لجنة العلوم السياسية

المشروع القومي العربي و المشاريع الاقليمية

بقلم أ.د هاني الياس خضر الحديثي

استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات – لجنة العلم السياسية

عضو المعهد العالمي للتجديد العربي

عضو المركز الديمقراطي العربي

في ضل واقع الصراع العربي- الاسرائيلي وتداعيات الحرب الاسرائيلية المفتوحة الان ضد الشعب العربي الفلسطيني في غزة كمرحلة اولى ،ومشاريع اليمين المتطرف الحاكم في اسرائيل بتهجير الفلسطينيين من قطاعي غزة والضفة الغربية لاقامة دولة اسرائيل الخالصة لليهود النازحين الى فلسطين من بلدان العالم , تطرح اسئلة كثيرة عن الموقف العربي الرسمي المهادن، مقارنة بمواقف دول وقوى دولية واقليمية من الحرب وطبيعة مشروع الكيان الاسرائيلي في فلسطين و المنطقة العربية .

والسؤال الاكثر اثارة اين الموقف العربي من مواقف دول وقوى اقليمية ودولية تظافرت جهودها لتبني مواقف اكثر اصالة دفاعا ضد قضية الابادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل في غزة ؟

دعوى دولة جنوب افريقيا متضامنة مع موقف حكومة بوليفيا امام محكمة العدل الدولية  وبتاييد بلدان اخرى في افريقيا وامريكا اللاتينية نموذجا .

السؤال الاهم : هل يوجد بالفعل  مشروع قومي عربي على ارض الواقع ؟

ان طرح هذه الاسئلة ومحاولة الاجابة عليها انما ياتي في ظرف ملتبس ومعقد الذي يمر به الان العالم العربي .

بدءا اجد من المهم الاشارة ان العالم العربي شهد مشاريع عربية طرحت في عقود ماضية واخذت مساحاتها في الفعل والتاثير بنسب مختلفة مثل المشروع  القومي الناصري الذي قادته مصر منذ عقد الخمسينات في القرن العشرين واستمر لغاية عقد السبعينات حيث وفاة الرئيس عبدالناصر بعد سنوات من نكسة حزيران التي يتحمل نظام الرئيس عبدالناصر مسؤوليته عنها  ، والمشروع الذي طرحه حزب البعث  في العراق بالتزامن مع المشروع الذي طرح في سوريا تحت ذات الشعارات  طيلة ثلاث عقود  توقفت عند غزو العراق للكويت بقرار خاطىء استراتيجيا وتاريخيا ، لتبدا مرحلة النكسة للمشروع القومي والتي انتهت باحتلال العراق عام 2003م   ، فضلا عن مشاريع قومية اخرى طرحها الزعيم معمر القذافي في ليبيا و كذلك الزعيم هواري بومدين في الجزائر . بيد ان اكبر مشروعين اخذا مساحات فعلية واسعة  رغم انتهائهما بالفشل هو المشروعين المشار لهما في مصر والعراق .

مجمل هذه المشاريع ألعربية انتكست و فشلت لاسباب ومتغيرات عديدة منها الاخطاء التاريخية التي ارتكبت من قبل انظمة هذه المشاريع ، ومنها اشكال التامر الخارجية التي جابهتها وشاركت بها بلدان عربية للاسف كما حصل في ائتلاف بلدان الخليج العربي وغيرها  الى جانب الولايات المتحدة وحلفائها في العدوان العسكري ثم الاطاحة بالانظمة التي رفعت شعارات  تلك المشاريع و تحت مبررات شتى اغلبها غير موضوعية كما حصل في أجهاض تجبرتي العراق وليبيا دون ان نغفل الموقف ذاته من تجربة عبدالناصر وتصدره لقيادة الحروب العربية مع اسرائيل .

بيد أن الخطر الاكبر الذي واجه مجمل تلك المشاريع هي أخطاء داخلية  كونها مشاريع انظمة مشخصنة غير ممؤسسة ومتنافسة فيما بينها على الزعامة القومية( صراع الزعامات ) وهو الامر الذي حال دون وحدة تلك المشاريع بمشروع وحدوي عربي منظم ياخذ كامل مداه عربيا .

بعبارة اخرى فان العالم العربي ظل  بدون مشروع عربي تنموي شمولي حقيقي  و مستدام ، وأن طبيعة الولاءات للغرب والتبعية من قبل الانظمة السياسية العربية شكلت متغيرا مهما اضاع على العالم العربي فرص التكامل وادخله في مرحلة الصراعات القطرية التي لعبت على اوراقها القوى الغربية وخاصة الامريكية عبر استراتيجية صناعة الازمات وادارتها لصالح الغرب وهو الامر الذي يتكامل مع الدور الاسرائيلي في التصدي لجميع اشكال التوافق العربي – العربي كونه يشكل التهديد الحقيقي والجدي للوجود الاسرائيلي القائم بالاساس على تمزق العرب وتشتت وحدتهم .

