لجنة الصناعة و الطاقة

بدائل استيراد الغاز الإيراني – فوضى التخطيط والتنفيذ

الكهرباء نظام لا يعمل إلا داخل نظام

المهندس طارق الجميلي

عضو لجنة الصناعة والطاقة

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

25-02-2025

تناولت وسائل الأعلام أزمة توريد الغاز الإيراني إلى العراق بعد إخضاع النظام الإيراني إلى حزمة من العقوبات الصارمة من قبل إدارة ترامب.

وليس سرا أن إيران تعاني من أزمة مزمنة في تأمين الطاقة للداخل الإيراني وخاصة في الشتاء حيث يوجد نقص كبير في الغاز المطلوب للتدفئة وتشغيل محطات الكهرباء.

ورغم التنبيه المستمر إلى ضرورة إيجاد مصادر بديلة للغاز الإيراني من قبل الأخصائيين في مجال الطاقة على الصعيد الوطني والدولي استمرت الحكومات المتعاقبة بعد احتلال العراق عام 2003 من التعاقد مع إيران رغم إدراكها بحجم التحديات السياسية والاقتصادية لهذا التوجه.

ترافق ذلك كله سوء التخطيط سواء من قبل وزارة الكهرباء العراقية التي تعتمد في إنتاجها الطاقة الكهربائية على محطات غازية نسبة 60% من الإنتاج الكلي.

رافق ذلك تعاقد وزارة الكهرباء العراقية مع مستثمرين لإنشاء محطات تعتمد على الغاز المستورد من إيران وغير المضمون كما أشرنا سابقا مما أدى إلى خسائر مادية كبيرة وتعويض المستثمرين مبالغ طائلة نتيجة عدم توفير الغاز الذي تعهدوا بتوفيره إلى المستثمرين.

قامت وزارة الكهرباء بالتعاقد مع تركمانستان لتوريد 20,000,000 متر مكعب يوميا عبر خطوط نقل الغاز الإيراني مقابل دفع 20% من قيمة الغاز المستورد إلى إيران لتقع في فخ العقوبات المفروضة على النظام الإيراني مجددا

أما وزارة النفط المسؤولة عن توفير الوقود اللازم لإنتاج الطاقة الكهربائية فقد أخفقت إخفاقا شديدا في وضع خطط منطقية لإيقاف حرق الغاز المصاحب واستثمار حقول الغاز الحر.

ورغم المبالغ الهائلة التي صرفت على إنشاء ميناء الفاو لم يتم التفكير فعليا بناء منصات استقبال الغاز الطبيعي المسال بديلا عن الغاز الإيراني.

أجرى العراق مفاوضات لعدة أسابيع مع مسؤولين قطريين في عام 2022 لشراء محتمل للغاز الطبيعي المسال كجزء من حملة لتنويع مصادر إمداداته، ولم تسفر المحادثات عن أي نتائج بعد أن زادت إيران المورد الأجنبي الوحيد للغاز في العراق كميات الغاز المصدرة في محاولة لتقويض محاولات قطر تزويد العراق بالغاز.

كما جرى استهداف أعمال تطوير حقل غاز خور مور في السليمانية لمنع زيادة إنتاجيته.

إذن من ناحية التخطيط فقد فشلت الحكومات المتعاقبة عن تحقيق أمن الطاقة بشكل عام وأمن الطاقة الكهربائية بشكل خاص.

وسط هذه الفوضى التخطيطية وتحت الضغط الهائل من قبل الإدارات أميركية المتعددة أعلنت الحكومة العراقية نيتها على إيقاف تلقي الغاز الطبيعي من إيران في حلول عام 2028 لعدم استقرار الإمدادات والضرورة للتنويع مصادر الغاز.

وفي اجتماع لمجلس الأعمال العراقي البريطاني في بغداد الاثنين 24-02-2025 أكد وزير النفط حيان عبد الغني إن الوزارة أيد ت بناء منصة بحرية للغاز المسال في ميناء الفاو لاستيراد الغاز.

كما أوضح إن العراق يعتزم بناء محطتين بحريتين للغاز الطبيعي المسال لمعالجة النقص المستمر في إمدادات الكهرباء، إضافة إلى ميناء الفاو سيتم استقبال الغاز المسال في ميناء خور الزبير بالقرب من مركز البصرة النفطي الجنوبي.

(خور الزبير-الرصيف الثاني بمرفأ التحميل)

حيث أوضح الوزير” نحن مستعدون أيضا لبناء محطة بحرية أخرى في خور الزبير لقد قمنا بدعوة الشركات التي أعربت عن اهتمامها بالمشروع لتقديم عطاءات في غضون شهر واحد”

ولنا أن نتخيل فوضى التنفيذ هنا، حيث إنشاء مثل هذه المنصات مكلف جدا ويتطلب دراسات فنية معمقة ولا يمكن بكل الأحوال إنجازها قبل الصيف القادم.

كما أن متطلبات استدامة تجهيز الغاز تفرض وجود خزانات التخصصية لخزن الغاز المسال لفترة عشرة أيام على الأقل.

ترافق ذلك بالمباشرة بإنشاء خط لنقل الغاز من مرفأ خور الزبير إلى نقطة ناظم شط العرب بطول 40 كم وبقطر 42 عقدة وخلال 120 يوم وتمت المباشرة بنقل الأنابيب المطلوبة لتنفيذ الخط من كربلاء إلى البصرة في 15 شباط 2025!

وكما هو معروف فإن متطلبات تنفيذ مثل هذه الخطوط ومنظومات مراقبتها ذات طبيعة خاصة لضمان عدم تسرب الغاز وحماية الخطوط من عمليات التخريب.

إن مواجهة الشعب العراقي بكل هذه الحقائق وبشفافية ووضوح وعدم مكابرة هو الحل الوحيد.

أن تعويض ما يعادل 2000 مقمق يوميا من الغاز الإيراني قبل الصيف مهمة شبه مستحيلة لذا يتطلب تحركا دوليا منسقا للحصول على استثناءات مقابل الاستجابة الجادة لمتطلبات الإدارة الأمريكية للتغيير والتخلص من هيمنة وتحكم إيران بملف الطاقة في العراق.

اما على الصعيد الداخلي ينبغي الانتقال من الحملات الإعلامية الفارغة إلى عمل جدي لضمان أمن الطاقة الكهربائية من خلال توفير مصادر الطاقة الأولية اللازمة لإنتاج الطاقة الكهربائية والإسراع بخطط الطاقات المتجددة والربط الكهربائي مع الدول الجوار لتعويض النقص ولو جزئيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى