لجنة الشباب و الرياضة

صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية الحلقة السادسة

الدورة الخامسة … ستوكهولم 1912

أ. د إسماعيل خليل إبراهيم

نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة

    في المؤتمر الأولمبي الذي عقد في برلين بتأريخ (27 مايو عام 1908) تم اختيار ستوكهولم لاستضافة الدورة الخامسة دون أي منافسة على أن تقام ما بين ( 5 مايس لغاية 27 تموز 1912 ) لتصبح فيما بعد محطة فارقة فى التاريخ الأولمبي ولتجسد فكر ( كوبرتان ) وأحلامه وطموحاته من أجل انتشار الفكرة الأولمبية وترجمةً لرغبته في أن ( تكون الألعاب رياضية بحتة ، وأكثر توافقًا مع المتطلبات الكلاسيكية والفنية ) ، وبالتالي أصبحت دورة الألعاب الخامسة عبارة عن مهرجان دولي للرياضة والإخاء والنوايا الحسنة والتضامن لاسيما وأنها شهدت تواجداً لدول من القارات الخمس لأول مرة .

أقيم حفل افتتاح الدورة في الإستاد الأولمبي في ستوكهولم والذي شيد خصيصاً للبطولة وبحضور 35 ألف متفرج ، بدأت مراسم الإفتتاح التي حضرها ملك السويد ( جوستاف الخامس ) ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية الفرنسي ( بيير دي كوبرتان ) بعزف النشيد الأولمبي ثم صلاة تلاها رجل دين سويدي ومن ثمّ استعراض الوفود مثلما حدث فى الدورة السابقة ولكن هذه المرة بدون أزمات وانسحابات وبحضور ممثلى القارات الخمس . وبعد كلمة ألقاها رئيس اللجنة الأولمبية السويدية أعلن ملك السويد افتتاح البطولة رسمياً ، وتلا الافتتاح مباشرة انطلاق منافسات الجمباز التي أقيمت في الملعب نفسه في الهواء الطلق .

شارك في الدورة ( 2407 ) رياضي من بينهم ( 48 ) رياضية من ( 28 ) دولة من بينها خمس دول تشارك للمرة الأولى هي ( مصر ، اليابان ، لوكسمبورج ، البرتغال و صربيا ) مما أضفي علي المنافسات صبغة رياضية عالمية . والدول هى : عن قارة أوروبا : ألمانيا ، النمسا ، بلجيكا ، بوهيميا (تشيكيا) ، الدنمارك ، فنلندا ، فرنسا ، اليونان  المجر ، ايسلندا ، إيطاليا ، لوكسمبورج ، النرويج ، هولندا ، البرتغال بريطانيا ، روسيا ، صربيا ، سويسرا و السويد . وعن الأمريكتين : تشيلي ، كندا ، الولايات المتحدة الأمريكية . وعن آسيا : اليابان ، تركيا ( كانت تشارك ضمن اسيا وقتها ) . وعن إفريقيا : مصر و جنوب أفريقيا . وعن أوقيانيا : استرالاسيا ( تحالف نيوزيلاندا وأستراليا ) .

كانت دورة الألعاب الأولمبية في ستوكهولم (1912) محطة فارقة في التاريخ  العربي الأولمبي حيث شهدت الظهور العربي الأول في الألعاب الأولمبية عن طريق المصري ( أحمد حسنين ) الذي أصبح أول من يرفع علم مصر في تاريخ الأولمبياد وشارك في لعبتي الشيش وسيف المبارزة وخرج من الأدوار التمهيدية ليصبح أول مصري وعربي يدون اسمه فى سجل الدورات الأولمبية .

الرياضات الأساسية والمدرجة والمستبعدة :

ظهرت في هذه الدورة رياضة الخماسي الحديث المبتكر من ( كوبرتان ) بإذن من اللجنة الدولية ويتكون من خمس لعبات هي ، الفروسية ، المبارزة ، السباحة ، الرماية و الجري . وبقرارات من اللجنة غابت عن الدورة لعبات الرجبي ، الجولف ، القوس والنشاب ، وتم شطب الملاكمة لأن القوانين السويدية آنذاك كانت تحرم ممارستها وتم استبعاد رياضة التزلج على الجليد والتى تواجدت فى دورة لندن من قبل المنظمين لأنهم أرادوا الترويج لألعاب الشمال . بالمقابل شهدت الدورة عودة رياضة الفروسية بعد غياب استمر ( 12 )عاماً منذ دورة باريس (1900) ، وكان سباق التحمل للدراجات الهوائية على الطرقات لمسافة 320 كلم (199 ميلا) وهو أطول سباق في جميع أنواع الرياضات في تاريخ الألعاب الأولمبية هو المسابقة الوحيدة غير الرسمية التي أضيفت لجدول المسابقات ليستقر عدد اللعبات فى النهاية على 14 لعبة هى : ألعاب الماء (سباحة ، كرة الماء ، الغطس) ، ألعاب القوى ، الدراجات ، الفروسية ، المبارزة ، كرة القدم ، الجمباز ، الخماسي الحديث ، التجديف ، الإبحار ، الرماية ، كرة المضرب (التنس) ، شد الحبال ،  المصارعة .

