الحرب الاسرائيلية – الفلسطينية (رؤية سياسية)
ا.د هاني الحديثي
عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
أستاذ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
ارجو ملاحظة ان اعتماد العنوان اعلاه يأتي من واقع التخلي العربي عن واقع ( الصراع العربي – الاسرائيلي) وتحويله الى (صراع فلسطيني – اسرائيلي) ، وفي ضوء مناقشات عديدة في الموقف الراهن في الحرب وخاصة في التوظيف السياسي للقانون الدولي ، وهشاشة الموقف العربي ازاء قضية مصيرية، اجد من المهم تسليط الضوء على مسألتين مهمتين :
المسألة الاولى : القانون الدولي وهي المتعلقة بمدى الاخذ بالاعتبار من قبل صناع القرار بأحكام القانون الدولي واتفاقيات جنيف واللائحة الدولية لحقوق الانسان وهي المعتمدة نظريا من قبل المحكمة الجنائية الدولية وفق ميثاقها وخاصة منها موضوع جرائم الحرب والابادات الجماعية .
لقد سارعت المحكمة الجنائية الدولية المدعومة من الامم المتحدة ( الولايات المتحدة) بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي بوتين 17مارس .2023 بشان مزاعم جرائم حرب متعلقة (بترحيل) أطفال , ونقلهم بصورة غير قانونية من أوكرانيا الى داخل الاراضي الروسية . وصارت هذه ( القضية) جريمة حرب تعاضدت عليها جميع قوى الناتو لإيقاع اشد العقوبات على روسيا الاتحادية تحت ذريعة (الغزو الروسي لاوكرانيا) , بل ان كتابا ومفكرين واكاديميين عرب سخروا طاقاتهم العلمية والفكرية والحقوقية الى جانب الحرب الاعلامية للولايات المتحدة وحلفائها لإدامة زخم ادانة روسيا الدولة دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي , وكأن القانون الدولي ومواثيقه صار هو الاساس الفعلي في القرارات الاممية تأمينا لتحقيق السلام والامن الدوليين واحترام القانون الدولي الانساني.
الان ومنذ السابع من نوفمبر _ تشرين ثاني واسرائيل المدعومة بقوة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو ترتكب مجازر ابادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني , راح ضحيتها حتى الان ما يقرب من اربعة الاف طفل فلسطيني ضمن قائمة تضم قائمة تقرب من عشرة الاف شهيد اغلبهم من النساء والشيوخ ولم نجد المحكمة الجنائية الدولية تحرك ساكنا .
السبب واضح ويكمن في ان زعماء الغرب ومنهم الرئيس الامريكي بايدن و رئيس وزراء بريطانيا يؤكدون ان استمرار الحرب الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة هو امر ضروري ولابد منه وحق لإسرائيل في ( حق الدفاع عن النفس) متناسين ومتغافلين عما نص عليه ميثاق الامم المتحدة في ان هذا الحق الممنوح للدول ينبغي ان لا يتجاوز اعتماد اجراءات احترازية تتناسب والفعل (العدائي ) ولا تتجاوزه لحين انعقاد مجلس الامن الدولي , قصد اعتماد الاجراءات المناسبة لإعادة الوضع الى نصابه. علما ان اعادة الوضع الى نصابه الطبيعي وفق قرارات الامم المتحدة ومنها القرار 242 لعام 1967 ، هو انسحاب اسرائيل من جميع الاراضي التي احتلتها في عدوانها في الخامس من حزيران ذلك العام والعودة الى حدود الرابع من حزيران .
بعد هذه المقارنة والازدواجية في المعايير المعتمدة من قبل الامم المتحدة في اتخاذ المواقف اتجاه الازمات الدولية ومنها غزو احتلال العراق وليبيا وافغانستان تحت ذرائع ثبت زيفها من قبل ذات قوى العدوان الامريكي – الغربي , والتدخل الاحتلالي في سوريا واليمن ,هل ضل هناك شك في ان الامم المتحدة والقانون الدولي لم تعد قائمة على اساس العدل والانصاف , وان على العرب ان يبحثوا عن مصالحهم عبر الاصطفاف مع من يقف الى جانب قضاياهم وهي مصالح متبادلة حتما مع تلك القوى والدول بعيدا عن كذبة القانون الدولي الانساني وشريعة الغاب الدولية ؟؟؟
أن هذه الحقيقة تفرض علينا اعادة النظر في مواقف خاطئة اعتمدت اتجاه اطراف ازمات وحروب حصلت منها حرب (روسيا – الناتو) على الاراضي الاوكرانية ، والتي شهدت التعلق بأهداب القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة في تفسير العملية العسكرية الروسية الوقائية على الاراضي الاوكرانية ، وهي ذات الدعاية التي استخدمت في تدمير واحتلال دول مثل افغانستان والعراق وليبيا وسوريا على سبيل المثال لا الحصر .
المسألة الثانية : الموقف الرسمي العربي
شهدت عدد من بلدان العالم العربي الفترة القريبة الماضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل فضلا عما تم تحقيقه من اتفاقيات ومعاهدات سابقة بدءا من اتفاقية كامب ديفيد وصولا الى ما تم عقده عقد التسعينات من القرن الماضي اثر جريمة العدوان على العراق تحت ذريعة تحرير الكويت ونزع مخالبه في حرب 1991م وكان من نتائجها الكارثية وتداعياتها المرة اتفاقيتي أوسلو و عربة مع الاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية .
