اللجنة الاقتصادية

المالثوسيون الجدد

ا. د. محمد طاقة

عضو مؤسس ، اللجنة الاقتصادية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

المقال الذي نشرناه تحت عنوان (جنون المالثوسية) حظي باهتمام الكثير من القراء، كما أثار الاقتصادي الكبير الأستاذ إسماعيل الدليمي، فعلق عليه وكتب ملاحظات علمية أغنته، ونبهتني إلى بعض الأمور العلمية، كما حفزتني على العودة، مرة أخرى، إلى موضوع النظرية المالثوسية، التي مفادها أن عديد السكان يتزايد كل ربع قرن على نحو متوالية هندسية وأن الغذاء يتزايد على نحو متوالية عددية وينتج عن ذلك عدم توازن بين كمية الغذاء وعديد السكان.

يقترح مالثوس لمعالجة هذه المشكلة بعض الأمور اللاإنسانية، منها تحديد النسل وزيادة عديد الوفيات من خلال إفشاء الأوبئة والأمراض والحروب وغيرها من الأساليب اللاإنسانية، وكما تفعل المنظومة الرأسمالية اليوم، وعلى هذا الأساس ورد في الملاحظات أن حصيلة تزايد السكان، فعلياً، في القرن الحالي أقل بكثير مما كان عليه في القرن الثامن عشر وأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك المرحلة الزمنية قد اختلفت، تماماً، عن الواقع الحالي.. الخ.

أود، هنا، أن أتطرق إلى بعض الحقائق من أجل إيصال الفكرة إلى القارئ المتابع حول موضوع العلاقة الجدلية بين تزايد السكان والغذاء لما لها من أهمية قصوى في حياتنا.

الحقيقة الأولى: صحيح أن الاقتصادي الإنكليزي مالثوس هو الذي أكتشف تلك الظاهرة في القرن الثامن عشر، وأن جميع الظروف السائدة، آنذاك، ما عادت تنطبق على الوقت الحاضر، الذي تميز بالتطور العلمي والتقني، الذي كان غائباً في تلك الحقبة من الزمن، ولكن المهم في الموضوع هو جوهر النظرية، أي الفكرة، التي جاء بها، والتي تبنتها المنظومة الرأسمالية، لتصبح جزءاً من فلسفتها وسلوكها وفِي كل مراحل تطورها، أي، منذ المرحلة المركنتيلية وإلى يومنا، حيث مرحلة العولمة.

الحقيقة الثانية: إن العالم اليوم يعيش في مرحلة التضخم السكاني، الذي يطلق عليه، أيضاً، اسم الانفجار السكاني، الذي يعني اختلال التوازن بين عديد السكان مقارنة بكميات الموارد المتاحة في مكان ما (الغذاء الماء والهواء.. الخ) والانفجار السكاني يمثل الزيادة الهائلة في عديد السكان نتيجة للزيادة في عديد المواليد وقلة عديد الوفيات نتيجة التقدم الكبير في مجال الخدمات الصحية والوعي الصحي بحيث أصبحت هذه الزيادة غير مناسبة لكمية الموارد المتاحة على الأرض، ونقصد بها المواد الغذائية.

وحسب إحصاءات دولية، فإن عديد سكان العالم  في ٢٣/٨/٢٠١٦  بلغ 7 مليارات و٣00 مليون نسمة وهو أكثر بكثير من عديد سكان العالم في العام ٢٠١٥ حيث بلغ 7 مليارات و200 مليون نسمة، برغم معرفتنا أن جميع الإحصائيات غير دقيقة ولا يمكن ضبطها كون عديد السكان يزيد وينقص حسب عديد الولادات والوفيات.

الحقيقة الثالثة: إن عديد سكان العالم يزداد بمعدلات سريعة جداً، إذ يولد، يومياً، قرابة ٧٠ ألف رضيع في حين يبلغ عديد الوفيات نحو ٤٠ ألف يومياً، أي بزيادة صافية مقدارها ٣٠ ألف طفل في اليوم الواحد مما يعني أن سكان العالم يزدادون بمقدار ثلاثة أطفال في كل ثانيتين من الدقيقة، أي يولد نحو٩٠ طفلاً في الدقيقة الواحدة، وهذا يعني ولادة قرابة مليون طفل، أسبوعياً، أي أربعة ملايين طفل شهرياً، وسيكون العدد ٤٨ مليون في السنة الواحدة، وهؤلاء يحتاجون إلى الغذاء.

وعلى هذا الأساس سيزداد عديد سكان العالم، خلال الربع القرن المقبل، نحو عشرة مليارات نسمة أو اكثر، وسيكون الحال صعباً جداً من حيث توفير الغذاء الكافي، الذي يجاري هذه الزيادة في عديد السكان.

هذا مع العلم أن البلدان المتخلفة تعاني من الفقر والجوع وقلة الغذاء وأن هنالك بحدود ٨٠٠ مليون نسمة، أي نحو ٤٠ بالمئة من السكان يعيشون في حالة الفقر المدقع، وأن ٨٠ بالمئة من سكان الريف لا تتوفر لديهم مياه شرب نقية.

أما الحقيقة الرابعة، فحسب تقديرات الأمم المتحدة أن عديد سكان العالم في العام ٢٠١١ وصل إلى ٧ مليارات نسمة، والمتوقع أن يزيد هذا العديد إلى أكثر من ١٠ مليارات نسمة في العام ٢٠٥٠. يعيش أكثر من ٦٥ بالمئة من سكان العالم في آسيا وبحدود ١٧ بالمئة في أفريقيا، و٨ بالمئة في أمريكا اللاتينية والكاريبي، و٥ بالمئة في أمريكا الشمالية، و٥ بالمئة في بقية الدول، علما أن سكان الصين بلغ ١،٤٤ مليار نسمة والهند ١،٣٩ مليار نسمة.

من تلك الأرقام يتضح لنا أن الزيادة في عديد السكان والتضخم السكاني سيكون من نصيب الدول النامية كون معدلات النمو السكاني منخفضة في الدول المتقدمة فقط.

ستعاني الدول النامية من مشكلة عدم التوازن بين عديد السكان والغذاء، ولا ننكر أن استمرار النمو السكاني في البلدان النامية  أمر خطير، وبالأخص أن هذه البلدان تعتمد على استيراد المواد الغذائية من السوق الرأسمالية العالمية، برغم أن ثلثي سكان هذه الدول يعملون في  الزراعة حيث ارتفع حجم ما تستورده هذه الدول من الحبوب، بصفة كبيرة جداً، وبسبب تخلف قوى الانتاج في هذه الدول فهي عاجزة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة للغذاء، والفجوة بين الغذاء وعديد السكان موجودة في هذه الدول.

وهذا ما يدعو إليه المالثوسيون الجدد على لسان فيليب هاوزر : (إن هناك وسيلتين للضغط على الزيادة السريعة في سكان العالم، أولهما زيادة معدل الوفيات، والثانية العمل على خفض معدل الولادات). أما الحقيقة الخامسة والأخيرة فهي أن الموقف من النظرية المالثوسية فكري، بالدرجة الأساس، وهو موقف من وجود أو عدم وجود خبز على الأرض للجميع، فالمنظومة الرأسمالية وعلى وفق نظرية مالثوس تؤمن بعدم وجود خبز على الأرض يكفي الجميع. أما الموقف الاشتراكي فيُؤْمِن بوجود خبز على الأرض يكفي الجميع اذا ضمنا التوزيع العادل للثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية وغياب الاستغلال.

وعليه فمن المتوقع أن يزيد عديد سكان العالم، فِي ظل النظام العالمي، الذي تهيمن عليه المنظومة الرأسمالية، وكما ذكرنا، خلال الربع القرن المقبل بأكثر من الثلث، أي بزيادة نحو مليارين و500 مليون نسمة، مما يتوجب على القطاع الزراعي أن ينتج المزيد من الأغذية لإطعام العديد المتزايد من السكان، ونشير إلى أن أكثر هذه الزيادة ستتركز في البلدان النامية وبالأخص في أفريقيا.

أن هذه الزيادة في السكان تتطلب زيادة الانتاج الكلي للأغذية وبنحو ٧٠ بالمئة في المدة ما بين ٢٠٢٠ – ٢٠٥٠ وبالأخص إنتاج الحبوب، الذي يفترض أن يحقق زيادة مقدارها مليون طن، وإنتاج اللحوم بأكثر من ٢٠٠ مليون طن ليبلغ ٧٤٠ مليون طن،  كذلك فإن إطعام العالم، بصفة كافية، يعني أنتاج جميع أنواع الاغذية، التي تعاني من النقص في الوقت الحاضر لضمان الأمن الغذائي.

وعلى وفق المعلومات والتحديات، فإن مهمة توفير الغذاء بما يكفي التطور، الذي سيحصل على نمو السكان ليصل إلى ١٠ – ١١ مليار نسمة، تبدو شبه مستحيلة أمام تحقيق هدف توفير الغذاء اللازم لإطعام سكان العالم خلال الخمس والعشرين سنة المقبلة. من التحديات، التي ستواجه العالم توفير التكنولوجيا المتطورة إلى جانب توفير المال اللازم وتوفير المياه وجميع مستلزمات العملية الزراعية وتوفير الكوادر ومتطلبات المعرفة ودراسة المشكلات المتعلقة بالمناخ ومتغيراته ومشكلة التصحر واستصلاح الأراضي وغيرها من المشكلات، التي يصعب حلها.

إذن، نحن مقدمون على مشكلة في غاية الخطورة والتعقيد، نعتقد معها أن الأمن الغذائي مهدد بالخطر وعلى الجميع تدارك الأمر وضمن المقترحات التي أوردتها مقالتي السابقة (جنون المالثوسية ) .

وأكرر شكري للأستاذ الكبير إسماعيل الجنابي الذي حفزني على العودة إلى الكتابة والتوسع في بحث التحديات والمشكلات المتوقعة في المستقبل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى