المداولة القضائية في التشريع العراقي

المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
تعني المداولة القضائية (المراجعة وتبادل الآراء بين رئيس المحكمة وأعضائها بعد ختام إجراءات المحاكمة والانتقال إلى صياغة حيثيات الحكم القضائي وأسبابه قي جلسة مغلقة) وفي كل الأحوال يجب أن يصدر الحكم علنا خاضعا لطرق الطعن ضمن المدد التي تضمها القانون. كما أن المداولة القضائية تعد الضمانة الأساسية لتحقيق العدالة بعيدا عن الضغوط والتدخل.
والمداولة نظاما شبيها بمبدأ الشورى في الشريعة الإسلامية الذي عرف بمشورة القاضي والتشاور مع ذاته قبل أن يصدر حكمه في الدعوى المنظورة بعد أن تشاور مع من يثق بهم من القضاة والخبراء من ذوي الاختصاص في موضوع الدعوى.
كما تقترب المداولة من حيث الشروط مع نظام التحكيم الذي يشترط صدور الحكم بعد المداولة الذي يشترك فيها جميع المحكمين دون غيرهم وأن يصدر الحكم بألاغلبية ما لم يتفق المحكمين على خلاف ذلك , وأما شروط صحة المداولة فمنها مبدأ السرية التامة وتعني أن تكون المداولة في الأحكام سرا بين القضاة الذين اجتمعوا للمداولة وصياغة الحكم بعد الاتفاق عليه. وفي حالة إفشاء سرية المداولة من أحد القضاة فيعد مرتكبا لجريمة المساس بسير القضاء المادة (236/ 2) قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.
كما لا يجوز للمحكمة أثناء المداولة أن تسمع توضيحا، أو استلام مستندات، أو أي أوراق أو أدلة ورقية إلا بحضور الخصوم المادة (157) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة1969. ولكي يكون حق التقاضي مضمونا ومكفولا لكافة الناس فلابد من وضع قواعد وأسس لصيانة هذا الحق ليهتدي بها القضاء لتحقيق العدالة والمساواة ولكي يقتنع أطراف الدعوى ووكلائهم. لذلك نجد أن القضاء وقبل النطق بالحكم يتبع الصيغة المثالية ومنها:
ـ ختام المحاكمة أو المرافعة.
ـ موعد صدور الحكم وتبليغ الخصوم.
ـ المداولة من قبل القضاة التي تشكلت منهم المحكمة.
ـ صدور الحكم بأغلبية الآراء فإذا لم تتوفر الأغلبية وتعددت لأكثر من رأيين فيتم اللجوء إلى المادة (158) من قانون المرافعات المدنية التي نصت على صدور الأحكام بالاتفاق بأكثرية الآراء فإذا تعددت الآراء وجب على العضو الأقل درجة أن ينظم إلى أحد الآراء لتكوين الأكثرية.
أما بشأن مكان المداولة فتجري في غرفة خاصة أو على منصة المحكمة طالما توفرت السرية. أما بشأن وقت إصدار الحكم فيتم النطق به بعد الانتهاء من المحاكمة وفي الجلسة ذاتها أو تأجيل صدوره إلى جلسة أخرى تحددها المحكمة ويبلغ بها الخصوم مع بيان أسباب التأجيل. وبعد الانتهاء من المداولة ستكون هناك مخرجات منها. أتفاق جميع القضاة على رأي وحكم واحد مع وجود مخا لف وهذه الحالة يطلق عليها الأكثرية البسيطة وقد يكون لكل قاضي رأي محدد في الدعوي وفي هذه الحالة يجب على القاضي الأقل صنفا أن ينظم إلى رأي رئيس المحكمة أو إلى القاضي الأيمن لتحقيق الأكثرية.
ومن الشروط الواجبة لصحة المداولة (المشورة):
ـ لا يجوز أجراء المداولة قبل ختام المرافعة.
ـ لا يجوز أجراء المداولة بعد صدور الحكم.
ومن السياقات المتعارف عليها بين القضاة أتباعها والعمل بها (التوقيع على مسودة الحكم. الاطلاع على الأدلة المتوفرة في الدعوى ومن بينها المستندات وإعادة تدقيقها. وجمع الآراء للتعرف على الموافق أو المخالف).
ولابد أن نذكر أهم وأبرز التقاليد والآداب والصفات التي يتوجب على القاضي التحلي والتمسك بها بشدة ومنها:
ـ الاستقلالية في الرأي.
ـ والتحلي في الأمانة.
ـ عدم التخوف من الرأي المخالف أو الانصياع خلفه.
ـ عدم التأثر بالإحكام التي صدرت في القضايا المماثلة إلا في حالات السوابق القضائية النادرة.
ـ كما إن المداولة لها دور كبير وجوهري في تعزيز ضمانات التقاضي وصحة أحكامه واستقلاله.
والمداولة تعتمد على حرية القاضي في أبداء الرأي بعيدا عن الضغوط والآملات. ونحن نرى ضرورة وضع نظام أو تعليمات تتضمن الأسس والقواعد والشروط والتي على القضاة التقييد بها شكلا ومضمونا .