أن ماتقدم اتاح للقوى الاقليمية فضلا عن الدولية فرص واسعة للتدخل بالشؤون الداخلية لبلدان العالم العربي وفي مقدمة تلك القوى ألى جانب  اسرائيل كل من ايران وتركيا واثيوبيا وهي قوى اقليمية كبرى تحيط الوطن العربي ولها امتداداتها اقليميا ودوليا .ا

وازاء ماتقدم فرض على الدول العربية مواجهة تلك التدخلات والنفوذ الاقليمي بنسق تعاوني ضعيف او فردي منعزل وهامشي خاصة تلك الدول التي شاركت الغرب في اجهاض القوى العربية الرئيسية التي اخذت على عاتقها منفردة التصدي لتلك التحديات الخارجية كما حصل في نماذج مصر و العراق  وليبيا وسوريا وهو الحال الذي نشهده ايضا في السودان.

يتصل ويتفاعل مع ماتقدم ان البلدان العربية التي شاركت بشكل (غريب) لايعبر عن اي مستوى للادراك والوعي الجمعي  قوى المحيط الاقليمي للوطن العربي  جهدها لاجهاض القوى العربية المركزية ومشاريعها، راحت لاحقا تتعرض سلبا  لتاثيرات نمو مشاريع النفوذ الاقليمي السلبية على امنها القومي كما حصل في تداعيات تطور النفوذ الايراني في عموم العالم العربي ومشرقه بشكل خاص بعد ان استطاعت ايران عمليا من الاحاطة بالمشرق العربي بشكل دائري شمل أليمن الى جانب العراق وسوريا ولبنان  ، وهو امر مكنها من السيطرة على الممرات والمضائق الاستراتيجية في الخليج العربي والبحر العربي ومضيق باب المندب المتحكم في الملاحة الدولية  في البحر الاحمر وهو امر صار التعامل معه الان صعبا في ظل واقع تطور هذا النفوذ ومرتكزاته التي بانت واضحة ومؤثرة في ظل ظروف الحرب المفتوحة التي تشنها اسرائيل الان . أن ماتقدم يشمل بقدر نسبي ايضا تركيا واثيوبيا

الذي يميز قوى المحيط الاقليمي انها قوى أقليمية كبرى لها مشاريعها الاقليمية المنسجمة و لها برامجها ومصالحها واستراتيجياتها، وفي كثير من الاحيان تلتقي بعض من صفحات  تلك الاستراتيجيات لدول المحيط باهداف أقليمية مشتركة كما هو الحال بين ايران وتركيا اتجاه القضية الكوردية والنفوذ على اقاليم الحدود المشتركة ، وكذلك  الحال بالنسبة لاسرائيل وأثيوبيا فضلا عن ارتريا . ولطبيعة التخادم في المصالح والاستراتيجيات بين مجمل هذه القوى وقوى دولية فاعلة ومهيمنة على النظام الدولي ، فاننا نرى قدرا من التوافق بينهم على حساب العالم العربي حيث تشترك تلك القوى بالشعور باهمية استمرار الضعف والتفكك العربي- العربي لصالحهم كل حسب مشروعه الامر الذي يحقق تخادما بين تلك المشاريع الاقليمية كلا او جزءا.

تاسيسا على ماتقدم يبقى الفعل العربي الصادر عن الانظمة ضعيفا او مهزوما او تابعا وولائيا لتلك القوى ومشاريعها ، وهو الامر الذي يفسر طبيعة الموقف من اغلب بلدان العالم العربي اتجاه الحرب التي تشنها اسرائيل في غزة وفلسطين . بل ان بعظها يقف بشكل مباشر او غير مباشر الى جانب اسرائيل وفي خندقها ضد اشقائهم في فلسطين بدليل استمرار علاقات التطبيع بين تلك الدول المطبعة معها بعد ان وجدت فيها مظلة توفر لها الحماية من التهديدات الايرانية وغيرها من قوى الجوار الاقليمي، وهو امر صرح به بوضوح رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي اعلن ان العديد من الانظمة العربية تشاركه الاهتمام بالقضاء على المقاومة الفلسطينية ( حماس) زاد من ذلك تاكيدات الخارجية الامريكية عبر وزير الخارجية بلينكن في رحلاته المكوكية لبلدان المحيط العربي بفلسطين بأن بلاده تركزفي  اولوياتها على تحقيق وتطويرعلاقات عربية – اسرائيلية لمواجهة التهديدات الايرانية ، متغافلا بذلك عن جذور وجوهر الصراع العربي – الاسرائيلي وجرائم الابادة الجماعية المعروضة امام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية التي ترتكبها اسرائيل في غزة وعموم فلسطين . أن ذلك انما يوضح بما لايقبل الشك أن الادارة الامريكية تؤكد وقوفها الدائم والداعم لاسرائيل ومشروعها الاقليمي الشرق اوسطي بعيدا عن اية رؤية موضوعية للمصالح القومية لشعوب العالم العربي ، وأنها بتصريحاتها الرسمية أنما تتغافل عن جوهر الحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني لتحقق انتقالا في اتجاهات الراي العام نحو قضية اخرى هي النفوذ المتعاظم لايران والذي سببته بالاصل سياسات الولايات المتحدة وشركائها في العالم العربي ألامر الذي يؤكد صحة ألشكوك حيال مزاعم الادارات الامريكية وحلفائها اتجاه ايران ومقاصدها.

في ضل هذه الصورة نلاحظ ان الانظمة العربية تسعى لاشاعة الحذر والتشكيك من ردود افعال ومواقف مختلفة تصدر عن هذا الطرف او ذاك من اطراف وجماعات و قوى عربية متحالفة مع ايران في موقفها المتضامن شكلا او موضوعا مع المقاومة العربية في غزة وفلسطين المحتلة وهي تتعرض لاقسى اشكال الابادة وجرائم الحرب التي صارت مادة موضوعة امام محكمة العدل الدولية و محكمة الجنايات الدولية ومن قبل دول ومنظمات غير عربية ولكنها تجد في مبادئها ومقاصدها الانسانية مايدفعها لتبني هذه المواقف الاصيلة في ظل واقع الغياب العربي الرسمي على الاقل .

أن الانظمة العربية المتهالكة على التطبيع مع اسرائيل والتي لم تحرك ساكنا ازاء الدمار الذي يتعرض له الشعب العربي الفلسطيني في غزة ، تشعر بالحرج اتجاه مايعبر عنه بوسائل مختلفة من قوى ومنظمات ودول ، ولذلك نجدها تذهب للتشكيك والطعن في المواقف الاخرى المختلفة عنها وتدفع جميع وسائلها الاعلامية لتتبع ذات النهج بدلا من اعتمادها مايتطلب منها من موقف عربي رصين .

ولذلك يمكن القول بوضوح وهو امر أكدته المعطيات على ارض الواقع فكريا وعمليا  ان هذه الانظمة تشعر ان نهايتها محكومة بنتائج الحرب الدائرة حاليا  في فلسطين منذ مايزيد على ثلاثة اشهر، فضلا عن تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي برمته والذي شهد مواقف وتصريحات وتوثيقات مذلة من رموز هذه الانظمة سابقا وحاليا لامجال لذكرها هنا ولكنها لم تعد ايضا خافية على المنقبين والباحثين والمهتمين  .

وفي ضوء ماتقدم لايمكن تصور مشروع قومي عربي في ضل استمرار هذه الانظمة التي تزايد على الاخرين في منهج ولائها وتبعيتها لما ينفذ في العالم العربي من خطط واستراتيجيات غربية و اسرائيلية .

بالمقابل فان المشاريع الاقليمية المتنفذة ستجد مساحات اوسع لتطوير نفوذها في العالم العربي انطلاقا من التعاطف الشعبي العربي أتجاه قضية فلسطين وما تتعرض له على يد الكيان الاسرائيلي خلاف رغبات هذه الانظمة المتعفنة في المشاريع الامريكية و الاسرائيلية .

ان مايصعب  ادراكه شعبويا اليوم تحت وطأة الضخ الاعلامي من الانظمة العربية اتجاه مشاريع بلدان الجوار ، سيصبح سهلا استيعابه لاحقا  مع تطور الاحداث ومجريات الحرب وما يرتكب فيها من جرائم ابادة جماعية بحق القضية المركزية المقدسة فلسطين .وهنا سوف لن تجد هذه الانظمة المتجردة عن واجباتها القومية والدينية والاخلاقية سبيلا للبقاء الا بمزيد من الانضواء في خيمة القوى الغربية والصهيونية العالمية لتصبح شعوبها لاحقا هي العدو الذي تخشاه ،الامر الذي يكرس ضياع اي فرصة لتصور مشروع عربي تكاملي من قبل النظام الرسمي العربي القائم وفق منهج يخدم قضايا الامة ومستقبلها في مواجهة استمرار تطور وتكريس المشاريع الاقليمية لبلدان الجوار المحيط بالعالم العربي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى