لجنة العلوم السياسية

ماذا بعد الانتشار العسكري الامريكي في العراق وسوريا ؟

 بقلم الدكتور هاني الحديثي

عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

تصاعدت سيناريوهات التدخل الامريكي في العراق وسوريا من حيث وسائلها ومقاصدها بين سيناريوهات متفائلة واخرى متشائمة .

واغلبها بنيت على تمنيات او تفسيرات تبدو مؤدلجة أو مزاجية ناتجة عن الاحباط من امل التغيير ألداخلي .

استكمالا لما سبق وكتبنا فيه ، أود أن أوضح من وجهة نظري الموقف وفق قواعد واضحة وواقعية بعيدا عن تلك السيناريوهات التي تبني رايها على تصريحات لسفيرة امريكية او رمز من رموز النظام الامريكي آخذا بنظر الاعتبار ان ما يقال في التصريحات لا يمكن البناء عليه كونه مجرد وسيلة اعلامية تخفي تحتها مقاصد مختلفة ولايدركه الكثير ممن يزعمون انهم ساسة.

 

قواعد أساسية في اللعبة الامريكية:

1- اعطت الولايات المتحدة مؤخرا تنازلات لإيران عبر الافراج عن بعض ارصدتها المجمدة في بعض الدول مقابل استعداد ايران للذهاب الى استكمال مفاوضات برنامجها النووي المستمر أصلا في دولة عمان ، ووقف التخصيب عند حدود 60./. ، علما ان اتفاقية البرنامج النووي لعام 2015 كانت تقضي بإيقاف التخصيب عند حدود 20./.

وبذلك تكون أيران هي الفائزة حتى الان من لعبة جر الحبل مع الولايات المتحدة وهي نقطة تسجل لصالح الدهاء الايراني في لعبة السياسة وفن المفاوضات والصبر المستند على طبيعة الشخصية الفارسية (فن صناعة السجاد الايراني ) .

2- استكمال المفاوضات بشان البرنامج مستقبلا يعني احتمال تراجع ايران عن منح الفرصة للصين بتوسيع نفوذها في الشرق الاوسط عبر تحجيم التعاون بينهما بمشروع طريق الصين الاستراتيجي عبر ايران والعراق نحو تركيا  وسوريا ،وهو مطلب امريكي استراتيجي لتحافظ على هيمنتها على منطقة الشرق الاوسط وعبرها على تجارة النفط والغاز مع العالم (من يسيطر على منطقة الشرق الاوسط يسيطر على العالم جيواستراتيجيا  ) .

3-ماتقدم يشمل ايضا مساعي امريكية نحو تحجيم الدور الايراني في حرب اوكرانيا وما يترتب عن ذلك من مساعي تحجيم الدور الايراني الى جانب روسيا في سوريا  وهو مطلب اساسي تسعى الولايات المتحدة عبره الى اجراء تغيير في قواعد اللعبة في سوريا يمكن في حالة نجاحها ان تحقق تغييرا في شكل النظام السياسي وربما في شكل الدولة السورية عبر نظام سياسي يؤمن التطبيع مع اسرائيل ويمنع روسيا من لعب دور حاسم في الساحة السورية والابقاء على قواعد استراتيجية تؤمن لروسيا موطئ قدم فاعل في الشرق الاوسط .

بعبارة اخرى فان هذا الاحتمال قد يشهد سيناريو تقسيم سوريا الى مناطق نفوذ او انشاء نظام سياسي كونفدرالي وفق المناطق المتوزعة حاليا و عمليا بين روسيا والولايات المتحدة وايران وتركيا ، وبذلك تحقق مطلبا إسرائيليا استراتيجيا ضمن مساعي تفتيت المحيط العربي بها  .

 

4- تهدف الولايات المتحدة الى مواجهة الدور الروسي -الصيني في الشرق الاوسط ومنع روسيا من تصعيد نفوذها فيه على غرار ما حدث في افريقيا  ومنطقة الساحل فيها لممارسة الضغط على دور الناتو في حرب اوكرانيا ، بمعنى محاولة تطويق واجهاض مساعي تطوير الدور الروسي للضغط على الناتو في مناطق حيوية  مثل الشرق الاوسط ..

