نظرية فرن البيتزا ودورها في الهيمنة والغطرسة الأمريكية سياسيًا واقتصاديًا

د. أثير هلال الدليمي
دكتوراه في القانون الدولي العام
متخصص في مكافحة الجرائم السيبرانية الدولية
عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
شهد التاريخ الحديث العديد من النظريات التي حاولت تفسير سلوك الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، في فرض سيطرتها على النظام العالمي، ان إحدى هذه النظريات المثيرة للجدل هي “نظرية فرن البيتزا”، التي ترمز إلى آلية عمل الاقتصاد والسياسة الأمريكية في فرض هيمنتها على العالم.
تعكس هذه النظرية كيفية استخدام الولايات المتحدة لعوامل الضغط الاقتصادي والعسكري والثقافي كأدوات لإخضاع الدول الأخرى، تمامًا كما تعمل حرارة الفرن على طهي البيتزا وجعل مكوناتها خاضعة لعملية الطهي.
ماهية نظرية فرن البيتزا
تعتمد هذه النظرية على تشبيه السياسة الأمريكية بفرن البيتزا، حيث تقوم الولايات المتحدة بتسخين العالم بأحداث وصراعات وأزمات، تجعل الدول الأخرى في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، مما يسمح لها بفرض أجنداتها الخاصة.
الفكرة الأساسية في النظرية هي أن أمريكا لا تسعى إلى تدمير خصومها مباشرة، وإنما تضعهم في “الفرن” لفترة كافية حتى يصلوا إلى نقطة الضعف والاستسلام، تمامًا كما يتم طهي البيتزا حتى تنضج المكونات بالكامل.
يمكن تلخيص المبادئ الأساسية لهذه النظرية في النقاط التالية:
- 1. خلق أزمات مستمرة: تقوم الولايات المتحدة بتأجيج النزاعات الدولية وإشعال الصراعات الإقليمية، سواء من خلال التدخل المباشر أو دعم الفصائل المتناحرة، بحيث تظل الدول المستهدفة في حالة ضعف دائم.
- 2. التحكم في الاقتصاد العالمي: تستخدم واشنطن أدوات مثل العقوبات الاقتصادية، والتحكم في أسواق المال، وفرض الدولار كعملة عالمية، لضمان استمرار سيطرتها على الدول الأخرى.
- 3. التلاعب بالرأي العام: تعمل الولايات المتحدة على توجيه الإعلام العالمي لخدمة مصالحها، مما يساهم في تطبيع سياساتها العدوانية وإظهارها كقوة خير عالمي.
- 4. استخدام التكنولوجيا كسلاح: من خلال التفوق التكنولوجي، تفرض الولايات المتحدة قواعد جديدة للعبة الاقتصادية والعسكرية، مما يجعل من الصعب على الدول المنافسة اللحاق بها.
- 5. نشر الثقافة الأمريكية كأداة للهيمنة: من خلال السينما، الموسيقى، والإنترنت، تسعى أمريكا إلى فرض نموذجها الثقافي كمعيار عالمي، مما يسهل عملية التبعية الفكرية والاقتصادية.
*الدور السياسي لنظرية فرن البيتزا في الغطرسة الأمريكية.
على المستوى السياسي، تُستخدم هذه النظرية لتبرير السياسات الخارجية العدوانية للولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، نجد أن التدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط، سواء في العراق أو سوريا أو ليبيا، قد خضعت لمنطق “فرن البيتزا”، حيث تم خلق حالة من عدم الاستقرار تمهيدًا لفرض حلول أمريكية تتناسب مع مصالحها الجيوسياسية.
أمثلة على تطبيق النظرية سياسيًا:
أزمة أوكرانيا: بدلاً من المواجهة المباشرة مع روسيا، عملت الولايات المتحدة على دعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا، مما أدى إلى استنزاف موسكو وإبقائها داخل “الفرن” لفترة طويلة.
الصراع في الشرق الأوسط: من خلال دعم إسرائيل، وإثارة التوترات بين إيران والدول الخليجية، أبقت أمريكا المنطقة في حالة غليان دائم، مما سمح لها بالتدخل عند الحاجة.
*الدور الاقتصادي لنظرية فرن البيتزا
اقتصاديًا، تستغل الولايات المتحدة نظرية فرن البيتزا لضمان استمرار هيمنتها على الأسواق العالمية، من خلال فرض قواعد اقتصادية غير عادلة وإبقاء المنافسين في حالة من “الطهي البطيء”.
أدوات الهيمنة الاقتصادية وفقًا للنظرية:
العقوبات الاقتصادية: كما فعلت مع إيران، روسيا، وفنزويلا، حيث فرضت عقوبات تجبر هذه الدول على التكيف مع اقتصاد منهك وضعيف.
التحكم في المؤسسات المالية الدولية: مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين يستخدمان لفرض سياسات تقشفية على الدول النامية، مما يبقيها داخل “الفرن” الاقتصادي.
التلاعب بسوق النفط والعملات: عبر التحالف مع دول كبرى مثل السعودية، تتحكم أمريكا في أسعار النفط، مما يؤثر على اقتصاديات خصومها.
في الختام فان نظرية فرن البيتزا تعكس طبيعة الهيمنة الأمريكية على العالم، حيث تستخدم واشنطن مزيجًا من السياسة والاقتصاد والثقافة لإبقاء خصومها في حالة ضعف دائم.
هذه النظرية ليست مجرد وصف لحقيقة موجودة، بل هي تحذير للدول من مخاطر التبعية والانجرار إلى فخ الطهي البطيء، الذي ينتهي عادة بسيطرة الولايات المتحدة على الموارد والمصائر.
ويبقى السؤال: إلى متى ستظل الدول المستهدفة في هذا “الفرن”، قبل أن تدرك ضرورة بناء نموذج مقاومة جديد؟