا ودوليا، بيد ان إيران تقف في الصدارة بين الدول المتأثرة سلبا بهذا التغيير الدراماتيكي عبرت عنه بخطابها المرتبك والمختلف بين مسؤول واخر من كبار المسؤولين في النظام الايراني.
الرئيس الايراني كرر (أن لا أطماع لدينا في الدول المجاورة) نافيا الاتهامات الموجهة لبلاده في التدخل بالشأن السوري.
الا ان قيادي ايراني أكد بصيغة رد الفعل العاطفي المتأزم ان (المقاومة) ستعود الى سوريا خلال عام واحد، وذلك كنتيجة لما تركه المتغير السوري المفاجئ من قصم لظهر شعار وحدة الساحات الايراني.
عراقجي وزير خارجية إيران من جانبه حذر السوريين من الفرح بالخلاص من النظام الاسدي (لا تفرحوا مبكرا. مستقبل غامض ينتظركم).
المرشد الايراني يحذر ويتوعد ويحرض الشباب السوري على القادة الجدد مهددا بدولة اللامستقبل في سوريا …
مجموعة تناقضات تجعل المراقب يستنتج ان النظام الايراني في حالة ارتباك واضح اتجاه الوضع الجديد المعادي للنفوذ الايراني جملة وتفصيلا، والذي افضى الى انهيار المشروع الاستراتيجي لإيران والذي عملت عليه منذ اربعة عقود على الاقل.
فمن نصدق منهم؟
وما علاقتهم بسوريا كي تثور ثائرتهم بعد اسقاط حكم الطغاة (ال الاسد إلى الابد) في سوريا؟
قواتهم التي أعلن الرئيس بوتين صراحة ان الطيران الروسي نقل منها ثلاثة الاف عسكري من سوريا الى إيران عدا المستشارين في الحرس الثوري المتمركز في مدن سوريا متجحفلا مع قوات ماهر الاسد وسط العاصمة دمشق قبل السقوط المدوي.
وملشياتهم الهاربة التي دخلت اراضي لبنان والعراق ومن خلالهما الى ايران وبعظها استقرت تحت حماية هذا الطرف أو ذاك، واعلامهم مصاب بالهستريا على ما أصاب تمدد ايران الاقليمي من تغيير استراتيجي حطم نظرية التمدد الجيواستراتيجي !!! ، كل ذلك يؤكد ان ايران اصيبت بمفاجأة كبرى لم تكن حتى تتخيلها خاصة ان ما حصل في سوريا يعني انقطاع التواصل والامداد الاستراتيجي مع لبنان مما يقوض مساعي طهران لإعادة بناء قدرات حزب الله المدمرة خلال الحرب مع اسرائيل وهو المؤشر الاخر والخطير على افول النفوذ الايراني في لبنان وما يعنيه ذلك للبنان والشعب اللبناني والدولة اللبنانية التي انبطحت سياساتها تحت نفوذ حزب الله ولصالح ايران وايديولوجيتها الاسلاموية .
من جانب اخر فأن أيران استخدمت النظام السوري لبناء علاقات استراتيجية اتجاه العراق ايضا منذ الحرب العراقية – الايرانية حيث الشراكة الاستراتيجية في الحرب ضد العراق وايضا بعد احتلاله عام 2003 م.
فمنذ 2006 استخدمت أيران النظام الأسدي لإدخال تنظيمات القاعدة و الارهاب الداعشي للأراضي العراقية وفق اتفاق قاسم سليماني وبشار الاسد في العراق لإلهاء الامريكان داخله وفق الوثائق التي نشرت، والمؤكد عليها بتصريحات كبار القادة الايرانيين، وبسبب ميلشياتهم ووجودهم هجر نصف الشعب السوري ودمرت مدنهم وقتل مليون ونصف المليون سوري بعد اقناع بوتين بإسناد النظام السوري لقمع ثورة الشعب السوري منذ عام 2011 ليتقاسموا مواقع النفوذ بينهم وبين روسيا على حساب الدولة السورية ، وهو الامر الذي انسحب على العراق ايضا وبذات المنهج وفق قاعدة وحدة الساحات مع ايران .
