لجنة العلوم السياسية

أزمة كشمير المستدامة في العلاقات الهندية – الباكستانية (دوافع وتداعيات)

أزمة كشمير المستدامة في العلاقات الهندية – الباكستانية (دوافع وتداعيات)

بقلم أ.د هاني الياس خضر الحديثي

استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والخبير في شؤون الباكستان واسيا

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية

تقديم: يحتل اقليم جامو وكشمير مساحة 242,000 كم مربع وعدد السكان فيه وفق تقديرات عام 2000م 15 مليون نسمة بما يعني ان عدد السكان الان لايقل عن 20 مليون نسمة، يشكل المسلمون فيه نسبة 90% ويشكل الهندوس نسبة 8% ويتوزع البوذيين على 2-3%.

يحتل الاقليم المنطقة الجغرافية شمال شرق شبه القارة الهندية وجنوب غرب الصين في وسط اسيا , وهو الامر الذي يجعل للاقليم موقعا استراتيجيا يزيد من اهمية الانهار التي تنبع من جبال الهملايا وتمر فيه باتجاه الباكستان والهند حيث يمر نهر السند ورافديه الرئيسيين في كشمير حيث الجانب الذي ألحق بالقوة تحت السيطرة الهندية بعد أعلان تاسيس الباكستان والهند دولتين منفصلتين 1947م.

عاصمة الاقليم هي سرينغار وتعد العاصمة الصيفية في حين تعتبر جامو العاصمة الشتوية في الجانب الذي يقع تحت سيطرة الهند والذي يشكل تقريبا 48% من مساحة الاقليم , في حين يشكل الجزء الواقع تحت سيطرة الباكستان والذي يسمى (ازاد جامو وكشمير) حيث غلغيت وبالتستان بمعنى جامو وكشمير الحرة وعاصمتها مظفر اباد, وهو اقليم تحت الادارة المحلية وعدد سكانه بموجب تقديرات 2017م يبلغ 4,045,366 وبمساحة 35% من مجموع مساحة الاقليم، في وقت يقع الجانب الاخر منه تحت سيطرة الصين والمدعو أسكايشين بنسبة 15%.

كانت جامو وكشمير ولاية اميرية ضمن مجموعة الامارات في شبه القارة الهندية  في تحالف فرعي مع شركة الهند الشرقية منذ 1846م لتصبح لاحقا تحت وصاية التاج البريطاني لغاية 1947 حيث تحولت الى منطقة متنازع عليها بين الباكستان والهند اثر انفصال باكستان عن الهند وتشكيلها دولة على اسس دينية كان المفترض ان تكون جامو وكشمير جزءا منها لولا استحواذ الهند عليها بالقوة لاسباب استراتيجية .

الاهمية الجيواستراتيجية للإقليم: تشترك الصين والهند وباكستان وافغانستان بموقع جيواستراتيجي مهم مع الاقليم, فالصين تتقاطع حدودها مع الاقليم الشرقية والشمالية الشرقية حيث حدود الصين في التبت وسنكيانج، في حين تجاور افغانستان الاقليم عند شريط واخان                                  الذي بدوره يقترب بضعة اميال من تركستان

والاقليم يجاور باكستان مباشرة عند الغرب وجنوبها الغربي في حين يجاور الهند من الجنوب

لذلك فان الاقليم يكتسب اهمية حيوية في جميع الابعاد الامنية والاقتصادية والدفاعية فضلا عن كونه يشكل حاجزا جغرافيا يفصل كل من الصين والباكستان عن الهند .

اهمية الاقليم للباكستان : يرتبط الاقليم مع باكستان بروابط اساسية حيث الامن الاقليمي و المواصلات و الترابط السكاني ثقافيا ودينيا واجتماعيا الى جانب المياه حيث تمر ثلاثة انهار عبره الى باكستان هي :السند و جيلم وجناب وهي شريان الحياة للباكستان.

قدر تعلق الامر بنهر السند العظيم فانه يبلغ طوله  2,880 كم ينبع من جبال الهملايا مخترقا كشمير وباكستان نحو المحيط الهندي , بروافده البالغة 12 رافدا والتي تشكل عند الاقليم مايسمى بالمياه الخمسة ( بياس,رافي,ستلج,شيناب,جيلوم) الامر الذي تم التعريف عنها بمصطلح ( بنج) .

وقد خضعت هذه الانهار والروافد لاتفاقية تنظيم المياه بين الهند والباكستان لعام 1960م .