افضت هذه الاتفاقيات والمعاهدات الى تغلغل اسرائيلي في اقتصاديات عدد من بلدان العالم العربي مقابل تنازلات مهينة على حساب الحقوق في فلسطين خلافا لما رفع من شعارات في قمم البلدان العربية ومنها قمة بيروت عام 1982م تحت يافطة ( الارض مقابل السلام) فلا حقوق لفلسطين حفظت ، ولا سلام مع العرب انجز بدليل ما تشهده الساحة العربية من غياب للاستقرار والسلام واستمرار قرض الارض والامن من قبل اسرائيل عبر العديد من المشاريع الاستراتيجية واخطرها مشروع ( صفقة القرن ) حيث الاعتراف بالقدس من قبل الادارة الامريكية عاصمة ابدية لإسرائيل ، وبدء مرحلة التهجير للشعب الفلسطيني من غزة والضفة الغربية امام واقع التوسع ببناء المستعمرات الاستيطانية داخل الارض المحتلة بعد عام 1967م والتي اقتطعت منها نسبة 75% حتى الان خلافا لجميع القرارات والمواثيق الاممية .
وبدلا من استخدام التطبيع لإقناع اسرائيل بتحقيق السلام ضمن مبدأ الدولتين وفق ما طرح في مؤتمرات القمم العربية وقرارات مجلس الامن الدولي , فان الدول العربية المطبعة انتهجت سلوكا يفضي الى خدمة مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي هو مشروع اسرائيلي بامتياز تكون فيه اسرائيل القوة الاقليمية الكبرى ضمن المحيط العربي ,وليس اخرا الذهاب الى تطبيق مشروع الخط الاستراتيجي الذي يربط الهند بميناء حيفا عبر دول الخليج العربي ونحو العالم الغربي .
السؤال الى هذه الانظمة في البلدان ( العربية ) : اليس هذا هو مضمون صفقة القرن على حساب العالم العربي ولصالح اسرائيل؟
في ضوء ما تقدم وغيره من متغيرات وفواعل اقليمية و دولية ,فان النظام الرسمي العربي ومنظمته الاقليمية المتمثلة بجامعة الدول العربية تعلن عبر الموقف المتخاذل المعتمد حتى الان عن الفشل في التصدي لقضايا الامة بل والمشاركة في ضياع حقوقها المشروعة ، وبالتالي فأنها ليست المؤهلة لتحقيق مشروع النهضة العربية , و ستكون في حال اختبار صعب لمستقبل العالم العربي .
تأسيسا على ما تقدم ، فان العالم العربي قبل السابع من اكتوبر 2023 يبدو لدى الكثيرين غيره ما بعد هذا التاريخ سلبا او ايجابا حسب ما ستفرزه نتائج الحرب القائمة وتداعياتها اقليميا و دوليا .
لقد سبق في مقال لنا منشور على منصة منتدى النخب والكفاءات العراقية و افترضنا ثلاثة سيناريوهات أو احتمالات للموقف ، بين البقاء على ما هو عليه وتعاظم نسبة التطبيع مع اسرائيل على حساب الحق العربي في فلسطين ومستقبل العالم العربي لصالح مشروع صفقة القرن ، او تطورات جوهرية تشهد تدخلات دولية تفضي الى حرب عالمية يصطرع فيها الغرب مع الشرق على الارض العربية و الشرق اوسطية وفق ما توقعه هنري كيسنجر قبل عقد من الزمان ، او اكتساح ايراني للنفوذ وخاصة في مشرق الوطن العربي ليتحقق لاحقا اعادة تقاسم النفوذ بين قوى دولية واقليمية لن يكون فيه للعرب حصة ضمن لعبة الفاعلين اقليميا و دوليا وهو الاحتمال الذي يبدو اقرب للواقع بفعل تخادم المصالح والاستراتيجيات رغم تباين المقاصد المعلنة .
ويبقى احتمال لا غالب ولا مغلوب في هذا الصراع الدموي قائما ، والذي يمكن ان ينتج اتجاهات عالمية و إقليمية اذا ما اقتضت المصالح المشتركة بينها ، نحو اقامة مشروع الدولتين على ارض فلسطين ، وهو المشروع الذي لا يمكن ان يرى النور دون تحقق التوازن في عناصر وقوى الصراع القائم .
بيد أن الحقيقة التي يفرضها الواقع فرضا ان مصير الغرب ومصالحه الاستراتيجية في الشرق الاوسط وما يترتب عليها من تأثيرات في التنافس على الهيمنة الدولية ، يتوقف على ديمومة وتدعيم الدور الاسرائيلي كقوة اقليمية كبرى ، وهو الامر الذي اكدته الادارة الامريكية وحلفائها في الناتو وخاصة الحلف الانكلو- سكسوني أساس بناء هذا الكيان الايديولوجي و الاستراتيجي , وبناءا عليه فان اي اعتقاد يقوم على فرضية امكانية تحقيق تعاون استراتيجي عربي مع قوى الانكلو – سكسون لصالح مستقبل عربي واعد ، ان هو الا خيال سطحي يجد مساحته في عقول المطبعين للعلاقات مع اسرائيل دون شروط مسبقة ،أو في عقول المتأثرين بنمط العقل الغربي الذي يقتصر في حسابات المصالح للغرب وحسب ، ولو ادى ذلك الى سحق شعوب بأكملها ، وهو ما شهدناه او اطلعنا عليه او ما نشهده في تاريخ العلاقات بين الغرب وشعوب العالم الاخرى .