وادخلت أيران حزب الله من لبنان ليكون الذراع الاقسى ضد سوريا وابنائها حتى تحولت القصير الى مركز عملياته الثاني بعد الضاحية وفق خطابات حسن نصرالله الحماسية وهو يعلن وقوفه الى جانب نظام الاقلية العائلية (العلوية) ضد شعبه (الاسد أو نحرق البلد).
وهو ما حصل فعلا حيث شارك بشكل واسع بحرق المدن وقتل مئات الالاف من المتظاهرين السلميين السوريين في وقت لم تكن داعش الارهابية قد ظهرت بعد والمفارقة الغريبة انها حين ظهرت على الساحة السورية تم توظيفها من قبل حزب الله والنظام السوري لمآرب اخرى كما اثبتت معطيات الواقع ونتذكر جيدا كيف تم نقل الاف منهم بباصات حكومية وبحماية من حزب الله من مواقع داخل سورية الى الحدود العراقية ومنها دخلت الى العراق لتسقط نينوى ومحافظات اخرى تحت نظر قوات التحالف الدولية لتبدأ عملية تدمير المدن العراقية وبتنسيق كامل بين قوات التحالف الدولية والحرس الثوري الايراني بقيادة قاسم سليماني المتجحفلة معه قوات من الحشد الشعبي العراقية وفق ما نشر من تصريحات رسمية من قيادات امريكية وايرانية وعراقية .
لقد وضع الجنرال الايراني محمود جراباخي قائد الحرس الثوري الايراني في سوريا في حديثه الصريح لمحطات التلفزيون الايرانية النقاط على الحروف دون اية فرصة للتفسير والتأويل وهو يقول ان خامنئي كلف قاسم سليماني مباشرة بالتوجه نحو سوريا وحماية بشار الاسد من السقوط وان قاسم سليماني جاءه الى مواقع قواته في سوريا واتفق معه على استخدام كل وسائل الحرب بما فيها المدفعية لسحق المدن المنتفضة ضد نظام بشار الاسد رغم انهم كانوا متظاهرين مدنيين ومعارضين سياسيين ولم يكونوا دواعش او ارهابيين .
في ضوء ما تقدم ، مالذي لم تفعله ايران كي تنفي اليوم تدخلها في الشأن الداخلي لسوريا وبلدان المشرق العربي الاخرى ؟
وأي مقاومة هذه التي تزعمها بعد ان صارت مدن سوريا والعراق واليمن ولبنان هدفا لها تحت شعار طريقنا الى القدس؟
وكأن طريق القدس يمر بكربلاء وبغداد والموصل وحلب والقصير واللاذقية وحماه وحمص وصنعاء وبيروت ومعممي ايران يصرخون على المنابر (الجهات الاربع لنا) .
تأسيسا على ماتقدم و في حال نجاح القادة الجدد في سوريا بتكريس نظام مدني ديمقراطي بعيدا عن التخندقات الفئوية في سوريا وافشال مساعي ايران في تفتيت الصف الوطني ،فان ذلك يؤدي بشكل حاسم الى افول التأثير الايراني ليس في سوريا حسب بل في المشرق العربي برمته وفق جميع المؤشرات حتى الان ، حتى يتم اعلان المشرق العربي كله خاليا من النفوذ الايراني ووسائله الممنهجة في المجتمعات العربية شرط ان يكون البديل وطنيا ومدنيا وعلمانيا يحترم الخصوصيات الثقافية والعقائدية لجميع المكونات يضع البلاد في المرتبة الاولى على اساس وحدة المواطنة لتعود ايران الدولة ضمن جغرافيتها الطبيعية وبعلاقات طبيعية مع بلدان الجوار الاقليمي .