من الجدير ذكره هنا ان نهري جيلوم ونيلم يلتقيان عند مظفر اباد عاصمة الاقليم المحرر تحت الادارة الباكستانية وهما يشكلان نهر الاندوس الذي يعد اطول الانهار في اسيا.

أستقلال باكستان ونشوء مشكلة كشمير:

في 23 مارس اتخذ مؤتمر حزب الرابطة الاسلامية لعموم الهند قراره بقيام وطن للمسلمين وهو القرار الذي تم تنفيذه في 15 اب 1947 في الاعلان الرسمي لتاسيس دولة باكستان الاسلامية مع ترك الحرية للامارات الهندية بالانظمام الى احدى الدولتين الهند او الباكستان ،وهو الامر الذي حصل لجميع الامارات عدا ثلاث هي جوناكاد وحيدر اباد و جامو وكشمير .

حاكمي جوناكاد و حيدر اباد كانا مسلمين على امارتين باغلبية هندوسية وهي الذريعة التي استخدمتها الهند لضم الاقليمين بالقوة العسكرية رغم رغبة الحاكمين بالانضمام للباكستان .

في حين اقليم جامو وكشمير كان باغلبية اسلامية تصل 90% من السكان لكن الحاكم هندوسي مال للانضمام الى الهند وهو ذريعة الهند للمطالبة بضم اقليم جامو وكشمير الامر الذي شكل البداية لأول حرب بين البلدين استمرت لغاية 1949 حيث صدرقرار مجلس الامن

الدولي بوقف الحرب , لتدخل القوات الهندية مدعومة بالقبائل في الحرب الاولى مع باكستان والتي بدورها دفعت بقواتها نحو الاقليم مدعومة بالقبائل التي ساندت الانظمام للباكستان وكانت النتيجة سيطرة الهند على الجزء الاكبر والمهم من جامو وكشمير بما يقارب نصف مساحة الاقليم في حين سيطرت الباكستان على 35% من مساحة الاقليم لتبقى مساحة 15% تتاخم حدود التبت وسنكيانغ سيطرت عليها الصين .

ماتقدم جعل الاقليم موزع على ثلاث دول اساسية حيث الحدود الشمالية الشرقية تتاخم حدود الصين والجانب الغربي وجنوب غرب حيث الباكستان وجنوبا حيث الهند مع محاذاته في الشمال غرب لشريط واخان ألضيق المحاذي لأفغانستان.

كشمير والامم المتحدة :عام 1948 عرضت الهند قضية كشمير على مجلس الامن الدولي والذي شكل بدوره لجنة تقصي حقائق واوصى لاحقا بتقرير الموفد الاممي ديكسن باجراء استفتاء وحق تقرير المصير للاقليم ,واوصى بجملة اجراءات يجب ان تسبق الاستفتاء تفضي الى انسحاب القوات الرسمية ومعها قوات القبائل لكل من الهند والباكستان من الاقليم وتشكيل مجلس محلي مستقل يشرف على الاستفتاء تحت رعاية اممية وفي ضروف امنية مستقرة مع ضمان حق السكان في الادلاء بارائهم بحرية وشفافية، الا ان الهند تراجعت عن موافقاتها وطلبها التدخل وحسم النزاع من قبل مجلس الامن الدولي ووضعت العراقيل امام تنفيذ توصيات اللجنة الاممية المكلفة من قبل مجلس الامن الدولي.

أن ماتقدم ادى لاندلاع الحرب الثانية عام 1965 تدخل فيها الاتحاد السوفيتي وسيطا حيث عقدت مفاوضات بين الطرفين في طشقند حضرها الرئيس الباكستاني الجنرال ايوب خان ورئيس وزراء الهند شاستري وتم بوجبها الاتفاق على وقف اطلاق النار وانسحاب الطرفين الى ماقبل الحدود الفعلية واطلاق سراح الاسرى ووقف الحملات الاعلامية المعادية .

هذا الاتفاق وجد رفضا شعبيا واسعا لدى باكستان حيث تم اعتبار ذلك تنازلا عن حقوق باكستان السيادية على الاقليم وهو الامر الذي ادى الى اظطرابات داخلية ادت لاحقا الى حرب 1971م ولكن هذه المرة حصلت نتيجة اضطرابات شعبية قادها مجيد الرحمن في باكستان الشرقية والذي وجد اسنادا من الهند ليتحقق انفصال باكستان الشرقية عت باكستان الغربية وقيام دولة بنغلاديش.

حرب انفصال بنغلاديش عن الدولة الام بسبب اخطاء داخلية تخص حاكم باكستان الجنرال يحيي خان وتحت ضغط حزب الشعب الباكستاني بزعامة ذوالفقارعلي بوتو ادت الى التوقيع على اتفاقية سيملا لعام 1962 بين ذوالفقارعلي بوتو الذي تسلم السلطة رئيسا للباكستان، وانديرا غاندي رئيسة وزراء الهند وهي بمثابة التسليم بانتصار الهند في هذه الحرب التي شهدت التوقيع على وثيقة استسلام قائد الجيش الباكستاني في الاقليم الشرقي من باكستان مقابل السماح باعادة القوات الباكستانية الى اراضي باكستان الغربية.

خلال هذه الفترة حدث متغيران مهمين :

الاول : توقيع الباكستان اتفاقية حدود مع الصين أقرت فيها الباكستان للصين بالسيادة على مئات الكيلومترات المربعة من الاراضي في شمال كشمير و لاداخ   مقابل تنازل الصين للباكستان عن 1942 كيلو متر مربع في المناطق الحدودية .

هذا الاتفاق ادى الى سيطرة الصين على مناطق استراتيجية تشرف وتسيطر على السهل الهندي وهي الاتفاقية التي رفضتها الهند معتبرة اياها تصرف من طرف واحد من اراضي اقليبم كشمير التنازع عليه .

الثاني :الحرب الصينية – الهندية عام 1962 والتي بدأت في اكتوبر وانتهت بانتصار الصين في جبال الهملايا المتنازع عليها والتي شكلت السبب الرئيس للسيطرة نهائيا على اقليم أكساي تشين .

ان ماتقدم عزز من الشراكة الاستراتيجية الصينية – الباكستانية حتى الوقت الحاضر وهو ماينبغي اخذه بنظر الاعتبار في اي نزاع باكستاني – هندي الان او في المستقبل.

طريق قاراقورم بين الصين وباكستان:

تمتد العلاقات الباكستانية – الصينية الى فترة الحرب الكورية حين رفضت باكستان الضغوط الغربية لدعمها في حرب الكوريتين ويرتبط ذلك برؤية باكستان للموقف الهندي وايضا للاهمية في استثمار الخلافات الهندية – الصينية في جبال الهملايا.

منذ نهاية عقد الستينات وكل من الصين والباكستان تفكران بتطوير طريق الحرير الاستراتيجي بينهما وهو الامر الذي اوجد حافزا قويا لتحقيق تعاون استراتيجي بين البلدين والذي تطور لاحقا إثر توقيع باكستان على مشروع الصين الاستراتيجي (الطوق والطريق) حيث ارتبطت باكستان به برا وبحرا عام وبدءا من ميناء جوادر جنوب باكستان صعودا الى الحدود البرية الصينية – الباكستانية عند جبال وسهول لاداخ حيث احاطة الصين باقليم كشميرليحقق عبر الربط بين البلدين عقدة أستراتيجية في طريق الصين الاستراتيجي نحو العالم.

المشروع متشابك يصل الى سانكيانغ ضمن الجزء المسيطر عليه في جامو وكشمير من قبل الصين  ويمر بممرات وجبال خيبر –غلفت-بلوشستان –البنجاب –السند – كشمير وصولا للصين حيث سنجان .

تم البدء عملياً بالمشروع منذ 2013 بميزانية مقدرة باكثر من 70 مليار دولار يتم تمويله من بنك التنمية الصيني وهو يوفر ما يقارب من مليونين ونصف مليون فرصة عمل ويعزز البنية التحتية للباكستان مع اقامة مدن صناعية على امتداد الطريق وتوفير الطاقة وتطوير التجارة عبر وسائل طرق ومواصلات واتصالات متطورة ويوفر فرص للايدي العاملة في باكستان بحدود مليونين ونصف فرصة عمل.

طريق قاراقورم الاستراتيجي الذي يتوغل في لاداخ ويحيط بالهند ويربط الصين بالباكستان ويصل ارتفاعه احيانا الى 4964 مترا ويمتد الى مسافة 2000 ميل يعد معجزة استراتيجية ليس للبلدين حسب وانما عالميا كونه عقدة استراتيجية تتكامل مع طريق الصين الاستراتيجي عبر( الطوق البحري )الذي يتواصل مع ميناء جوادر الباكستاني عبر الموانىء البحرية .

تأسيسا على ما تقدم نستطيع ان نضع النزاع الحالي بين الهند والباكستان ضمن صورته الكلية.

محور الصين وباكستان الذي يجد ابعاده الاقليمية عبر التعاون الاستراتيجي للباكستان مع تركيا وافغانستان والى حد ما مع ايران فضلا عن السعودية ومصر والبلدان الموقعة مع الصين على طريق الحرير , في مواجهة الهند وانظمامها الى تحالف كواد مع الولايات المتحدة واليابان واستراليا ضمن الطوق الامريكي الذي تسعى الولايات المتحدة عبره وبالتكامل مع اطواق اخرى في الباسفيك الى تطويق الصين ضمن مسار مساعي عرقلة صعودها الى قمة الهرم في النظام الدولي الذي يتشكل الان والذي شكل الاساس لمشروع الربط البحري والسككي بين الهند والشرق الاوسط نحو اورورب عبر الموانىء الاسرائيل

مرورا ببلدان الخليج العربي والاردن وهو المشروع الذي اقرته مجموعة العشرين التي

انعقدت في قمة نيودلهي 2024م بحضور الرئيس الامريكي السابق جو بايدن وتلقفه الرئيس الهندي ناريندار مودي وروج له كونه يشكل تحديا استراتيجيا هنديا – امريكيا و اوروبيا للصين والذي ينتظر استكماله بعد الانتهاء من حرب غزة ليتشكل هذا الممر الاستراتيجي لحركة التجارة العالمية  وهنا نستطيع تصور الدور الاسرائيلي في الهند ومشروعها المؤيد من قبل الادارة الامريكية .

في ضوء ماتقدم فان الصراع الهندي – الباكستاني يدخل ضمن الصراعات الاستراتيجية وسباق الاقواس والطرق الجيواستراتيجية بين اسيا والعالم ليشكل عناصر فارقة وتحولا استراتيجيا بديلا للحروب التقليدية التي خاضتها الهند خلال العقود الماضية مع كل من الصين والباكستان للسنوات 1947 و 1962-1965-1971 حيث اخفقت جميع الاتفاقيات المبرمة مع ذينك البلدين في تحقيق السلام والاستقرار لعموم بلدان وسط وجنوب وجنوب غرب اسيا .

لاجل ذلك كله نرى ان اقليم كشمير سوف يستمر مركزا للتوتر والصراعات بين القوى الاسيوية للاعتبارات الاستراتيجية والجيوبولتيكية عسكريا واقتصاديا وامنيا مالم يتم التوصل الى حل جدي وشامل يخدم السلم والامن الاقليمي والدولي، وان اهميته لا تقل عن اهمية فلسطين في الصراع العربي – الاسرائيلي وهنا ايضا يتبدى افق التوافق الاستراتيجي بين اسرائيل والهند.

أن الخطوة الهندية التي قامت بها حكومة جاناتا المتطرفة بزعامة رئيس الوزراء مودي بالغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي تمنح اقليم جامو وكشمير وضعا ذاتيا خاصا والمدعومة من اسرائيل , وتبني حكومة مودي الهندية لمنهج نتنياهو اتجاه غزة فضلا عن الضفة الغربية لن يحقق الامن والسلام ولن يفضي الى الاستقرار.

ولذلك فان المستقبل لن يكون امنا في ضل استمرار هذا السيناريو حتى في حالة التوصل الى وقف لاطلاق النار بين الهند والباكستان مع استمرار اعتبار خط وقف اطلاق النار عند حدود الفصل بينهما عند الحدود الواقعية القائمة بينهما فضلا عن الصين ضمن اقليم جامو وكشمير .

بعبارة اخرى فان اقليم جامو وكشمير يكتسب هويته الجيواستراتيجية الخاصة جغرافيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وتتقاسمه ثلاث قوى نووية (الصين والهند والباكستان) ويحتاج ليس الى فصل قسري للقوات، بل حل يمكن ان يترتب عليه سلام شامل دائم اما عبر العودة لمقررات الامم المتحدة للسنوات 1949-1953 كما أسلفنا وعبر الاستفتاء العام وتحت اشراف اممي، أو عبر حل تتناصف فيه الدول المعنية السيادة عليه وفق حل معقول ومنطقي ياخذ بنظر الاعتبار حقوق شعب الاقليم وهويته وتطلعاته المرتبطة بمصالح القوى الاستراتيجية فيه.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى