القول الصحيح في الألفاظ الرمضانيّة
القول الصحيح في الألفاظ الرمضانيّة
نصير محمد المفرجي
إعلامي وباحث في اللغة العربية
عضو لجنة الثقافة والإعلام في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
في البدء، من المناسب التعريف بأصل كلمة (رمضان) ومعناها. فالرَّمض والرَّمضاء: شدّة الحَرّ، والرَّمض: حرّ الحجارة من شدّة حرّ الشمس.
فلفظ رمضان إذًا مأخوذ من: رمَض الصائم يرمض إذا حرّ جوفه من شدة العطش، والرمضاء شدة الحر، ومنه الحديث: “صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال”.
ورَمَضَت الفِصال؛ أي: تحترق أخفاف الفصال من شدة حرّ الرمل.
والفِصال جمع فَصِيل، وهو ولدُ الناقة، وفيه إشارة إلى مدح الأوَّابين بصلاة الضحى في الوقت الموصوف؛ لأن الحر إذا اشتد عند ارتفاع الشمس تميل النفوس إلى الاستراحة، فيأنس الأوَّابون بذكر الله، وينقطعون عن كل مطلوب سواه.
قال الجوهريّ: شهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء.
قال ابن دريد: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللُّغة القديمة سمَّوها بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحرّ وشدته فسمي به.
وقال ابن السِّكِّيت: “سمي الشهر به لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم في رمضان ليحاربوا بها في شوال قبل دخول الأشهر الحرم”.
وقيل إنما سُمّي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يُحرقها بالأعمال الصالحة من الإرماض وهو الإحراق، ومنه رمضت قدمه من الرمضاء أي احترقت، وأرمضتني الرمضاء أي أحرقتني.
وقيل: لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس.
وحكى الماوردي أن اسمه في الجاهلية ناتق وأنشد للمُفضّل:
وفي ناتقٍ أجْلتْ لدى حومة الوغى
وولّتْ على الأدبار فرسان خَثْعَما
السَّحُور و السُّحُور
قُلْ: تَنَاوَلتُ السَّحُور (بفتح السين).
ولا تَقُلْ: تَنَاوَلتُ السُّحُور (بضمّ السين).
لأنَّ السَّحُورَ: طَعَامُ السَّحَرِ وشَرَابُهُ.
قَالَ ابْنُ الأَثيْرِ: السَّحُورُ بالفَتْحِ اسمُ ما يُتَسَحَّرُ بِهِ من الطَّعَامِ والشَّرَابِ، أمَّا بالضَّمِّ فَهُوَ مَصْدَرُ الفِعْلِ نَفْسَهُ:
سَحَرَ يَسْحَرُ سَحُوْرًا
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَسَحَّروا فَإنَّ في السَّحُوْرِ بَرَكَةً”.
الفَطُور و الفُطُور
قُلْ: تَنَاوَلتُ الفَطُور (بفتح الفاء).
ولا تَقُلْ: تَنَاوَلتُ الفُطُور (بضمّ الفاء).
وقل : هو مُفْطِرٌ في نهار رمضان.
ولا تقل : هو فاطرٌ في نهار رمضان.
لأنّ الفاطِر: اسم من أسماء الله الحسنى، وبه سُمّيت سورة من سور القرآن، ومعناه: الخالق المُوجِد المُبدِع على غير مثال سابق، ومن ذلك قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) فاطر/1، ومنه قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الروم/30.
أمّا فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً: شَقَّه، فانْفَطَر، والفَطْر: الشَّقّ، وجمعه: فُطُور (بضم أوله وثانيه)، وفي التنزيل العزيز: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ) الملك/3، أي: هل ترى في السماوات شقوقًا وصُدوعًا؟!
وأَنشد ثعلب قول الشاعر:
شَقَقْتِ القلبَ ثم ذَرَرْتِ فيه ** هواكِ فَلِيمَ فالتَأَمَ الفُطُورُ
أي: فالتأم ما كان في القلب من شقوق وصدوع.
وأَصل الفَطْر الشق. وفطَّرَه: شقه، وتَفَطَّرَ الشيءُ: تشقق.
أما فَطُـور (بفتح فضم) فهو كل ما يُفطر عليه الصائم من تمر ونحوه، وما يفطر عليه المُفْطر في الصباح.
وهذا الوزن (فَعُول) في الأصل لأسماء الذوات؛ نحو (سَحُور، وبَخُور، ووَقُود، ووَضُوء)، ثم نُقل للمبالغة نحو (غَفور وشَكور ووَدود) فلزِم الإفراد والتذكير إلماحًا إلى أصله الذي نقل منه.
وأما إفطار فمصدر (أفطرَ يُفطِر) أي تناول الفَطُور.
أُهنّئكم بحلول شهر رمضان المبارك
أهلّه الله علينا وعليكم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام
وأعاننا الله وإياكم على صيامه وقيامه
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
وكلّ عام وأنتم بخير.