اللجنة القانونية

أحكام الضرورة في التشريع الجزائي

أحكام الضرورة في التشريع الجزائي

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية

المنتدى العراقي لنخب والكفاءات

 

اللافت للنظر ان حالة الضرورة رافقت ولادة التشريعات عموما واعتمدت في صياغتها واحكامها على اراء الفقهاء وتم تضمين هذه الحالة في القوانين الجزائية  والمدنية وهي قاعدة فقهية وقانونية فرضت نفسها عند تطبيق القوانين حتى اصبح القضاء والفقهاء ملزمين الأخذ بها عند صدور الاحكام اوعند الاجتهاد الفقهي . ولكن يا ترى متى تتوفر حالة الضرورة كي تكون سببا من اسباب الإباحة وماتعا من موانع المسؤولية .

في الباب الرابع من الفصل الاول وتحت عنوان المسؤولية الجزائية ذكرت حالة الضرورة في المادة 63 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 . ويمكن للقارئ الرجوع اليها والاطلاع عليها الا انني سأوجز مضمونها لقد احتوت هذه المادة على طبيعة حالة الضرورة واحكامها وشروط تطبيقها كي تكون مانعا من موانع المسؤولية ومنها (1 ) وجود خطر جسيم يودي الى ارتكاب الفعل المكون للجريمة حالا (2 ) ان يكون هذا الخطر يهدد المال او النفس ( 3) وان لا يكون لإرادة الفاعل دخل في حدوث الخطر (4 ) وان لا يكون في استطاعته دفع الخطر بطريقة اخرى (5) ان يكون الفعل متناسب مع جسامة الخطر .

هذه هي شروط حالة الضرورة التي تكون سببا من اسباب الاباحة ومانع من موانع المسؤولية الا ان هذه الضرورة لا تمنع من قيام المسؤولية المدنية عنها وان الفاعل ملزم بدفع التعويض عن الاضرار المعنوية والمادية الناجمة عن الفعل وفي القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 تواجدت حالة الضرورة اختصرتها بعناوين لا نها مطولة ومن الممكن مراجعتها للتعرف على مضامين كل مادة ففي المواد 112 ( عيوب الإرادة ) و116 ( الزوج ذو شوكة على زوجته) و127 (كون محل الالتزام اصبح مستحيلا استحالة مطلقة ) و168 ( المسؤولية التعاقدية وضمان العقد ) و215 ( الاجبار المعتبر في التصرفات الفعلية ) و301 ( في خيار التعيين للمدين وهلاك احد الشيئين ) و1146 ( اذا اقترنت الحيازة بالإكراه او حصلت خفية ) .

 وعلى المحكمة ان تبحث في وقائع الدعوى وسبب الاخفاق في تنفيذ الالتزام وتجري معادلة عادلة ومنطقية بين الاطراف للوصول الى حالة الضرورة والاستعانة بالخبراء واراء الفقهاء . اما في تطبيق المادة 63 من قانون العقوبات فعلى المحكمة ان تتحقق من توفر كل اركان الجريمة وظروف ارتكابها وشروط المسؤولية عنها ثم تقرر بشأن قيام حالة الضرورة . ان حالة الضرورة تشكل نمطا فريدا ونسيجا رفيعا بين مصادر التشريع وتحرك العقل التشريعي القضائي نحو الاجتهاد المطلوب لتحقيق متطلبات العدالة .

كما ان لهذه الضرورة ضوابط وأحكام وتحديدات فقهية لابد من مراعاتها عند التطبيق ومن بينها . الضرورة تقدر بقدرها . والضرورات تبيح المحظورات . ورفع الإباحة بمجرد انتهاء الاضطرار. وان لا يودي ارتكاب المحظور ضررا للأخرين .

 وفي مدارس الفقه الاسلامي هناك مخارج ومداخل وتنوع في الاجتهاد وزيادة ونقصان في ضوابط وشروط حالة الضرورة الا انها استقرت واصبحت لها احكاما وسوابق قضائية ومبادئ قانونية يهتدى بها ألزمت الجميع قضاءأ وفقها في احترامها وحسن تطبيقها . وسبق لمجلس المجمع الفقهي الاسلامي الذي عقد للفترة من 18 ـ 29  لسنة 1985 م ان وضع عددا من الشروط الملزمة للعمل بحالة الضرورة عند الاخذ بها وخلاصته :

 1 ـ ان تكون هناك حاجة كبيرة للعصر للاجتهاد .

 2ـ ان يكون الاجتهاد جماعيا يصدرعن مجمع فقهي يمثل علماء العالم الاسلامي 3ـ توفر شروط صحة الاجتهاد المطلوبة في المجتهدين .

 4 ـ ان تراعى قاعدة لا اجتهاد في مورد النص .

 5 ـ ان تكون هناك ضرورات لقضايا اجتماعية واقتصادية ومصلحة عامة ووجود خلاف في عقود المعاملات واسواق المال . وان التعمق في الادلة والقرائن وتدقيقها من قبل المحكمة في الدعاوى المحالة عليها من محاكم التحقيق لا جراء المحاكمة والنطق بالحكم هو الذي يولد القناعة التامة لمعرفة وجود حالة الضرورة من عدم وجودها ولضمان عدم الطعن في احكامها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى