بغداد عاصمة السياحة العربية 2025: حلم بلا تخطيط؟

تغلب عبد الهادي الوائلي
معمار/ مخطط مدن
عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات / لجنة الاسكان والبنى التحتية
في خطوة تبدو أقرب إلى القفز فوق الحقائق منها إلى التخطيط الواقعي، تم اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025. هذه التسمية، رغم أهميتها الرمزية، تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جاهزية المدينة لاستقبال هذا الحدث، خصوصًا في ظل مشاريع البنية التحتية غير المكتملة، والتحديات التي تواجه القطاع السياحي في بغداد خصوصا وفي العراق عموما.
▪هل نحتفي أم نرتبك؟
أن تمنح بغداد هذا اللقب هو حق واعتراف بقيمتها التاريخية والثقافية، ولكن السؤال الأهم هو: هل الجهات المسؤولة مستعدة لتحويل هذا الاعتراف إلى واقع عملي؟
حتى الآن، تبدو الاستعدادات شكلية، بل وتفتقر إلى أي رؤية متماسكة لتوظيف هذه الفرصة في تنشيط السياحة المحلية والدولية. فمشاريع الحفاظ على التراث لا تزال فقيرة والبعض القلبل منها قيد التنفيذ، واغلبها متعثر منذ سنوات، بينما تعاني البنية التحتية الأساسية – من النقل إلى الخدمات الفندقية – من تخلف ونقص واضح وكبير.
▪التسرع في اتخاذ القرار:
كان من الأجدر بالحكومة العراقية، ممثلة بوزارة الثقافة والسياحة وأمانة بغداد، أن تعمل أولا على تطوير البنية التحتية وإنجاز مشاريع الحفاظ والترميم قبل السعي وراء ألقاب قد تتحول إلى مجرد حبر على ورق وقد تنتهي بخيبة امل مشتركة لنا ولزوار المدينة ومحبيها.
كيف يمكن لبغداد أن تستقبل وفودا سياحية كبيرة وهي تفتقر إلى خطة نقل حضرية منظمة، وفنادق تلبي معايير الضيافة العالمية، وبيئة سياحية آمنة وجاذبة ومريحة؟
▪الفرص الضائعة:
لو كان هناك تخطيط سليم، لكان بالإمكان استثمار هذه المناسبة في:
▫اعادة إحياء مركز المدينة وتاهيل ساحاتها لتكون مركزا حقيقيا للاحتفال ومحورا اساسيا للسياحة والتبضع والتمتع بتراث المدينة بدلا من الفوضى الحالية التي جعلته ممرا للعربات التي تجرها الحيوانات وساحة خلفية لمخلفات تجارة الجملة.
▫إكمال مشاريع التاهيل الأساسية، خاصةً في ازفة بغداد القديمة واحيائها التاربخية، بدلًا من تركها مهدمة تعاني من الاهمال المزمن.
▫إطلاق حملات ترويجية منظمة تستهدف الأسواق السياحية العالمية والعربية، بدلًا من الاكتفاء بتصريحات إعلامية عديمة التاثير.
▫تأهيل الكوادر السياحية، من المرشدين إلى موظفي الفنادق، لخلق تجربة سياحية متكاملة.
وللاسف فان ما يحدث الآن هو عكس ذلك، فكل ما نلاحظه هو تسابق غير مدروس على استضافة الحدث، دون تهيئة الأرضية اللازمة لإنجاحه وبالتالي هدر الكثير من الاموال والجهود من دون تحقيق شيء ملموس.
▪هل يمكن تدارك ذلك؟
على الرغم من مرور ثلاث اشهر من عام ٢٠٢٥ ورغم كل التحديات، فلا يزال هناك متسع ضيق من الوقت لوضع خطة طوارئ حقيقية تعالج أبرز النقاط الحرجة بواقعية، مثل تحسين البنية الأساسية في المواقع السياحية، وتوفير برامج سياحية عملية تضمن للزوار تجربة غنية، حتى لو كانت المدينة تعاني من مشكلات عمرانية. أما إذا استمرت الجهات الحكومية في نهجها الحالي، فستتحول هذه المناسبة إلى فرصة مهدورة أخرى تضيع ما بين الفوضى وسوء التخطيط وهدر الاموال.
▪خلاصة الكلام:
تسمية المدينة لهذا العام هي شرف نفخر به، الا انه وفي ظل عدم التخطيط المسبق -الذي اصبح ظاهرة تتميز بها الجهات المسؤولة في سياساتها- يمكن ان يؤذي المدينة بدلا من ان يرفع شانها، اذ لا يكفي أن تحصل بغداد على لقب عاصمة السياحة العربية، بل يجب أن تكون عاصمة مؤهلة بالفعل لاستقبال السياح قبل طلب الحصول على اللقب، وما لم يتم الانتقال من مرحلة التصريحات والتهويل الاعلامي إلى التنفيذ الفعلي المدروس، ستظل هذه التسمية مجرد مناسبة بروتوكولية تستهلك في الخطابات الرسمية، بينما تظل المدينة بعيدة عن تحقيق نهضة سياحية حقيقية.