شهدت الدورة عدة سمات ومميزات إيجابية عكست مدي النضج التنظيمي التي تميزت به الألعاب الأولمبية في السويد ومنها :

– إصدار صحيفة يومية تغطي الألعاب الأولمبية فقط ليتم نشرها خلال الألعاب باللغتين الإنجليزية والسويدية . وترتيب النقل المجاني لمعدات الدول المشاركة وخصم ( 50%  ) للمنافسين والمندوبين على السكك الحديدية التي تديرها الدولة . وتم استخدام اثني عشر مكانًا رياضيًا في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1912، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام أكثر من مكان واحد لمسابقة كرة القدم . واستخدام الميقاتي نصف الإلكتروني في سباقات ألعاب القوى للمرة الأولى . وتم استعمال مكبر الصوت لأول مرة أيضاً لمخاطبة الجماهير واللاعبين أثناء المنافسات الأمر الذي تم اعتباره طفرة حقيقية وقتها .

شهدت مسابقتي السباحة والغطس فى الدورة مشاركة السيدات لأول مرة أولمبياً ، وشهدت الدورة أيضاً نهاية لظاهرة صلاحيات الدول المستضيفة في اختيار البرنامج الرياضي إذ أصبح الأمر بعهدة اللجنة الاولمبية الدولية نظراُ لكثرة ما كان يحدث من تعديلات على الألعاب . وتميزت الدورة بحضور جماهيري هو الأكبر وقتها عن كل الدورات التي سبقتها وتمثل فى سباقات ألعاب القوى التى شهدت مسابقتها المختلفة حضور لا يقل عن ( 200 ألف ) متفرج .

أبرز نجوم وأبطال دورة الألعاب الأولمبية :

في سباقات الجري السريع حقق العداء الأميركي ( رالف كريج ) أول فوز مزدوج في التاريخ الأولمبي بعد فوزه بسباقي الـ ( 100 و 200 متر ) . وتوج ( أوتو هيرشمان ) رئيس اللجنة الأولمبية النمساوية أنذاك بفضية في المبارزة فى حدث فريد من نوعه كأول رئيس لجنة أولمبية فى بلاده يحصل على ميدالية أولمبية بالتزامن مع وجوده فى منصبه الرسمي . وفى ظهوره الأولمبي الأول فى دورة (1912) نجح السباح الأميركي ( ديوك كاهاناموكو ) أثناء مشاركته في تصفيات سباق الـ100م حرة في معادلة الرقم القياسي العالمي ، وفي النهائي فاز بالذهبية وفاز أيضاً بفضية مع الفريق الأميركي .

شاركت صربيا للمرة الأولى في الألعاب الأولمبية وحقق عداؤها ( دوشان ميلوسيفيتش ) المركز الثالث في تصفيات سباق المئة متر فى حدث تاريخى بالنسبة لبلده . واستطاع العداء الفنلندي ( هانيس كوليماينن ) الفوز بثلاث ميداليات ذهبية في سباقات المسافات الطويلة وكانت انتصاراته بداية للسيطرة الفنلندية في سباقات الجري للمسافات الطويلة وكانت الميدالية الأولى  بسباق ( الـ10 آلاف متر ) بفارق تخطى الـ40 ثانية عن الثاني ، وحقق الثانية بعد نزال غاية في الإثارة في مسافة ( الـ5 آلاف متر ) مسجلاً رقماً عالمياً جديداً قدره ( 14.36.6 ) دقيقة . أما ذهبتيه الثالثة والأخيرة فجاءت في سباق اختراق الضاحية .

وعلى صعيد النتائج الأخرى : تصدرت إيطاليا مسابقة الجمباز بذهبيتين ، و سيطرت فنلندا على المصارعة بحصدها ثلاث ذهبيات من أربع فيما ذهبت الرابعة للسويد ، وتصدرت الولايات المتحدة ذهبيات العاب القوى برصيد ( 16 ) ذهبية أمام فنلندا ( 6 ) ذهبيات والسويد ( 4 ) ذهبيات . و تقاسمت ألمانيا وأسترالاسيا ( تحالف نيوزيلاندا وأستراليا ) والولايات المتحدة وكندا صدارة مسابقة السباحة للفرق بذهبيتين لكل دولة . وفى لعبة المبارزة والتى شهدت الظهور المصري والعربي الأول فى تاريخ الأولمبياد نالت كل من المجر وبلجيكا ذهبيتين لكل منهما ، و إستحوذت فرنسا على مسابقة كرة المضرب (التنس) بثلاث ذهبيات مقابل اثنتين لكل من بريطانيا وجنوب أفريقيا .

شهدت الدورة وقائع ومواقف عدة منها الحزين ومنها الغريب والطريف :

شهد سباق الماراتون حادثاً مأساويا بعد أن إنهار العداء البرتغالي ( فرانسيسكو لازارو ) في الكيلومتر الثلاثين متأثرا بدرجة الطقس العالية وأشعة الشمس فتم نقله إلى المستشفى حيث فارق الحياة .

إستمر نزال المصارعين ( الروسي مارتن كليت والفنلندي ألفرد أسيكاينن ) فى نصف نهائي الوزن المتوسط لمدة ( 11 ساعة ) والذي يعتبر الأطول أولمبياً على مدى التاريخ الحديث ، ولم يكن النزال متواصلاً بل كان يتوقف كل ثلاثين دقيقة للاستراحة وقد إستطاع الروسي حسمه في النهاية .

واقعة غريبة بطلها أسطورة الدورة الأميركي ذو الجذور الهندية ( جيم ثورب ) الذي نجح بما امتلكه من قدرات بدنية من الفوز بذهبية الخماسي وأتبعها بذهبية ثانية فى مسابقة العشاري وبفارق هائل عن صاحبي المركزين الثانى فى كل مسابقة محطما كل الأرقام العالمية التى تحققت من قبل فى تلك الرياضتين  لكن فرحته لم تستمر طويلا فبعد سبعة أشهر فقط تم إستبعاد إسمه نهائيا من سجل الألعاب الأولمبية وسحبت منه الميداليتان الذهبيتان بعد أن تم إكتشاف أنه تقاضى ( 60 دولار ) شهريا مقابل لعب البيسبول فى ولاية كارولينا كمحترف وهو مايتعارض مع المبادئ الأولمبية آنذاك والتى تنادي بالهواية الخالصة بدون أي مقابل مالى وباتت واقعة ( ثورب ) هى الأولى في الألعاب الأولمبية . وبعد 70 عاما من تلك الواقعة قررت اللجنة الأولمبية الدولية فى شباط ( عام 1982 ) إعادة الميداليتين الذهبتين إلى  ( جيم ثورب ) الذي توفى عام 1953، وقام ( سمارانش ) رئيس اللجنة آنذاك بتسليمها لأولاده وأحفاده كنوع من رد الإعتبار والاعتراف أيضا بمدى الظلم الذى تعرض له هذا البطل ليعود إسمه مرة أخرى إلى سجلات الألعاب الأولمبية .

حصاد كرة القدم فى دورة الألعاب الأولمبية :

شارك في منافسات كرة القدم ( 11 ) منتخباً جميعها من أوروبا هي منتخبات : بريطانيا ، إيطاليا ، ألمانيا ، النمسا ، السويد ، هولندا ، روسيا ، المجر ، النرويج ، فنلندا و الدانمارك ، وجرت المباريات في 3 ملاعب مختلفة بين ( 29 يونيو و5 يوليو ) اثنان منها تقع خارج ستوكهولم التي استضافت أربع مباريات من بينها المباراة النهائية التي جمعت بين بريطانيا والدنمارك، وانتهت لصالح الأولى( 4-2 ) أمام 25 ألف متفرج فيما نالت هولندا البرونزية بفوزها على فنلندا ( 9-0 ) .

وفي واقعة غريبة سحق منتخب ألمانيا نظيره الروسي بنتيجة 16-0 فى دورة الترضية التى أقيمت لتحديد المراكز من بعد الثالث والتى كانت نتيجة قاسية لدرجة أن قيصر روسيا فى ذلك الوقت غضب كثيراً ورفض دفع تذاكر العودة للاعبي المنتخب .

وفي ترتيب الميداليات حصلت الولايات المتحدة الأميركية على (25 ذهبية و19فضية و19برونزية ) أمام السويد التي حصلت على (24 ذهبية و24 فضية و17 برونزية ) و بريطانيا  ثالثة بـ (10 ذهبيات   و 15 فضية و16 فضية ) وفنلندا رابعة بـ (9 ذهبية و8 فضية و9 برونزية ) وفرنسا خامسة بـ (7  ذهبيات و4 فضيات و3 برونزيات ) .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى