سوريا ومهمات صعبة التغيير

بقلم أ.د هاني الياس خضر الحديثي
استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية
عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية
شكل التغيير الثوري في سوريا ما يشبه الصدمة محلياً وعربياً ودولياً إذ لم يكن من المتوقع ان ينهار نظام عائلة الأسد الفئوي والدموي بهذه السرعة وخلفه قوتين كبيرتين كإيران وروسيا اللتين استحوذتا على معظم مساحات سوريا ومواردها وهيمنتهما على القرار السياسي فيها.
رغم ذلك سقط النظام وسط فرح واسع النطاق غمر الشعب العربي السوري ومحبيه وبشكل خاص محيط سوريا العربي.
الان وبعد الحدث الذي غيّر وجه سوريا بالكامل والذي أسقط مشاريع إقليمية ودولية عبرت سوريا إلى محيطها الإقليمي، والقيام مؤخراً باختيار القائد أحمد الشرع رئيسا لمجلس حكومي انتقالي، ماهي اهم التحديات التي تواجه النظام الوليد؟
أولى هذه المهام الاتفاق على برنامج عمل وطني يجمع الجميع ضمن المواطنة المشتركة وفق دستور جامع شامل يحقق للسوريين وحدة الوطن والمواطنة. وهي مهمة تقتضي حضور فاعل لأساتذة القانون الدستوري السوريين ولا ضير في اعتماد مستشارين دوليين مهنيين لهم باع في ذلك وتحت إطار الأمم المتحدة.
ثاني هذه المهام ايجاد حلول جذرية للمشاكل التي خلفها نظام عائلة الأسد ومن أهمها ايجاد حل شامل لمشكلات الأكراد والدروز اخذين بنظر الاعتبار أنها أوراق يمكن ان تستخدم من قبل قوى خارجية مجاورة وغير مجاورة للتأثير سلبا على استقرار الدولة.
ان الاعتراف بتعددية وتنوع الثقافات والحقوق القومية واحترامها رغم واقع الأكثرية الساحقة لعرب سوريا قوميا ومذهبيا، لا يتعارض على الإطلاق في ترسيخ الوحدة الوطنية، بل انه يجنب سوريا المشاكل المؤثرة سلبا على الاستقرار الداخلي. ولعلي أكون أكثر دقة في القول ان نظام الإدارة اللامركزية للمحافظات او إدارة محلية لمحافظات بعينها هو الحل الأنسب لهذا التعدد الطبيعي.
ثالث هذه التحديات تتمثل بالوجود الأجنبي في سوريا وخاصة الوجود الروسي والأمريكي وهما يشكلان تحديا خطيرا لسوريا ووحدتها واستقلالها الأمر الذي يمكن تنظيمه باتفاقيات تعاون لمديات معقولة على صيغة اتفاقيات صداقة.
رابعا: اقصاء المؤسسات التقليدية التي هي نتاج خبرات متراكمة لا ينبغي ان تحسب على شخص مثل الجيش والقوات المسلحة والتي يمكن الاكتفاء بتغيير قياداتها والأشخاص المتهمين بارتكاب اخطاء تاريخيّة بحق سوريا بدلا من حلها
ان هذا الموضوع يشمل المؤسسات المدنية ايضا ومنها المؤسسات الإعلامية وقوات الشرطة والأمن الداخلي وذلك لطبيعة واهمية الحفاظ على كوادر الدولة المهنية وهنا نشير إلى الأخطاء التاريخية التي ارتكبت في العراق بعد 2003 والتي تركت البلد في حالة فوضى لم يتخلص منها حتى بعد مرور ما يزيد على عشرين سنة من اعادة انتاج دستور دائم ملغوم.
خامسا: تحدي خطير يواجه النظام الجديد في سوريا يتمثل بمساعي البعض لفرض توجه ديني سياسي على شكل النظام السياسي، وهنا لابد لمواجهة هذا التهديد من التأكيد على علمانية الدولة ومدنيتها وفق دستور ومؤسسات تحترم جميع القوى السياسية في سوريا وبالتالي فان من المهم جدا مغادرة لغة الاجتثاث والإقصاء كونها تخلق بيئة فقر رافضة ولا ذنب لها وربما تكون التربة الخصبة لاحقا للعنف الداخلي.
سادسا: التعامل بجدية مع خطر القرض التدريجي الذي تقوم به اسرائيل في الجولان ووصولها الى مدينة القنيطرة التي تضع دمشق العاصمة تحت مرمى حجر من القوات الاسرائيلية. وفي مواجهة هذا الخطر لابد من اعتماد التأييد الأوروبي والأمريكي لتحريك المنظمة الدولية باتجاه احترام القرارات الدولية بشأن مناطق فظ الاشتباك في الجولان إثر حرب اكتوبر كخطوة نحو العودة لاحقا الى القرار الدولي 242 عام 1967 اثر حرب حزيران حيث وجوب انسحاب اسرائيل الى خطوط ما قبل الحرب.
سابعا: سوريا هي قلب العقل والجغرافية العربية ولابد من العودة الفاعلة لممارسة دورها العربي عبر احتضانها عربيا وإبعاد التهديدات الإقليمية المحيطة بها وتحديدا التهديدات الإيرانية فضلا عن التهديدات التركية.
إذا كان موضوع تركيا يتطلب تفاهمات حول الموقف من قسد والقضية الكوردية وهو امر مهم يمكن الاتفاق عليه اقليميا بالتعاون والتنسيق مع قيادة اقليم كوردستان العراق، فان التهديد الإيراني ليس له حدود ذلك انه أفق مفتوح للمطامع والطموحات الإيرانية.
ثامنا واخيراً التنمية الوطنية للموارد الاجتماعية والبشرية والاقتصادية وهو امر يتطلب دعما عربيا جوهريا يفضي لإبعاد سوريا عن التدخلات الإقليمية آنفة الذكر
بمعنى فتح الأبواب واسعة أمام الاستثمار العربي والدولي من البلدان الصديقة.
نضع هذه الرؤية ونحن على أمل إبعاد النظام الجديد في سوريا عن اللون الواحد وأحادية التوجه الأيديولوجي باي شكل من أشكال الايديولوجيات الدينية او الوضعية