نظرية القدر المتيقن في التشريع العراقي
المستشار سعيد النعمان
تعرف نظرية القدر المتيقن ( بأنها فعل جنائي يرتكبه عدة أشخاص دون أن يكون بينهم أتفاق مسبق مع استحالة ثبوت الجريمة لأحد الجناة) ويتفق معظم الفقهاء أن لهذه النظرية شروطا لابد من توافرها كاملة للعمل بها دون غياب أي شرط وهي :
1 ـ وجوب حالة تعدد الجناة .
2 ـ وقوع الجريمة دون أتفاق مسبق .
3 ـ استحالة إسناد الجريمة لأحد الجناة.
4 ـ ثبوت إصابة أو وفاة المجني عليه.
وهذه النظرية يمكن أن تبحث في جريمة القتل بإطلاق النار التي يشترك فيها أكثر من فاعل ويتعذر عل المحقق معرفة الطلقة التي أصابت المجني عليه وأدت إلى وفاته فيسأل الفاعلين عن جريمة الشروع بالقتل بدلا من جريمة القتل العمد وفقا للمادة (31) عقوبات التي نصت على (يعاقب على الشروع في الجنايات والجنح والمخالفات بالعقوبات التالية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك
أ ـ السجن المؤبد إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة الإعدام
ب ـ السجن لمدة لا تزيد على خمس عشرة سنة أذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد
ج ـ السجن مدة لأتزيد على نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة إذا كانت العقوبة السجن المؤقت فإذا كانت العقوبة السجن المؤقت أو اقل فتكون العقوبة عندئذ الحبس لمدة لا تزيد على نصف مدة الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة
د ـ الحبس أو الغرامة التي لأتزيد على نصف الحد الأقصى لعقوبة الحبس أو الغرامة المقررة للجريمة أذا كانت العقوبة المقررة للجريمة الحبس أو الغرامة).
ويلاحظ أن الاجتهاد من قبل القضاء في تطبيق هذه النظرية في قانون العقوبات النافذ نادرا ما يحصل إلا في النزاعات العشائرية أو أطلاق النار عشوائيا في الاحتفالات والمناسبات التي كثرت بعد توفر السلاح المنفلت في غياب السلطة في تطبيق القانون على مرتكبي هذه الجريمة . ويلاحظ أن مبدأ الشرعية الجزائية يلزم القاضي الجنائي العراقي التقيد بالنصوص ولا يسمح له بالاجتهاد أو القياس أو التفسير في أطار مبدأ التجريم والعقاب . وعليه الالتزام التام بنص المادة ( 19 / ثانيا) من دستور 2005 التي نصت على ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ولا عقوبة ألا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة) وكذلك نص المادة (1) من قانون العقوبات النافذ التي نصت على (لا عقاب على فعل أو امتناع الأبناء على قانون ينص على تجريمه وقت ارتكابه ولا يجوز توقيع عقوبات أو تدابير احترازية ما لم ينص عليها القانون) ألا أنه قد تحصل جرائم ويتعذر أثبات نية القتل العمد فتلجأ المحكمة إلى عقوبة الضرب المفضي إلى الموت استنادا إلى نص المادة ( 410) عقوبات بدلا من الفتل العمد المادة ( 405) عقوبات القتل العمد تطبيقا لنظرية القدر المتيقن . فعلى سبيل المثال عندما يقوم اثنان بإطلاق النار على المجني عليه ويتعذر على المحكمة معرفة من أصابت أطلاقته المجني عليه فتلجأ المحكمة إلى تطبيق نظرية القدر المتيقن فتصدر حكمها بإدانتهما معا وتعتبر فعلهما شروعا بالقتل .
وهناك أكثر من قرار قضائي في حالة تعذر معرفة ضربة أي من المتهمين أفضت إلى موت المجني عليه منها ( بأن محكمة الجنايات كانت على صواب في تطبيق المادة ( 405/31 ) واعتبار أن فعل كل منهما شروعا بقتل المجني عليه) وفي قرار أخر ( لا تطبق نظرية القدر المتيقن إلا عند انتفاء ركن من أركان الاشتراك) وفي حكم لمحكمة تمييز كردستان المرقم 104 لسنة 1998 الذي نص على ( في حالة قيام أكثر من شخص بالاعتداء المميت على شخص دون أتفاق أو اشتراك بينهم ودون ثبوت فعل أي منهم أدى إلى النتيجة الجرمية وموت المجني عليه فأنه لا يجوز في هذه الحالة إدانة كل منهم عن جريمة القتل بل يتعين أدانتهم وفق جريمة الشروع بالقتل) كما أن هذه النظرية أذا ما توفرت شروطها كاملة . فلابد من البحث والتحري عن النصوص التي يجب مراعاتها عند تطبيقها وفرض العقوبة ومنها 1ـ أن هناك معايير للتمييز بين الفاعل والشريك 2ـ عدم إسناد الجريمة لأحد الجناة 3ـ قاعدة معاقبة الشريك بعقوبة الفاعل 4 ـ تعدد الجناة والظروف المخففة والأعذار القانونية وتأثيرها على العقوبة 5ـ توفر الأركان الخاصة لبعض الجرائم 6 ـ تطبيق بعض أسباب الإباحة ـ قاعدة الشك يفسر لصالح المتهم 8 ـ حق الدفاع الشرعي .
عددا من التشريعات التي أخذت بنظرية القدر المتيقن
أن كثيرا من التشريعات الجزائية قد وضعت نصوصا قانونية تضمنت نظرية القدر المتيقن في حالة تعذر دور كل من الفاعل والشريك ومنها المشرع الايطالي الذي أورد نصا في المادة (378) من قانون العقوبات لسنة 1889م ( على أنه في مثل هذه الحالة التي يصعب التمييز فيها بين الفاعل والشريك في جرائم القتل والضرب المفضي إلى الموت والعاهة المستديمة , يعاقب جميع المتهمين بعقوبة أقل من العقوبة التي كانت توقع على الفاعل الأصلي لو أنه كان معلوما) إلا أن هذا النظرية ألغيت بعد إلغاء قانون 1930م .
كما إن الثورة الفرنسية التي أرست مبدأ شخصية العقوبة والمسؤولية الجزائية (التي لابد أن يعاقب المتهم بالقدر الذي ساهم في تحقيق السلوك ألأجرامي) كما أن المشرع المصري عالج بعض الجرائم التي تنطبق عليها بعض شروط النظرية في حالتي الجرح والضرب الذي يحصل من شخص واحد أو أكثر ضمن عصبة أو تجمهر يتألف من خمسة أشخاص على الأقل توافقوا على التعدي أو الإيذاء وجعل عقوبة الشريك أخف من عقوبة الفاعل على وفق المادة (243) من قانون العقوبات المصري . في حين عالج المشرع الأردني بنص واضح احتواء هذه النظرية في نص المادة ( 338 ) من قانون العقوبات رقم ( 16 لسنة 1960) (أذا اشترك عدة أشخاص في مشاجرة نجم عنها قتل أوتعطيل عضو أو جرح أو إيذاء احد الناس وتعذر معرفة الفاعل بالذات عوقب كل من أشترك منهم عن الأفعال الإجرائية التي نجم عنها الموت أو تعطيل العضو أو الجرح أو الإيذاء بالعقوبة المقررة قانونا للجريمة المقترفة بعد تخفيضها حتى نصفها ) وكذلك المشرع السوري فقد نص في المادة ( 546 ) عقوبات رقم ( 48 لستة 1949) الأتي ( إذا وقع قتل شخص أو ابذاءه أثناء مشاجرة أشترك فيها جماعة ولم تمكن معرفة الفاعل بالذات عوقب جميع من حاولوا الإيقاع بالمجني عليه بعقوبة الجريمة المقترفة بعد تخفيضها حتى نصفها . وإذا كانت الجريمة تستوجب الإعدام أو الإشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد قضي بالعقاب لأقل من عشر سنوات )
الــــرأي
لقد سبق للقضاء العراقي وأصدر أحكاما بتطبيق هذه النظرية دون وجود سند قانوني بسبب عدم معالجة المشرع هذه الحالات التي أشرنا إليها ويضع نصا تشريعيا لنظرية القدر المتيقن . وأستمر القضاء يأخذ بهذه النظرية تارة ويصرف النظر عنها تارة أخرى وليومنا هذا . ونحن نرى أنه لا بد من صياغة نص تشريعي يتضمن احتواء هذه النظرية لان في عدم وجود مثل هذا النص لا تتحقق العدالة المنشودة وأن تطبيقها بالشكل الاجتهادي يتعارض مع روح العدالة ويتقاطع مع النص الدستوري في أعلاه والمادة (1) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 .