تداعيات دعوة ترامب لخفض أسعار النفط الى (50) دولار..

ا. د. محمد طاقة
عضو مؤسس، اللجنة الاقتصادية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
في كلمته خلال منتدى دافوس الاقتصادي، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول منظمة أوبك إلى خفض سعر برميل النفط إلى (50) دولار أمريكي أو اقل، وهو تصريح يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية عميقة، هذه الدعوة ليست مجرد طلب اقتصادي عابر، بل تحمل في طياتها استهدافاً واضحاً لعدد من الدول التي تعتمد بشكل رئيسي على صادرات النفط في تأمين مواردها الاقتصادية .
لا شك ان المتضرر الأكبر من تحقيق هذا الطلب سيكون الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وبدرجات متفاوتة حسب اعتمادها على عائدات النفط، من بين هذه الدول، تبرز روسيا والعراق وايران كأمثلة رئيسية على التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن خفض أسعار النفط إلى هذا المستوى.
تعد روسيا من أكبر الدول المصدرة للنفط، حيث تصدر أكثر من (9،677) مليون برميل في اليوم، تعتمد موسكو بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل اقتصادها، خاصة في ظل الحرب الطويلة التي تخوضها والتي استنزفت مواردها المالية والبشرية.
ان انخفاض سعر البرميل إلى (50) دولار أو اقل سيشكل ضغطاً اقتصادياً هائلاً على روسيا، مما قد يدفعها إلى التفاوض واعادة تقييم مواقفها السياسية والعسكرية في كل من أوكرانيا وسوريا، خاصة إذا ترافق ذلك مع استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها.
اما بالنسبة للعراق ، الذي يعتمد على النفط بنسبة 90 % من إيراداته ، سيجد نفسه في مواجه كارثة اقتصادية إذا تحقق هذا السيناريو ، مع تصدير (3،689) ملايين برميل يومياً ، ستنخفض الإيرادات بشكل كبير ، مما سيؤثر على قدرة الحكومة العراقية على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين ، وقد يؤدي ذلك إلى حالة من الغليان الشعبي ، ومن الجدير بالذكر ان معظم الإيرادات النفطية العراقية تودع في صندوق خاص تحت ادارة الولايات المتحدة الاميركية ، مما يعني ان اي خفض في الاسعار سيزيد من التبعية الاقتصادية ويقلص هامش المناورة امام الحكومة العراقية .
بالإضافة إلى ذلك، فان اي تراجع في عائدات النفط سيؤدي بشكل مباشر على قدرة العراق على دعم إيران بالعملات الصعبة وهو عامل أساسي يعتمد عليه الاقتصاد الإيراني المتأزم أصلاً.
اما إيران التي تواجه بالفعل اقتصاداً منهاراً نتيجة العقوبات الدولية، ستتأثر بشدة في حال انخفضت أسعار النفط، التراجع في الإيرادات النفطية سيضعف الاقتصاد الإيراني بشكل كبير خاصة إذا صاحبه تراجع في الدعم المالي القادم من العراق.
هذا التضييق المزدوج سيعزز من عزلة إيران الاقتصادية ويجعلها أكثر هشاشة امام الضغوط الدولية.
أصبح من الواضح ان دعوة ترامب لخفض أسعار النفط ليست مجرد اقتراح اقتصادي، بل استراتيجية حرب اقتصادية تستهدف محوراً سياسياً واقتصادياً يتكون من إيران وروسيا والعراق، وحتى دولاً اخرى كفنزويلا والصين.
هذه الدول تعتبر منافسة او معارضة للهيمنة الأمريكية، قد تجد نفسها في موقف صعب يفرض عليها تقديم تنازلات سياسية واقتصادية لتجنب الانهيار الكامل.
الحرب الاقتصادية التي اقترحها ترامب تحمل في طياتها محاولة لتجنب تكلفة الحرب العسكرية المباشرة، حيث يمكن لأمريكا تحقيق اهدافها الاستراتيجية عبر الضغط الاقتصادي بدلاً من المواجه العسكرية.
إذا تحقق خفض أسعار النفط إلى (50) دولار او اقل فإن التداعيات ستكون كارثية على الدول المذكورة، قد تواجه هذه الدول اضطرابات داخلية، مثل الاحتجاجات الشعبية في العراق او مزيد من التدهور الاقتصادي في ايران، اما بالنسبة لروسيا قد تجد نفسها مجبرة على اعادة النظر في سياساتها الدولية . والجدول الآتي يوضح حجم الخسارة التي تتكبدها بعض الدول جراء بيع النفط بسعر (50) دولار والذي سعره اليوم (78،43) دولار.
البلد | الإنتاج اليومي / مليون برميل | الخسارة السنوية / مليار دولار |
امريكا | 13،475 | 137،772 – |
روسيا | 9،677 | 98،928 – |
السعودية | 8،906 | 91،188 – |
العراق | 3،689 | 37،728 – |
إيران | 3،314 | 33،912 – |
الامارات | 2،817 | 28،800 – |
الكويت | 2،407 | 24،624 – |
نلاحظ من الجدول أعلاه ان خسارة كل من ايران وروسيا والعراق وهذه الدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية ومالية وأمنية ستكون هي الأكثر تضرراً من خفض السعر إلى (50) دولار فخسارة روسيا وصلت حوالي (99) مليار دولار وهو رقم كبير جدا لا يتمكن الاقتصاد الروسي تحمله وكذلك العراق فخسارته تصل إلى (37،728) مليار دولار وايران (33،912) مليار وهي خسارة لا يمكن لهذه الاقتصادات ان تتحملها.
ومن هنا يتبين لنا ان الدعوة التي اطلقها ترامب في دافوس ليست مجرد اقتراح اقتصادي، بل اعلان لحرب اقتصادية تستهدف دولاً معينة تسعى أمريكا إلى تطويعها، النتائج قد تكون كارثية على الدول المستهدفة، لكنها في الوقت ذاته تحمل مخاطر طويلة الأمد على الاقتصاد العالمي في ظل هذه التحديات، يبدو ان العالم مقبل على مرحلة جديدة من الصراعات التي تتخذ الاقتصاد ميداناً رئيسياً لها .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستوافق منظمة أوبك على تنفيذه؟
ان منظمة أوبك ككيان تعمل على تحقيق توازن بين العرض والطلب في سوق النفط ، لكنها تأخذ بنظر الاعتبار مصالح الدول الاعضاء التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط ، ان تنفيذ مقترح مثل تخفيض أسعار النفط إلى (50) دولار او اقل سيضر بشكل مباشر بمصالح العديد من اعضائها ، خاصة مثل دول الخليج والعراق وايران وحتى روسيا وكما موضح بالجدول السابق ، فإذا وافقت أوبك فإن ذلك قد يكون نتيجة لضغوط سياسية او اقتصادية من قبل أمريكا او لتحفيز الطلب في الأسواق العالمية ، علماً ان دول الخليج وأمريكا تمتلك احتياطيات نقدية ضخمة وسياسات مالية مرنة تمكنها من تحمل الخسائر لفترات طويلة مقارنة بالدول الاخرى مثل العراق وايران وحتى روسيا وهم المستهدفون من هذا الإجراء ..