القياس الفقهي والقضائي
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية / المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
لا شك أن القاضي يحكم على وفق النصوص القانونية التي تنطبق على الدعاوى التي ينظرها ويختار لها التكيف القانوني المناسب ثم النص الواجب التطبيق ليحكم بموجبه ولا يحق له أن يحكم بعلمه الشخصي أو يجتهد خارج النص.
وقد يلجأ في بعض الدعاوى إلى الاجتهاد في غياب النصوص القانونية فيحكم بمبادئ الشريعة الإسلامية القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة كمصدر احتياطي أو يحكم بالعرف أو بالقياس الذي نادرا ما قد يحصل في عالم اليوم.
والمقصود بالقياس هنا (وجود حالة لا يوجد لها نصا صريحا على حكمها بحالة أخرى ورد نص على حكمها لتماثل السبب أو العلة بين الحالتين) والقياس لغة هو(التقدير) واصطلاحا ألحاق حكم الأصل للفرع لاشتراكهما في العلة.
وتبرز أهمية القياس أن أي مشرع مهما بلغت وعلت وتكاملت قدرته على صياغة نصوصا قانونية لكافة الحالات والأوضاع والأفعال التي تنشأ بين الأفراد لا يمكنه ذلك طالما تكون عرضة للتغير والتعديل سواء كانت عند صياغة النصوص أو بعد صياغتها أو بعد حين. كما أن القاضي ليس مشرعا كي يقوم بتعديل أو تغيير النصوص أو يحكم بناء على أرادته أو رغبته لذلك كان للقاضي دورا مهما في البحث والتحري عن حالات تتماثل فيها العلة فيحكم بالقياس الذي هو الملاذ الأخير لحسم الدعوى.
وأن من بين الضوابط الملزمة التي تحكم القياس للتطبيق هي:
1 ـ أن تتوفر نفس العلة في الحالتين.
2 ـ لا يرد نص أو أجماع على حكم يخالف القياس.
3 ـ أن تكون الأولوية في الإثبات لحكم الأصل.
4 ـ عدم وجود مانع للأخذ بالقياس.
أما أنواع القياس فهي:
1 ـ القياس الأولي أن تكون العلة المشتركة في المقيس أقوى منها في المقيس عليه.
2 ـ القياس المساوي أن تكون العلة متساوية.
3ـ والقياس الأدنى هوان تكون العلة في المقيس أدنى من قوة المقيس عليه.
4 ـ القياس العكس هو أعطاء حالة غير منصوص على حكمها في القانون حكما مخالفا لحالة أخرى لم يرد نص فيها لاختلاف العلة في الحالتين.
ويعد القياس الفقهي حجة شرعية وأحد مصادر التشريع بدأ بالقران الكريم ثم السنة النبوية الشريفة ثم الإجماع والعرف وأخيرا القياس. كما يبرز دور القياس في القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية والمعاملات الإدارية والاجتهادات الفقهية. فهو أحد الوسائل المهمة للتفسير فليس من المعقول أن يكون المشرع أو الفقيه قد أحاط بكل الحالات التي عرضت عليهم إلا من خلال الصياغة المرنة التي قد تترك مساحة واسعة للاجتهاد الفقهي والقضائي فيأخذ بالقياس أو يتخلى عنه. كما أن القياس يعتبر أحد المصادر التفسيرية للقوانين والصيغة المناسبة لسد ألنقص التشريعي الذي أغفله المشرع.
وهناك عدة روايات عن الفقيه أبي حنيفة النعمان حيث قال اجتمعت مع الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في منى فقال لي أنت صاحب القياس قلت نعم. قال إنك تقيس ما دون العرش إلى تخوم الأرض قلت نعم. وكيف وجدت السبيل إلى ذالك قلت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبار الصحابة فاتسع لي القياس) ثم وجه عليه السلام عدة أسئلة عن مسائل أستعمل فيها أبي حنيفة القياس أجاب عليها. وعندما لا يجيب على بعض الأسئلة يقول الإمام الفقيه النعمان (لأجد قياسا) ويطلق على علماء الحنفية الذين استكثروا من القياس بأهل الرأي والقياس وقدوتهم أبي حنيفة النعمان الغني بالتطبيقات الفقهية للقياس ويشهد له الإمامين المجتهدين مالك والشافعي. كما أن أهل العراق فهم أهل الرأي والحديث. وأما الذين يعتمدون النصوص الحديثة فيطلق عليهم أهل الحديث.
أما القياس القضائي في تطبيق القانون فعلى القاضي أن يتحرى ويبحث بجدية وعمق ليصل إلى المبادئ والأسس لقياسه الذي يطمئن إليه لتكون نتائجه سليمة وصحيحة. وقد ورد القياس في المادة (3) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 النافذ التي نصت على (ماثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه) ويصنف فقهاء الأعمال التجارية إلى أعمال تجارية أصلية وأعمال بالمماثلة أو القياس. وكل عمل تجاري يشابه الأعمال التجارية الأصلية يلحق بها عن طريق القياس كما (لا قياس مع الفارق). ألا ان هناك رأي لفقهاء القانون الوضعي جواز القياس في النصوص باستثناءات منها نصوص (التجريم والعقاب) التي يمنع فيها تطبيق القياس احتراما للقاعدة القانونية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) و(مبدأ الأصل في الأفعال الإباحة) (ومبدأ الأصل في الإنسان البراءة) والنصوص العامة ذات العلاقة بالمال وكذلك المتعلقة بالمال العام. وتقييد الحريات. وذات العلاقة ببراءة الذمة. والنصوص التي تقيد حق التقاضي. والنصوص ذات الأثر الرجعي، وفي العراق يطبق القياس في نظام الميراث وفي أموال كثيرة وفي مجال المعاملات المدنية وقانون الأحوال الشخصية وقانون التجارة رقم 30 لسنة 1984 النافذ.
كما يتم تطبيق المادة (102) من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 التي تضمنت القرائن القضائية. والقياس عمل اجتهادي مضني يقوم به القاضي والفقيه ليصل إلى أحكام وقرارات قضائية صائبة وفتاوى أيمانية مقنعة تؤدي إلى الإحكام العادلة والمنصفة عند التطبيق. ومع ندرة حالات العمل بالقياس في عالم تسارعت فيه صياغة القوانين والأنظمة المواكبة والمعالجة لمعظم الأفعال والمتغيرات التي تسود المجتمعات. إلا أن القياس أستمر عطائه وبشكل لافت للنظر للأفعال التي لم يرد النص عليها في القوانين الأمر الذي يجب أيجاد حلا لها. على كل حال ولكي لا أطيل على القارئ الكريم هناك بحوث ودراسات متوفرة بالإمكان الرجوع إليها للمزيد من الفائدة .