اللجنة القانونية

القانون المدني العراقي، الصياغة والتطبيق

المستشار سعيد النعمان

عضو اللجنة القانونية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

أن المُطلع على مواد القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وبالتحديد المواد من (1 إلى 8) سيجد أن صياغتها أتسمت بطابع المرونة العالية والوضوح عند التطبيق ومنحت للقاضي والفقيه وغيره عند تطبيق القانون الحرية في الاجتهاد القضائي الواسع والعميق في اختيار التكيف القانوني المناسب للدعوى المنظورة أمامه والرأي الصحيح. وتعد هذه المواد أبواب مفتوحة واختيارات لتطبيق بقية المواد التي بلغت (1383) وعددا من الفقرات التي لأتعد ولا تحصى التي وردت في هذا القانون الرصين والمرن الذي واكب المتغيرات التي حدثت داخل  أنشطة المجتمع.

لقد مضى على تشريع القانون وبداية تنفيذه قرابة (72) عاما مع تعديلات محدودة جدا في ظل تعاقب واختلاف طبيعة الأنظمة السياسية التي حكمت العراق. وكان من المؤمل أجراء ثلاثة تعديلات معلقة منذ 2023 بانتظار المراجعة من قبل مجلس النواب  لترى النور بعد حين. وألان لنرى ماذا تضمنت هذه المواد:

المادة 1

1 –  تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.

2 ـ فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة.

3 ـ وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالإحكام التي اقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية.

أن التدرج المبهر في صياغة هذه المادة والحرية التي منحت للقاضي والمحامي ومن ينظم المعاملات والحقوقي والإداري والتاجر في تطبيق بقية المواد على وفق هذا السياق ورفع  جميع القيود التي تحد من ممارسة اجتهاداتهم.

 المادة 2

لامساغ للاجتهاد في مورد النص.

وهذه القاعدة الفقهية تعني لايجوز الاجتهاد في حكم مسألة ورد بشأنها نصا صريحا من القران الكريم والسنة النبوية الصحيحة أو الإجماع الصحيح إلا أنه بالإمكان الاجتهاد في فهم شروط تطبيقها وكذلك الاجتهاد خارج نطاق النص كالقياس الذي لايخالف النص.

 المادة 3

ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه.

وتعني هذه القاعدة . جعل الحكم في المقيس مثل الحكم في المقيس عليه بعلة واحدة.

المادة 4

1ـ أذا تعارض المانع والمقتضي قدم المانع.

المقصود بهذه القاعدة أنه في حالة كان للشيء أو العمل محاذير ودوافع تستلزم منعه لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح مثلا يمنع الشريك من التصرف في المال المشترك بصورة تضر شريكه لان حق شريكه مانع وأن كان حق نفسه مقتضبا.

2 ـ أذا زال المانع عاد الممنوع  ولكن الساقط لا يعود.

والمانع هنا أن كل حكم أذا كان جوازه لمانع فإذا زال المانع عاد الممنوع وتعني عدم الجواز . وعلى سبيل المثال أذا كان الحكم محرما لمانع وإذا زال المانع عاد الفعل مباحا أو مندوبا أو واجبا . والساقط من الحقوق لايعود ومعنى ذلك أن ما يقبل السقوط من الحقوق أذا سقط من شيء بمسقط فأنه لا يعود بعد سقوطه . والساقط يحصل بفعل المكلف أو شرعا.

 المادة 5

لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.

وتعني هذه القاعدة الفقهية بأنها ملزمة للفقيه والمفتي والقاضي . وأن في عدم تطبيقها ينتج عنه إيقاع ضرر أو مشقة على الأفراد والمصالح وزيادة في صدور الأحكام المتغيرة . أذا لابد من مراعاة المتغيرات والأخذ بها تحقيقا للعدالة مع عدم الأضرار بالغير وأن من أسباب تغير الزمان تغير العرف والمصلحة وحصول أو حدوث معطيات علمية و ضرورات أو حاجات عامة.

 المادة 6

الجواز الشرعي ينافي الضمان فمن أستعمل  حقه استعمالا جائزا لم يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر.

هذه القاعدة تعني لا يترتب على الشخص ضمان بسبب فعله أوعدم فعله شيئا أذا كان جائزا شرعا الأمر الذي يرفع المسئولية عن الفاعل .ومثال ذلك لو حفر إنسان في ملكه الخاص حفرة وتردى فيها حيوان لغيره فلا يضمنه لان حفره هذا جائز بخلاف لو حفر في الطريق العام لأنه يكون عندئذ متعديا على حق العامة فيضمن الضرر.

 المادة 7

  • من أستعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان.

هذه القاعدة واضحة وتعني يجب الضمان على من أستعمل حقه استعمالا غير مشروع ومفهوم المخالفة من يستعمل حقه استعمالا مشروعا لا يلزمه الضمان.

  • يصبح الاستعمال غير جائز في الأحوال الآتية :
  • أذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الأضرار بالغير.
  • أذا كانت المصالح الذي يرمي هذا الاستعمال تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مطلقا مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
  • أذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة.

 

المادة 8

درء المفاسد أولى من جلب المنافع.

والمراد بدرء المفاسد دفعها ورفعها وأزالتها فإذا تعارضت مفسدة مع مصلحة فدفع المفسدة مقدم على المصلحة في الغالب لأن اعتناء الشرع بترك المنهيات أشد من اعتنائه بفعل المأمورات . ومثال ذلك . الكذب حرام ولكن لإصلاح ذات البين جائزا لأن درء مفسدة الخلاف أولى من جلب الصدق . ويجوز الكذب على الزوجة لإصلاحها.

وللمعلومات لقد تمت صياغة قواعد القانون من قبل لجنة من الفقهاء يرأسهم العلامة المصري عبد الرزاق السنهوري الذي سبق أن ترأس لجنة تشريع القانون المدني المصري في عام 1943 . ويبدو أن القانون المصري أستخدم كنموذج . جرت المصادقة على القانون المدني العراقي في 8 / أيلول / 1951 وأصبح نافذ المفعول في 8 / أيلول / 1953 .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى