منوع

عصر الاستكشاف العثماني

بسم الله الرحمن الرحيم

خلاصة كتاب

عصر الاستكشاف العثماني في المحيط الهندي

عرض أ.د محمد مظفر الادهمي

في شهر آب من العام الحالي 2018 و ضمن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت , صدر كتاب جديد بعنوان رياس البحر الهندي.. عصر الاستكشاف العثماني لمؤلفه جانكارلو كازالي استاذ التاريخ في جامعة مينيسوتا الامريكية والذي ترجمه مصطفى قاسم ويكشف هذا الكتاب ولأول مرة ان الاستكشافات الجغرافية في القرن السادس عشر لم تقتصر على الاوربيين وانما كان العثمانيون منافسون لهم في استكشاف المحيط الهندي وجزر الهند الشرقية. ففي العام 1517م عندما غزا السلطان سليم الاول مصر واستولى عليها وطفت لأول مرة سفن العثمانيين على مياه البحر الحمر, اصبحت الامبراطورية العثمانية على اتصال مباشر مع العالم التجاري للمحيط الهندي للمرة الاولى في تاريخها والذي كانت جاهلة به تماما, فطورت أيدولوجيتها التوسعية بإطلاق لقب خليفة المسلمين وخادم الحرمين الشريفين على السلطان العثماني لكسب المسلمين في ذلك العالم الغريب, واهتمت بتطوير صناعة السفن والمدافع ورسم الخرائط , واصبح العثمانيون في العقود التالية اكثر ايغالا في شؤون هذه المنطقة التي كانت مجهولة لهم في السابق , فشكلوا تحديا عسكريا وتجاريا وفكريا للإمبراطورية البرتغالية التي كانت منافسهم الرئيس في السيطرة على طرق التجارة الاسيوية البحرية المربحة .
ويعد هذا الكتاب اول دراسة اعتمدت الوثائق العثمانية والبرتغالية عن ذلك الصراع الذي استمر قرنا من الزمن منذ احتلال العثمانيين لمصر عام 1517 م وحتى خروجهم من اليمن عام 1636م, والذي امتد جغرافيا من البحر المتوسط الى مضيق ملقا , ومن داخل أفريقيا الى سهول آسيا الوسطى . وهو يقدم ايضا صورة غير مسبوقة للامتداد العالمي للامبراطورية العثمانية خلال القرن السادس عشر , وذلك من خلال سرد مثير لحياة السلاطين والصدور الاعظمين وولاة وجواسيس ورياس بحر ومرتزقة ونساء من الحريم السلطاني اثرت افعالهم في عصر الاستكشاف العثماني , وكان على راس هؤلاء السلطان سليم الاول والسلطان سليمان القانوني . وكان رياس البحر الفضل في الاستكشاف العثماني للمحيط الهندي وهم ابطال قصة هذا الكتاب .
لقد ادرك صناع القرار الفاعلون في البلاط العثماني المزايا الستراتيجية التي يمكن ان تحققها إمبراطورتيهم من حضورها القوي في المحيط الهندي , وكذلك الارباح الطائلة التي يمكن ان تجنيها من تجارة التوابل وتدفق التجارة من المحيط الهندي الى البحر الاحمر ومصر وحوض البحر المتوسط .ولذلك يؤكد الكتاب على ان المجتمعات الاسلامية في الشرق الاوسط لم تدخل في حالة تدهور او موت مع توسع الامبراطورية البرتغالية كما يعتقد بعض الباحثين , وانما جعل الامبراطورية العثمانية فاعلة ونشطة تجاريا وعسكريا في المحيط الهندي في عملية تحدي أيديولوجية دينية متنافسة فيما بينهما .
ويوضح الكتاب طريقة حصول العثمانيين على المعرفة الجغرافية والتي الهمت رحالة عثمانيين بكتابة تقارير حول رحلاتهم الى المحيط الهندي ولقاءاتهم مع السكان والحكام المسلمين المحليين هناك .فكان هذا احد الدوافع لصياغة فكر عثماني جديد اوجد زعما بان السلطان هو خليفة المسلمين (اينما وجدوا) , فلقيت هذه الدعوات قبولا لدى مسلمي المحيط الهندي وهم يواجهون الاعمال العدوانية للبرتغاليين المسيحيين. ولذلك يتحدى المؤلف الكتابات السردية التقليدية للهيمنة الغربية , ويدافع بالقول ان العثمانيين لم يكونوا فقط مشاركين نشطين في عصر الاكتشافات الجغرافية , بل تفوقوا في النهاية على البرتغاليين في لعبة السياسة العالمية مستفيدين في ذلك من القوة البحرية والمكانة الدينية والتجارية لفرض سيادتهم على انحاء المحيط الهندي, ويفند الرؤية الاقدم التي تذهب الى ان القوى العربية الاسلامية لم تستجب للتوسع البحري الاوربي الا ببطء ووهن. ويؤكد المؤلف ان عرقلة البرتغاليين للتجارة الحرة في ذلك المحيط وحصارهم للبحر الاحمر كان احد الاسباب الرئيسة وراء تدخل الدولة العثمانية وتعاونها مع مسلمي المحيط الهندي . وفي كل المفاوضات مع البرتغاليين كان مطلب حرية التجارة للجميع , مسلمين وغير مسلمين , في كل الموانئ الخاضعة للبرتغاليين والعثمانيين وغيرهم هو المطلب الاساس للجانب العثماني , بينما كان البرتغاليون يصرون على تطبيق سياسة الاحتكار والتمسك بعقلية الحروب الصليبية التي ابت الاعتراف بوجود المسلمين ومصالحهم .
لقد نالت الامبراطورية العثمانية اعتراف جميع المسلمين في انحاء المحيط الهندي بانها الممثل الاعلى للمسلمين والحريص على مصالحهم , وكانت السلطات المحلية والجماعات المسلمة تستدعي العثمانيين لحمايتهم او للتعبير عن مصالحهم, مثل سلطنات الهند وسومطرة على الطرف الشرقي للمحيط ومومباسا والجماعات المسلمة على الطرف الغربي له .وانهى العثمانيون الحصار البرتغالي على البحر الاحمر وجعلوا منه بحيرة عثمانية , وكسروا الحظر البرتغالي على التجار المسلمين الذين واصلوا العمل بين موانئ الهند وجنوب شرق آسيا والبحر الاحمر وما وراءه . وبالتزامن مع هذا فتحت الدولة العثمانية طريقا تجاريا بريا بين الخليج العربي والبحر المتوسط عبر البصرة وبغداد وحلب وخفضت الضرائب عليه لتشجيع تجارة المسلمين.
ويثبت الكتاب ان العملاق العثماني الذي غطى في القرن السادس عشر الشرق الاوسط وشمال افريقيا والقرن الافريقي وآسيا الصغرى ومعظم جنوب شرق اوربا واجزاء من وسط اوربا والقوقاز لم يكن مجرد (دولة برية) لان الاحداث في البحر المتوسط والمحيط الهندي والبحر الاسود تثبت ان الامبراطورية العثمانية كانت (قوة بحرية) من الطراز الاول وكان الاسطول العثماني من اكثر اساطيل العالم تفوقا من حيث نوعية السفن والمدافع التي تحملها والخرائط والمعرفة الجغرافية والملاحية.
ان هذا الكتاب يمثل اتجاها جديدا يثبت ان التفوق البحري لم يكن قط حكرا على الغرب والذي ترسخ في العقول حول الاستكشافات الاوربية ووجودهم فيما وراء البحار , وهو امر غفل عنه الباحثون في التاريخ العثماني بسبب اعتمادهم على المدونات الاوربية وما كتبوه عن انفسهم دون الرجوع الى الوثائق الاصلية .
لقد اعتمد المؤلف في كتابه هذا على الارشيف العثماني ووثائقه ومجموعة الدفاتر المهمة المحفوظة في الارشيف الرسمي باسطنبول (باشبكنلك وتوب كابي), وتحتوي على تسجيل حرفي يومي للمراسلات الصادرة من السلاطين لمسؤوليهم في الولايات وقادة الدول والقرارات والمراسم السلطانية التي تعرف بدفاتر الديوان الهمايوني .اضافة الى مجموعة من المصادر التركية المهمة في علوم الكونيات والجغرافية والخرائط وقصص الرحلات وغيرها من النماذج الاصلية لأدب الاستكشاف العثماني خلال القرن السادس عشر . كما اعتمد المؤلف على مصادر غير تركية ومنها الارشيف البرتغالي في لشبونة ومصادر غربية تحوي تقارير القناصل وقصص الرحالة الذين زاروا الامبراطورية العثمانية والمحيط الهندي , اضافة الى مصادر باللغتين العربية والفارسية.
واخيرا فانه حري بالباحثين والمهتمين بتاريخ الدولة العثمانية خاصة والمسلمين عامة ان يطلعوا على هذا الكتاب القيم الذي يكشف تاريخا لم يكن معروفا من قبل . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى