احتمالات على سطح ساخن

بقلم أ.د هاني الياس خضر الحديثي
استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية
عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلوم السياسية
في ظل الموقف المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط وخاصة العلاقات التي تبدو متوترة بين الولايات المتحدة وإيران فأن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ان التواجد العسكري الاستراتيجي للولايات المتحدة هو مجرد وسيلة ضغط؟ وهل ان المقصود منه فقط إيران كما يعلن ام ان هناك أهداف أخرى أكثر أهمية؟
نحن في العراق قبل الاحتلال وكذلك قبيل العدوان الثلاثيني عام 1991 لدينا تجربة وكنا نتساءل هل ان التواجد العسكري المكثف حول قضية العراق هو مجرد لعبة يراد منها تغيير السلوك السياسي الخارجي للعراق ام هو امر حاسم باتجاه التغيير بالقوة؟
للأسف كانت بعض القراءات إعلامية تتناسب وسياقات صانع القرار السياسي وتدغدغ اهوائه وتلعب على عصبه اما نفاقا وخوفا او غباءا في قراءة الموقف الخطير تقوم على عدم استعداد الولايات المتحدة للمقامرة وما تعنيه من خسائر فضلا عن تعارض ذلك مع المواقف الدولية في مجلس الأمن الدولي والقانون الدولي في وقت لم يعد للقانون الدولي او مجلس الأمن الدولي اية قيمة تذكر على الأقل على ارض الواقع.
في حين كان منا من يرجح الضربة العسكرية ذلك ان هذا التواجد ليس مجرد هوى او وسيلة، وقد حصل فعلا السيناريو الثاني وانتهى الامر.
الان إيران تمر بوضع مشابه مع اختلاف اساليبها في المناورة
إيران كما أعلن وافقت على الحوار مع الإدارة الأمريكية ولو بشكل غير مباشر وهذا اول الغيث.
إيران بدهائها السياسي سوف تلعب على الوقت كي تكسب ما يمكن فوق الحد الادنى المقبول لديها
وهي يهمها مسالتين أساسيتين:
الأولى توقيع اتفاق يضمن لها بقاء النظام كما هو او بعض التعديلات وذلك يتضمن برنامجها النووي والصواريخ الاستراتيجية
الثانية: مناطق النفوذ الاقليمي وخاصة العراق ولبنان رغم خسارتها لقدرات حزب الله والتدمير الذي يشهده الحوثيون في اليمن.
الإدارة الأمريكية لن تعارض ذلك شرط ان تتوقف إيران عن لعب دور الجسر الاستراتيجي للصين وروسيا اتجاه الشرق الأوسط وذلك يشمل شبكة الصين في الحزام والطريق.
لأجله فان إيران تتجه نحو سيناريو عودتها للعب دور العمود الاستراتيجي كما كان الأمر مع شاه إيران وهو سيناريو محتمل.
السؤال الآخر الأهم: هل ان هذا التواجد الأمريكي العسكري هو فقط مقصود منه إيران؟
الجواب عندي بالنفي إنما سيكون الشرق الأوسط كله مشمول به وضمنه مصر والسعودية والعراق فضلا عن سوريا من اجل حسم الصراع العربي – الاسرائيلي لصالح الهيمنة الاسرائيلية على الشرق الأوسط.
لذلك فان السيناريو الآخر المحتمل والمرجح عندي ان تتقاسم إيران وإسرائيل فضلا عن تركيا مناطق النفوذ الاقليمي على بلدان المشرق العربي بشكل خاص والشرق الأوسط عامة.
حينها تكون الولايات المتحدة حققت أهدافها المتفاعلة مع اسرائيل في منع الصين وروسيا من التقدم بقصد إنهاء فرصة التحول نحو نظام متعدد الأقطاب لصالح الهيمنة الأمريكية
ومنع اي شكل من أشكال التهديدات للأمن الاسرائيلي مستقبلا
وضمان السيطرة على النفط والمعادن في الشرق الأوسط العقدة الجيوستراتيجية المركزية
اما موضوع تغيير النظام الإيراني فهو سيبقى احتمالا قائما بديلا يترك للشعوب الإيرانية انجازه كأحد وسائل الضغط على نظام الملالي
قدر تعلق الأمر بالعراق فانه سيكون حتما ضمن لعبة تبادل الأدوار ، والأرجح انه يتجه نحو إضعاف المليشيات الإيرانية في الساحة كما حصل في لبنان واليمن وكنسها في سوريا كل حسب ما تراه الإدارة الأمريكية مناسبا لمصالحها المشتركة مع اسرائيل وتوافق عليه ايران اضطرارا ،وضمن إطار تغييرات جدية تعصف به بعد الفشل الذريع في إقامة دولة مدنية مستقلة عن القرار الإيراني وأخضعت اقتصاده بالكامل للمصالح الإيرانية ، بل وشكل دور المنقذ للاقتصاد الإيراني من الانهيار جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على ايران ،والأخطر من ذلك عند الإدارة الأمريكية لترامب انه شكل موردا ماليا لدعم الفصائل المسلحة الإيرانية في كل من سوريا ولبنان واليمن والموضوعة على لائحة الارهاب تحت عنوان (فصائل المقاومة )، الى جانب ان المليشيات الولائية ظلت تشكل عامل تهديد للاستقرار والأمن في المنطقة ومصالح بلدانها وهو الأمر الذي لابد ان يحسم وفق توافقات سياسية او بالقوة .