5-  في ضوء ذلك فان المقصد الاساسي للولايات المتحدة من زيادة انشطتها العسكرية في سوريا والعراق لن يتعدى حدود تركيز مصالحها الاستراتيجية  .

6- النظام السياسي في العراق هو نتاج العقلية السياسية الامريكية المتصهينة (أليمين المتشدد ) والمبنية على اطروحات ايديولوجية ظهرت بوضوح في العقد الاخير من القرن العشرين وتم اقرارها في الادارة الامريكية والكونجرس تحت شعار (تحرير العراق )، وهو نموذجها لبلدان الشرق الاوسط بتنسيق مع كل من ايران و اسرائيل ، وهو امر صار معروفا وبتصريحات رسمية من قادة هذه الدول  وفق تصريح الرئيس الايراني الاسبق هاشمي رافسنجاني ب (الفرصة التاريخية )موظفا حدث غزو الكويت وما ترتب عليه من نتائج كارثية ، والاعتذار الرسمي الذي قدمته لإيران وزيرة خارجية الولايات المتحدة حينذاك مادلين أولبرايت عن الموقف الامريكي اتجاه الحرب العراقية -الايرانية .

، لذلك فان اي تصور بمسعى امريكي لتغيير النظام السياسي في العراق لصالح الارادات الشعبية انما هو سيناريو بعيد الاحتمال وربما ضرب من الوهم دون ان يلغي ذلك امكانية تطويره  من الداخل وبتنسيق مع القوى القائمة عليه ، وبدليل تعاون فصائل الحشد الموالية لإيران المدعية انها فصائل للمقاومة ، وتنسيقها المتكامل مع السفيرة الامريكية في العراق ، ذلك ان ما يهم هذه الفصائل ومن يدعمها ليس ما يعلن عنها اعلاميا من مصالح العراق الوطنية انما استمرار هيمنتها لصالح ايران وبالتنسيق مع الولايات المتحدة وهو الامر الذي يطرح امكانية توزيع العراق الى مناطق نفوذ اقليمية و دولية يتناسب تماما مع ما يطرح على الساحة السورية .

7-الادارة الامريكية وادارة الكيان الصهيوني حريصة على تمزيق  وحدة المنظومة القيمية الوطنية والعربية في البلدان العربية كوسيلة لتمزيق اي مساعي لتحقيق اتحاد عربي او موقف عربي يمكن ان يشكل رصيد قوة للعالم العربي ، وهو هدف استراتيجي نفذته ايران بدقة ونجحت فيه بشكل كبير وما يزال المشوار مستمرا ضمن الخطة الخمسينية لولاية الفقيه لتتربع ايران في قمة الهرم العربي والاسلامي ضمن مقاصدها المعلنة ، وهو امر يمكن التفاوض عليه والقبول به امريكيا طالما ظل متوازيا مع المقاصد الامريكية والغربية التي يعمل عليها الغرب منذ مطلع القرن العشرين وخاصة في مؤتمر كامبل 1905-1907 والذي نتج عنه خارطة تقسيم الوطن العربي وزرع الكيان الصهيوني في فلسطين عبر سايكس بيكو ووعد بلفور .

في ضوء ما تقدم أرى مهما ان نفهم التحركات العسكرية الامريكية في بلاد المشرق العربي  بعيدا عن التمنيات او الاعتراضات الاعلامية حيث يزداد دور الاعلام في خدمة السياسات الخارجية للقوى العظمى والكبرى كأحد وسائل تنفيذ السياسة الخارجية ، فالولايات المتحدة لها مصالحها واستراتيجياتها التي تبني عليها وفقا لها وليس وفقا لمصالح الدول والشعوب وخاصة تلك الشعوب والدول المسحوقة اصلا من قبلها كما هو الحال لدى شعوب العالم العربي والاسلامي وخارج نطاقهما ايضا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى