ريادة الأعمال في الوطن العربي… رافعة للاقتصاد أم فكرة مؤجلة؟

بقلم: الأستاذ الدكتور قيس عبدالعزيز الدوري
عضو لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
في زمن التحولات الاقتصادية المتسارعة والثورات الرقمية المتلاحقة، لم تعد ريادة الأعمال خيارًا نخبويًا أو ترفًا فكريًا، بل أصبحت ضرورة وطنية تستند إليها الدول في بناء مستقبلها الاقتصادي، وصياغة نموذجها التنموي المستدام. وإذا كان العالم يشهد اليوم صعود اقتصاد المعرفة، فإن مفتاح هذا الصعود في الوطن العربي هو تمكين الشباب وتحفيز الإبداع، عبر منظومة متكاملة تضع ريادة الأعمال في قلب الرؤية التنموية.
غياب التكامل في التعليم العالي
رغم الاعتراف المتزايد بأهمية ريادة الأعمال، لا تزال الجامعات العربية تفتقر إلى رؤية متكاملة لدمج هذه الثقافة في بنيتها التعليمية. ففي كثير من الأحيان، يُنظر إلى ريادة الأعمال كمجرد نشاط طلابي هامشي، أو مادة اختيارية في بعض التخصصات، بينما المطلوب هو جعلها ركيزة أساسية في كل البرامج الأكاديمية، لما تحمله من مهارات حياتية وعملية لا غنى عنها في العصر الحديث.
ماذا ننتظر من الجامعات العربية؟
الجامعات اليوم لم تعد مجرد مراكز لنقل المعرفة، بل ينبغي أن تتحول إلى حاضنات للإبداع ومصانع للأفكار. ولذلك، فإن المطلوب من التعليم العالي العربي:
- إدراج ريادة الأعمال كمادة إلزامية لجميع التخصصات، من الطب إلى الفنون.
- إنشاء مراكز متخصصة داخل الجامعات لدعم المشاريع الريادية وتقديم التدريب والإرشاد.
- ربط مخرجات التعليم بسوق العمل من خلال الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الصناعية.
- تحفيز البحوث التطبيقية التي تسهم في تطوير منتجات قابلة للتسويق محليًا وعالميًا.
من التعليم إلى الاقتصاد… كيف تدعم ريادة الأعمال النمو الوطني؟
ليست ريادة الأعمال مجرد مسار مهني بديل، بل هي محرك فاعل للاقتصاد الوطني، إذ تؤدي إلى:
- خلق فرص عمل جديدة، ما يحد من نسب البطالة المرتفعة بين الشباب.
- دعم الابتكار المحلي وزيادة القدرة التنافسية في الأسواق.
- تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية.
- جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية من خلال بيئة أعمال محفزة.
دعوة لصنّاع القرار
إذا أرادت الدول العربية أن تبني اقتصادًا معرفيًا حقيقيًا، فعليها أن تبدأ من الجامعات، مناهجها، رؤاها، ومخرجاتها. نحن بحاجة إلى قرارات حاسمة ترفع العراقيل الإدارية، وتمنح الشباب فرصتهم في الإبداع، وتحفز المستثمرين على تبني المشاريع الريادية.
كلمة أخيرة
ريادة الأعمال ليست مشروع فرد، بل مشروع أمة. ومن أراد مستقبلًا مستدامًا لا بد أن يؤمن أن بناء الإنسان المبدع أهم من استيراد المنتج الجاهز. فإما أن نصنع قادة يحملون راية الابتكار، أو نترك النخب الشابة تهاجر بحثًا عن بيئة تحتضن طموحاتها.