لجنة الشباب و الرياضة

صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية الحلقة العشرون

الدورة الثانية والعشرون … موسكو … 1980

أ. د إسماعيل خليل إبراهيم

نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة

    اختيرت موسكو لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الثانية والعشرين العام 1980 في المؤتمر الخامس والسبعين للجنة الأولمبية الدولية الذي عقد في ( 23 تشرين الأول من العام 1974 ) في مدينة فيينا النمساوية ، وكانت مدينة لوس أنجلوس الأميركية المنافسة الوحيدة لموسكو لكن الاخيرة تفوقت بعد حصولها على ( 39 صوتاً مقابل 20 صوتاً للمدينة الأميركية ) .

في ظل الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية قادت الأخيرة حملة مقاطعة سياسية هي الأوسع في التاريخ الأولمبي أسفرت عن مقاطعة خمسين دولة ، وبنت الولايات المتحدة حملتها على خلفية اجتياح الاتحاد السوفياتي لأفغانستان العام 1979 . نجحت أميركا في حملتها فشاركت ثمانون دولة فقط وهو العدد الأقل منذ أولمبياد 1956. ولم تقتصر حالات الاعتراض على المقاطعة إذ سارت وفود 15 دولة في الافتتاح رافعة علم اللجنة الاولمبية الدولية وليس علم بلدانها وفي مراسم تتويج ألفائزين من دولهم تم رفع العلم الأولمبي وعزف النشيد الأولمبي وضمت تلك الدول ( أستراليا وأندورا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا والمملكة المتحدة وإيرلندا وإيطاليا ولكسمبورغ وهولندا والبرتغال وبورتوريكو وسان مارينو وإسبانيا وسويسرا ) فيما كانت نيوزيلاندا الدولة الوحيدة التي اتخذت علم بلادها الاولمبي – أي العلم الخاص باللجنة الأولمبية النيوزيلندية – علماً رسمياً لها طيلة أيام الدورة وفي مراسم التتويج بالميداليات . أما فرنسا فتركت الخيار للاتحادات الوطنية فغابت ثلاثة اتحادات هي الفروسية والشراع والرماية ، كما قاطع الفرنسيون حفل الافتتاح وأصيب النقل التلفزيوني العالمي بشظايا هذه المقاطعة، فاليابان والولايات المتحدة الاميركية لم تبثا أي مسابقة على شاشاتها . ولأن قلوب غالبية الرياضيين كانت مع المشاركة فان لجانا أولمبية عدة أكدت استقلاليتها عن القرار السياسي وحضرت إلى موسكو حتى وان سارت خلف العلم الاولمبي كما حصل مع بريطانيا ، وجاء القرار الأسباني بالمشاركة بعد تصويت داخل اللجنة الوطنية فصوت ( 17 عضوا معه ورفضه 14) .

مثل الدول المشاركة ( 5179 ) رياضي ورياضية منهم ( 1115 ) لاعبة بنسبة ( 21% ) من المشتركين وهي أعلى نسبة في التاريخ الأولمبي للمشاركة النسائية . تنافس اللاعبون واللاعبات في ( 21 ) لعبة هي ( ألعاب القوى و الشراع و كرة السلة و الملاكمة و الكانوي كاياك و الدراجات و الفروسية و السلاح و كرة القدم و رفع الأثقال و كرة اليد و الهوكي و الجودو و المصارعة و الخماسي الحديث و ألعاب الماء و الرماية و القوس والسهم و التجذيف و الكرة الطائرة و الجمباز ) . واضيفت إلى المسابقات الرياضية ولأول مرة رياضة الهوكي للنساء .

افتتحت دورة الألعاب الأولمبية في موسكو في ( 19 تموز عام 1980 ) وأعلن افتتاح الدورة الرئيس السوفيتي ( ليونيد بريجنيف ) ، واستمر حفل الافتتاح الذي ابهر العالم بأسره بعروضه الفنية الرائعة والفريدة ثلاث ساعات ، وشارك فيه قرابة ( 16 ) ألفا من الرياضيين والفنانين .

وإزاء المواقف التصاعدية لأمريكا تم اختيار لاعب كرة السلة ( سيرغي بيلوف ) الذي خطف الفوز من الولايات المتحدة في نهائي دورة ميونيخ 1972 لإيقاد الشعلة الأولمبية والذي فسر حينها على أنه كان من باب إغاظة الأميركيين . أما قسم اللاعبين فأداه رمز الجمباز ( نيقولاي اندريانوف ) الذي حصد ذهبيتين وفضيتين وبرونزية في الدورة الأخيرة .

أبرز أبطال الدورة : برز ( ألكسندر ديتياتين ) الذي استطاع الفوز بميدالية في كل مسابقة اشترك فيها من مسابقات الجمباز وبات الوحيد الذي نال ثماني ميداليات في دورة واحدة ، كما انه أول من نال علامة كاملة لدى الرجال أولمبياً في عرضه على حصان القفز . وبرز ( السوفياتي فلاديمير سالنيكوف ) بفوزه بثلاث ذهبيات وبات أول سباح يقطع مسافة ( الـ1500م ) بأقل من ( 15 ) دقيقة ، وهو فاز في موسكو بالإضافة لذهبية الـ1500 بذهبيتي ( 4×200م و400م حرة ) ، في المقابل، كانت البطلة الرومانية ( ناديا كومانتشي (18 عاماً) تحظى باهتمام الملايين وتسجّل احد أفضل إنجازاتها في مسابقة عارضة التوازن وتحرز العلامة الكاملة (10 من 10) وتتبعه بإنجاز آخر على الأجهزة الثلاثة الأخرى الأرضي و المتوازيين مختلفي الارتفاع وحصان القفز .

ونجح الملاكم الكوبي ( تيوفيلو ستيفنسون ) في الوزن ما فوق الثقيل في الفوز بميداليته الذهبية الثالثة ليصبح أول من احتفظ بلقبه ثلاث مرات ، وتألق بطل القفز العالي ( جيرد ويسنغ ) وسجل رقماً قياسياً عالمياً وكانت المرة الأولى التي يسجل فيها رقماً عالمياً في هذه المسابقة في الأولمبياد . عربيا كان لبنان البلد العربي الوحيد الذي دخل الترتيب عبر المصارع ( حسن بشارة ) الذي نال برونزية الوزن ما فوق الثقيل في المصارعة اليونانية الرومانية . واستعاد الإثيوبي ( ميروتس يفتر ) مكانة اثيوبيا في جري المسافات الطويلة فحصد ذهبيتي ( 5 و10 ألاف م ) ، وأصبح الألماني الشرقي ( فالديمار سيربنسكي ) أول من يحتفظ بلقب سباق الماراثون .

وفي بقية المسابقات : سيطر السوفيات على مسابقة العاب القوى بحصدهم 15 ذهبية متفوقين على ألمانيا الشرقية التي نالت 11 ذهبية ، وتصدرت ألمانيا الشرقية مسابقة السباحة بفضل سيداتها اللواتي حصلن على ( 11 ) ميدالية إلى جانب ذهبية واحدة لدى الرجال .

لم تخل مسابقات اللعبات الجماعية من المفاجآت ففي كرة السلة خسر المنتخب السوفياتي للرجال أمام يوغوسلافيا ، فيما نالت السيدات الميدالية الذهبية ، ونجحت تشيكوسلوفاكيا في الفوز بذهبية كرة القدم بتغلبها بهدف على ألمانيا الشرقية بطلة دورة مونتريال  1976.

في باقي المسابقات اكتسحت كوبا مسابقة الملاكمة بفوزها بست ذهبيات في ما لم تنل أي دولة أخرى أكثر من ذهبية واحدة ، وحذا السوفيات حذو اليابان في الجمباز وفازوا بتسع ذهبيات مقابل 2 لألمانيا الشرقية ، وتصدر السوفييت مسابقة رفع الأثقال بفوزهم بخمس ذهبيات مقابل 2 لبلغاريا .

 

إداريا حصل العرب على موافقة خمسة اتحادات دولية هي كرة السلة و الكرة الطائرة و كرة اليد و المصارعة و رفع الأثقال على قبول فلسطين عضواً دائماً فيها ، وعملاً بالقانون الأولمبي باتت الطريق ممهدة أمام الرياضيين الفلسطينيين للمشاركة في الألعاب المقبلة .

نوادر و طرائف : في رفع الأثقال سقط أعظم رباع في العالم السوفيتي ( فاسيلي ألكسييف ) عندما فشل في محاولاته الثلاث في رفعة الخطف وتوارى عن الأنظار بعدما سجّل ما يزيد عن 80 رقماً عالمياً .

ولم تنته مسابقات المبارزة بسلام ففي مباراة نصف نهائي سلاح الشيش للفرق أصيب بطل العالم السوفيتي ( فلاديمير لابيتسكي ) بسلاح منافسه البولندي الذي اخترق السترة الواقية وكان لابيتسكي محظوظاً لأنه لم يصب في قلبه . وخطف الأضواء العداءان البريطانيان ( سباستيان كو ومواطنه ومنافسه ستيف أوفيت ) ، الطريف أن كو فاز بذهبية 1500 متر عدو وترك الفضية لأوفيت رغم أن هذا هو السباق المفضل للأخير . ورد أوفيت الدين لمنافسه وفاز بذهبية 800 متر تاركا الفضية لكو في السباق المفضل لديه .  ثار جدل في حسم نتيجة سباق مائة متر عدو بسبب التقارب الشديد بين البريطاني آلان ويلز والكوبي سيلفيو ليونارد وأخيرا حسمت الذهبية لصالح ويلز . تم تسجيل 36 رقما عالميا و74 أولمبيا في هذه الدورة .

( وداعاً موسكو وإلى اللقاء في الأولمبياد الـ23) تلك العبارة ارتسمت على اللوحة الإلكترونية في استاد لينين الدولي في موسكو يوم الثالث من ( آب ) عام 1980، معلنة انتهاء دورة الألعاب الأولمبية ، فيما ذرف الدب الشهير ( ميشا ) (تميمة الألعاب) دمعةً أبكت الجمهور وحرّكت عواطفهم وحيّرت المراقبين وجعلتهم يتساءلون : ( أدمعة حزن تلك التي ذرفها ميشا في وداع الشعلة الأولمبية أم دمعة أسى على الرياضة التي أفسدتها السياسة وهي ما دخلت شيئاً إلا وأفسدته ؟ ) .

في جدول الترتيب النهائي للميداليات حقق الرياضيون السوفيت رقما قياسيا بفوزهم بـ ( 195 ) ميدالية  منها( 80 ميدالية ذهبية و69 فضية و46 برونزية ) ، مقابل ( 126 ) ميدالية لألمانيا الشرقية التي حلت  ثانية منها ( 47 ذهبية و 37 فضية و 42 برونزية ) ، وحلت بلغاريا ثالثة بحصولها على ( 41 ) ميدالية منها ( 8 ذهبيات و 16 فضية و 17 برونزية ) واحتلت كوبا المركز الرابع بـ ( 20 ) ميدالية منها ( 8 ذهبيات و 7 فضيات و 5 برونزيات )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى