ظاهرة الطفولة المهمشة في العراق وسبل علاجها
الدكتورة رجاء مراد الشاوي
رئيس لجنة العلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
إن تردي الأوضاع الأجتماعية والسياسية والأقتصادية والأمنية التي مر بها المجتمع العراقي وبعد الإحتلال الأمريكي أفرزت العديد من المشكلات ومن ضمنها حالات التشرد وزادت من إنتشارها وإنتشار ظاهرة التسول بين الأحداث وكذلك زيادة عدد الأرامل والأطفال هم الضحية في نزاعات اليوم حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أكثر من 22 مليون طفل في العالم شردوا داخل أو خارج أوطانهم ,غالبية هؤلاء الاطفال من
(الأيتام – أطفال الشوارع – المعوقين – الأطفال الذين يعانون من أمراض متعددة ) وغير ذلك من العلل ..
إن السنوات التي اعقبت الإحتلال الأمريكي أدت الى تفكك البنى والوظائف والعلاقات القيمية للمجتمع بعد ان تعرض العراقيون بسبب الأزمات التي مرت عليهم (الحروب – الحصار– الإحتلال) الى ضغوط نفسية متواصلة أدت إلى تراكم كثير من المشكلات منها العنف الذي يتعرض إليه العراقيين من كل الفئات إضافة الى المشكلات الأقتصادية التي تظهر في البطالة والفقروضعف الاداء الحكومي وفساده وغياب الشعور بالأمان نتيجة الوضع الأمني المتدهور.
وأبرز هذه المشكلات التي نجمت عن الإحتلال الأمريكي إرتفاع نسب الفئات المهمشة (الأرامل-الأيتام-المعوقين-وغيرهم) وكذلك التهجير القسري لمئات الآف من العوائل داخل العراق وخارجه وتفجير المنازل وضعف المؤسسات الحكومية في معالجة هذه المشكلات وكذلك نسبة تسرب الطلاب المرتفعة من المدارس والتي تؤدي الى زيادة في ظاهرة الإنحراف والجريمة وكذلك تردي الوضع البيئي وإستمرار إحتكار بعض الخدمات والسلع والوقود وإشاعة المخالفة لمعيار المسؤولية الإجتماعية وكذلك تدهور أحوال المدن العراقية وليس العاصمة بغداد فقط من جميع النواحي وظهور العشوائيات التي شوهت معالم المدن وخاصة العاصمة بغداد كل هذا يشكل تهديدا خطيراً للأمن الإنساني وتزايد للمشكلات وعدم وجود الإرادة الحقيقية وكذلك الأدوات للتعامل مع هذه المشكلات الإجتماعية التي تشكل الخطر الحقيقي لإنهيار المجتمع.
إن السبب الجوهري في كل هذه المشكلات هو الإحتلال الأمريكي اولاً لتردي أوضاع العراق غير الطبيعية وتراجع دور الدولة مما أدى إلى زيادة ظهور حالات الإغتراب والتفكك الأسري والفقر وإنتشار الأمراض بسبب ظهور الأحياء العشوائية التي يأتي إليها الأفراد القادمين يومياً وأصبحت هذه العشوائيات بؤراً للكثير من المشكلات الإجتماعية التي تهدد الوضع المستقبلي للعراق وكذلك لها آثار سلبية على نسيجه الإجتماعي , ولم تنهض الدولة بدورها في تعزيز بنية الأسرة وبدأت تظهر أنماط أسرية غريبة منها غياب الأب اما قتلاً أو خطفاً أو عوقا بإنفجار أو سجناً وكذلك وفاة الأم مما ساعد في ظهور هذه الأنماط الأسرية الغريبة التي أصبحت في كثير من الأحيان الأسرة مكونة من الأم وأبنائها فقط والأسرة التي لم يبقى منها سوى الأبناء لوفاة الوالدين نتيجة للظروف غيرالأمنية التي يمربها المجتمع كذلك زيادة حالات الطلاق والهجر في العوائل نتيجة لظروف غير طبيعية يمر بها الفرد العراقي , وتبقى الطفولة هي المتضررة الأول في كل هذه المشكلات والضرر لا يمكن لمسه إلا بعد مرور وقت طويل وبإزدياده والتهاون في إتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة هذه المخاطر قد يؤدي بالبلاد إلى إنهيار كامل في المنظومة الإنسانية وبالتالي ينعكس على كل مفاصل المجتمع لإن هؤلاء الأطفال هم صانعي الغد ويشكلون نصف السكان كما انها اكثر الفئات فقراً نتيجة للأوضاع المتردية في المجتمع وحيث ان الطفولة تعتبر هي الأساس في عمليات الإستثمار في رأسمال البشرية والتي من خلالها يتمكن المجتمع من التقليل من حالات الفقر والتهميش الذي تعاني منه هذه الشريحة , لأنهم الحجر الأساس في أي عملية تنموية ووضع الإستراتيجيات لبناء المجتمع لأن العراق واجه ظروف إستثنائية كثيرة كالحروب والنزاعات والعنف لعقود من الزمن أدت إلى تدهور أحوال معيشة العراقيين عموماً وإرتفاع نسبة الفئات المهمشة وهذا بدوره يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة جداً في المجتمع , وكان التهجير القسري داخل وخارج العراق من أخطر النتائج التي ظهرت في العراق بسبب هذه النزاعات إلى جانب عدم وجود سياسات واضحة ومدروسة بشكل جيد لعدم وجود الكفاءات اللازمة لدراسة مثل هذه الأمور ووضع الحلول لها لأن هذه المشكلات مكان لها أكبر الأثر في تدهور البنى المجتمعية ووظائفها .
إن دراسة حالة الأطفال المهمشون ضرورية لأن المنظمات الدولية ومنها اليونيسف أكدت في دراسات لها على أن عدد الأيتام في العراق أكثر من
( 5 ملايين و 700 ألف طفل ) حتى عام 2006 م فما بالك إلى ما بعد هذا التاريخ ونحن في نهايات عام 2014.
إن الأوضاع التي يمر بها العراق جعلت الكبار والصغار يعيشوا في نفس الظروف التي تتمثل بالقتل والخطف والتهجير والتشرد والفقر علاوة على انتهاك حرمة الدور أمام أعين ساكينيها وتفتيشها وسرقتها وكذلك إقتياد الرجال منهم تحت تهديد السلاح والنساء في بعض الأحيان أمام أعين الأطفال مما يترتب عليه شعور الخوف والمهانة والإذلال والألم لما يحصل أمامهم فتتراكم مشاعر الحقد والغضب في صدور هؤلاء الأبناء لعدم معرفتهم أسباب هذا الهجوم على دورهم وإعتقال الوالدين تحت التهديد وبالتالي لا يعلمون مصيرهم ولا أي جهة إلي قامت بإعتقالهم ولا كيفية الإتصال بهم مما يجعل الأطفال يعيشون حالة من الخوف والضياع علاوة على خطفهم من المدارس بسبب الفدية … وقد قامت عدة دراسات ميدانية داخل العراق وخارجه لحال هذه الشريحة أظهرت إنعدام الأمن هو التهديد الرئيسي لحياة الأطفال إضافة إلى الإنفصال عن العائلة بسبب الهجرة أو وفاة الوالدين .. إن عدم الإهتمام بهذه الشريحة قد يؤدي إلى إرتفاع الكلفة الإجتماعية في المستقبل وقد يؤدي الى زيادة حالات العنف وإنتهاك القانون لأن الأطفال الذين ينشأون خارج الجو الأسري الأمن يكونون خارج عملية التكامل والإندماج في مواجهة العقبات والضغوط الأجتماعية في ممارساتهم السلوكية وعدم تمكنهم من تقدير أين تكمن مصلحتهم في إطار المجتمع من النواحي السياسية والإقتصادية وهذا يؤدي إلى تشكيل عصابات أو مجاميع مسلحة في المدن أسوة بالأخرين الذين يشاهدونهم في المجتمع يمارسون مثل هذه السلوكيات أما في الأرياف فقد يشكلون عصابات قطاع طرق لإنها الوسيلة الوحيدة للتنفيس عما يكمن في صدورهم من غضب وألم مما يحدث لعوائلهم .. وتبقى هذه الشريحة وخاصة أطفال الأسر الفقيرة من الأيتام أو المشردين داخل الوطن الذي يعيشون تشرد في المباني المهجرة إضافة إلى تعرضهم إلى خطر الأسلحة التي تمتلكها أسرهم للدفاع عن نفسها ضد إنتهاك حريتها بسبب إنعدام الأمن .
ولإجل الإهتمام بالأطفال المهمشون الذين أصبحوا يشكلون شريحة كبيرة في المجتمع نتيجة للظروف الأمنية والإقتصادية فيجب وضع سياسات تنموية مجتمعية خاصة ان العراق له من الإمكانيات المادية الكبيرة التي تذهب سدى بسبب الفساد والرشوة وغير ذلك من أمور أدت إلى تردي الأوضاع في المجتمع وبدورها إنعكست على وضع العائلة عموما والأطفال بصورة خاصة فيما إذا اخذنا بنظرالإعتبار أن هناك حوالي 3-4 مليون طفل يتيم ومشرد وعليه فإن السياسة التنموية يجب أن تعتمد على :
- الإهتمام بالأطفال عن طريق وضع سياسات وبرامج خاصة للنهوض بواقع الفئات المهمشة من النواحي الإقتصادية والإجتماعية خاصة الأطفال الأيتام والمشردين وكذلك المتواجدين في المؤسسات الحكومية التي أصبحت مؤسسات للإتجار بهؤلاء الأطفال وممارسة الدعارة فيها .
- إتاحة فرص التعليم لجميع الأطفال .
- رفع دخل الأسر الفقيرة والمهمشة .
- العناية بجميع الأطفال لإنهم القاعدة الأساسية للتنمية البشرية وللنهوض بالمجتمع .
إن أهم خطوة في معالجة هذه الظاهرة هي معالجة الأسباب الحقيقية لها وهي مساعدة الأسر في تلبية إحتياجاتها من دون إعتمادها على عمل الأطفال في هذه الأسر وإدخال مادة ثقافة الطفل في المناهج التعليمية وإعطاء النصح في الامتناع عن العمل وهو طفل . إما في حالة حاجة الأسرة الى مصدر اساسي في معيشتها , على الدولة والمؤسسات ان تقوم بتوفير ذلك وليس الطفل . يجب أن تكون الدولة صارمة في منع الطفل من العمل. وهذا يتطلب وعيا متكاملاً من قبل القيادات في السلطة والتي لا أظن أنها تمتلك هذا البعد لأهمية هذه الشريحة لأنها فئة جائت للتخريب والتدمير وليس للبناء وهذا مما أدى إلى أن يظهر العراق في هذا الوضع المتردي الذي لا يشبه حتى أفقر دول العالم رغم ما يمتلكه من إمكانيات مادية وموارد متعددة ولكن السياسات الخاطئة والقائمين عليها هم أسباب هذه الكارثة التي حلت بالعراق وكلها نتائج لهذا الإحتلال الأمريكي الغاشم الذي كان همه في الدرجة الأولى تفكيك المجتمع وسلب ثرواته وهو ما حصل فعلاً على أيدي عملائه الأميين وغير الكفوئين في كل مجالات المجتمع السياسية والإقتصادية والإجتماعية ..
ولعلاج هذه الشريحة نجد أن بعض من هذه المقترحات قد تساعد في المعالجة :
- معالجة ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس بالوسائل المشجعة .
- خلق وإيجاد صيغة تعليمية ارشادية علمية تعمم في كل مدارس العراق وعلى يد مختصيين وكذلك استخدام مؤسسة الشرطة بارسال احد الضباط المختصين بأعطاء ساعة يوميا لطلاب المدارس وطالباته عن سلبيات التشرد وعواقبه على الفرد والأسرة ومنها سيكون صيدا ثمينا للعصابات التى يمكن ان تقتله وتتاجر باعضائه أو يكون عرضة لعصابات السرقة وتهريب المخدرات او تفخيخه لعمليات انتحارية وماشابه.وكذلك وضع اسماء وخارطة المخدرات التى يمكن ان يغوى المراهق بها (لأعمار المراهقين من 12 الى 16) وارشادهم في كيفية المنع عن اخذها.
- تنشيط دور المدارس في إستيعاب وقت الاطفال في إقامة انشطة غير مدرسية وإقامة دورات علمية للتقليل من تواجدهم خارج المدرسة .
- فتح مكاتب متخصصة مهمتها تمكين الأحداث العاطلين عن العمل من خلال تدريبهم وتعليمهم المهنة التي تحفظ كرامتهم وتلبي حاجاتهم المادية وتشبع رغباتهم.
- زيادة أعداد الأخصائيين الإجتماعيين والنفسانيين والتربويين في المدارس ودور الدولة لمعالجة مشاكل الأحداث .
- فتح مراكز تأهيل للقائمين على تدريس وتعليم الأطفال وكذلك مراكز تأهيل للمختصين برعاية ومعالجة الأطفال .. من أجل خلق علاقة صحية متكاملة بين المختص والمعلم والطفل والأسرة.. وهناك الكثير من لديهم الخبرة في هذا المجال .
- تفعيل القوانين والتشريعات التي تكفل حقوق الطفل ولا تسمح باستغلاله ومعاقبة المخالفين .
- تكاتف الوزارات كافة التي لها علاقة بالأطفال والأحداث مع وزارة العمل والشؤوون الإجتماعية الى تفعيل دورها في حملات جمع الأطفال والأحداث وتطبيق القوانين في محاسبة أولياء أمورهم .
- وضع مراكز لرعاية أطفال النساء السجينات لأسباب جنائية وعدم السماح بأبقاء هؤلاء الأطفال مع امهاتهم في السجن. وهذه المراكز يجب ان تكون على مستوى عالي في تعيين المختصين بهذا المجال كاختصاصي في السجون وتأثيرها على عقل الأنسان وخاصة الطفل. ومختصي في الصحة النفسية والأجتماعية .
وأخيراً وليس آخراً نقول ان هناك مشكلات كثيرة في المجتمع ولكننا ركزنا على هذه الشريحة لأننا نعتبرها الأساس في عملية تنمية أي مجتمع وهدفنا النهوض بالمجتمع العراقي رغم أن وجود مشكلة الأرامل وتزايد أعدادهم يشكل أيضا مشكلة في المجتمع وسوف نقوم بدراستها متى ما توفرت لنا الإحصاءات الرسمية لهذه الشريحة.