لجنة العلوم السياسية

لمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

القضية الفلسطينية واقعاً ومستقبلاً

ا.د هاني الحديثي

عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

أستاذ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية

29.11.2023

المقال يتضمن اراء خلال مشاركتنا في ندوة نظمها مركز جنيف الدولي للعدالة وحقوق الانسان  بإدارة الاستاذ ناجي علي حرج المدير التنفيذي ليلة الثامن والعشرين من نوفمبر هذا العام

ماتزال القضية الفلسطينية ومنذ احتلال فلسطين وتقسيمها بموجب القرار 181 الصادر عن هيأة الامم المتحدة في 29 نوفمبر 1947   تشكل مركز الصراع في الشرق الاوسط والازمة المستدامة وما تبعه من عشرات القرارات الاممية ومنها القرار 242 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 22 نوفمبر 1976 اعقاب الحرب العربية- الاسرائيلية الثالثة 1967 والذي بموجبه يتحتم انسحاب اسرائيل من جميع الاراضي التي احتلتها في هذه الحرب والعودة الى حدود الرابع من حزيران وهي الاراضي التي اعتمدت لاحقا في قرارات دولية لاقامة الدولة الفسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

لاجل النظر الى مستقبل الصراع لابد من العودة اولا الى الخلفيات التاريخية كي نعرف طبيعة الصراع بعده صراعا دوليا يهدد السلم والامن الدوليين وليس مجرد صراع محلي او حتى اقليمي.

لقد تعاضدت القوى الغربية المعنية بالاستعمار الكولونيالي للعقدين التاسع عشر والعشرين للعمل على منع المنطقة العربية والشرق اوسطية من النهوض لاعتبارات جيوبولتيكية واستراتيجية , ولاجله فانها عقدت العديد من المؤتمرات ابرزها مؤتمر كامبل بنرمان في لندن والذي دعا له حزب المحافظين بدعوة سرية حضرته حينذاك الى جانب بريطانيا كل من اسبانيا وفرنسا وهولندا و بلجيكا و أيطاليا بجلسات مستمرة  للفترة 1905- 1907 نتج عنه مايسمى ( وثيقة كامبل )نسبة الى رئيس الوزراء البريطاني انذاك ، كان من اخطر ماورد فيها السعي لتدمير العالم العربي والاسلامي عبر اسقاط النهضة العربية والعمل على عدم استقرار المنطقة وألذي اسس لما صدر لاحقا من وعد بلفور بشان الوعد بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، والذي ترافق معه اتفاقية سايكس بيكو، لتقسيم الوطن العربي بين القوى الغربية انذاك، وهو الامر الذي توافق مع مانتج عن مؤتمر بازل عام 1897 والذي قادته شخصيات صهيونية ملحدة مثل هرتزل الذي قدم وعدا بضمان مصالح الغرب الاستراتيجية في العالم العربي عند تحقق مشروعه في فلسطين والذي تم تغليفه بوعود توراتية مزيفة كما ظهر ذلك واكدته شخصيات يهودية عالمية رفضت المنهج الاحتلالي للكيان الاسرائيلي وخاصة خلال التظاهرات الحاشدة التي نتجت دعما لحقوق الشعب العربي القلسطيني في مواجهته لالة العدوان الهمجية التي ارتكبت جرائم حرب وابادة جماعية اتجاه غزة مؤخرا وتحت دعوات توراتية اطلقها بنيامين نتنياهو ، ليتواصل هذا المنهج مع جرائم الابادة التي ارتكبتها جماعات الهاجانا وغيرها اتجاه الشعب الفلسطيني امثال جرائم الابادة والتهجير في دير ياسين وصبرا وشاتيلا خلال فترة احتلال فلسطين وتقسيمها .

لاجله فان الغرب وبحكم ترابط المصالح والاستراتيجيات ، وجد نفسه بحكم الحاظن والحامي والداعم ماديا ومعنويا لاسرائيل التي بدورها ضمنت استمرار الموقف الغربي المساند لها عبر تاسيس لوبيات نشطة وفعالة في بلدان الغرب تاخذ على عاتقها ترجيح فوز الشخصيات والاحزاب المتقدمة للانتخابات الدورية وفق ماتجده تلك اللوبيات من مصالح بمقاييس  اسرائيلية .

ومن الطبيعي القول ان تلك اللوبيات وجماعات الضغط امتلكت ادارة وتوجيه وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ونجحت في ترويج السردية الاسرائيلية للراي العام الغربي والذي بدوره تاثر بتلك السرديات وصارت عنده تمثل عقيدة سياسية وفكرية نتجت عن التواتر والاستمرارية في ضخ تلك الاكاذيب السردية بكل مافيها من تزييف للحقائق .

لقد ساعد على ذلك غياب الفعل الفلسطيني والعربي في ساحات اوروبا وامريكا ماديا واعلاميا بفعل متغيرات عديدة ابرزها ضعف تاثير اللوبي العربي والناتج في جزء اساسي منه عن طبيعة النظام الرسمي العربي وتناقضاته الداخلية وتهاونه اتجاه قضاياه المركزية عن قصد او نتيجة متغيرات التحديات الداخلية .

أن ماتقدم لم يحل دون استمرار التحدي للسلم والامن الاقليمي والدولي الذي فرضته تطورات القضية الفلسطينية واصرار اسرائيل على خرق القوانين والقرارات الدولية المتزامن مع اصرار قوى المقاومة الفلسطينية على  مواجهة كل التحديات التي احاطت بها ومحاولة ارغام المنظومات الدولية على الاهتمام باخطر قضية ظلت لعقود تنتظر المشاركة في ايجاد حل عادل ودائم لها .

خلال العقود اللاحقة ونتيجة لاستمرار التحديات وتصاعد الازمات والحروب في العالم العربي والشرق اوسطي، وترابطها مع قضية الصراع على الاستحقاقات الوطنية والاقليمية في فلسطين ، تم اعادة التاكيد على حل الدولتين في فلسطين وهو الخيار الذي طرحه بالاساس القرار 181 عن الجمعية العامة للامم المتحدة مع تغييرات مهمة شملت وضع القدس كقضية دينية يتم تدويلها وفق قرار التقسيم المذكور ، أو مشاريع لاحقة يتم بموجبها تقسيمها الى شرقية وغربية يكون كل قسم منه عاصمة لدولة فلسطين المقترحة وعاصمة للكيان الاسرائيلي. .رغم ان البلدان العربية ذهبت لاحقا الى تبني حل الدولتين كما حصل في مؤتمر القمة العربي المنعقد في بيروت 1982، الا ان الكيان الاسرائيلي راح يمارس اساليب التجريف والتوطين للمهاجرين الجدد الى اسرائيل لمناطق ومدن تم احتلالها في حرب حزيران 1967 خلافا لجميع القرارات الدولية ، حتى تم  الاتفاق لاحقا في أتفاق اوسلو 2 الموقعة  في 28 سبتمبر عام 1995 بين الادارة الاسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية في ظل اجواء متدهورة عربيا اثر الغزو العراقي للكويت و وقوع  أحداث دامية شملت قطاعات واسعة من فلسطين نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية على القدس وارتكابها مجزرة الحرم الابراهيمي والتي تركت تاثيراتها محليا واقليميا ودوليا ، توزيع الاراضي المحتلة عام 1967 الى مناطق (ا) و (ب) و (ج) و حصر اقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في مساحة محدودة لاتتجاوز 25% من مجمل الاراضي في عموم الضفة الغربية المحتلة ضمن ترتيبات السلام التدريجية ( الارض مقابل السلام ) ، فضلا عن وضع حاجز جغرافي بينها وبين قطاع غزة يمنع تواصلهما جغرافيا وبشريا واقتصاديا وسياسيا ، وهو الامر الذي يجعل اقامة دولة فلسطينية متكاملة الاركان امرا مستحيلا .

أن ماتقدم افضى الى هظم لحقوق الشعب الفلسطيني، ترافق ذلك مع حالة من الانحطاط والتداعي في الوضع العربي والانقسام الداخلي فلسطينا بين ادارة السلطة الفلسطينية لمناطق من الضفة الغربية واستقلال حكومة قطاع غزة  منذ عام 2007 م عنها لاسباب عديدة منها التناقض بينهما اتجاه الموقف السياسي والايديولوجي أتجاه  أستمرار الاحتلال الاسرائيلي لقلسطين   والموقف من الكفاح المسلح في استرداد الحقوق المشروعة وطنيا وعربيا وفي الشرعة الدولية .

في ضوء ماتقدم فان الحرب الاسرائيلية الحالية والتي شهدت جرائم حرب  وابادات جماعية يخضع مرتكبيها  لنصوص  عقابية دولية في محاكم الجنايات الدولية والتي انشأت لمحاكمة مجرموا الحرب بعد الحرب العالمية الثانية ومنها المحكمة الجنائية الدولية , انما تشكل تطورا نوعيا في سلسلة العدوان على الحق الفلسطيني والعربي والاسلامي والانساني .

بيد ان هناك متغيرات لابد ان ناخذها بنظر الاعتبار في هذه الحرب المستمرة على جميع الميادين عسكريا وايديولوجيا وسياسيا أقليميا و دوليا حيث اتساع نطاق ردود الافعال على جميع الصعد وبشكل غير مسبوق كنتيحة لطبيعة الشمولية في جرائم الابادة الجماعية التي ترتكبها حكومة اليمين المتطرف التي تقود اسرائيل الان .

المتغير الاول الاساسي فرضته المقاومة الفلسطينية عبر طبيعة التعرض الذي ابدته في مواجهة سياسة التجويع والاذلال لعقد ونصف و الذي يمارسه كيان الاحتلال الاسرائيلي ، فجر السابع من اكتوبر والمستمرة تداعياته حتى الان .

ورغم محاولة حكومة اليمين المتطرف للاحتلال الاسرائيلي اظهاره، بانه حالة اعتداء من الجانب الفلسطيني  استوجب منها حق الدفاع عن النفس , الا ان طبيعة الجرائم التي اعتمدتها اسرائيل لاحقا ساعد في كشف زيف الادعاءات الاسرائيلية التي بدات تتوضح امام الراي العام الداخلي والدولي بأنها تفتقد لهذا الحق كونها بالاصل دولة احتلال لفلسطين وقطاع غزة وفق القوانين والقرارات الدولية .

المتغير الثاني:أن تسارع بلدان الغرب الاستعمارية بقيادة امريكية و بريطانية الى تقديم كل اشكال الدعم لاسرائيل ، وتشجيعها في ارتكاب جرائم ابادة جماعية في الارض المحتلة، واحاطتها باساطيلها الحربية لحمايتها من الانهيار، ادى لاحقا الى أنكشاف سياسات واستراتيجيات هذه القوى اتجاه اسرائيل التي لم تعد حملا وديعا كما كان يظن الكثير من اوساط الراي العام الدولي .

المتغير الثالث:متغير الرأي العام وهنا نشهد وضع مختلف تماما و كأن هذه الحرب أوجدها الله لتكشف الحجب عن حقيقة الكيان لدى الراي العام الذي بدا مختلفا وضاغطا باتجاه صناع القرار ومؤسساته وخاصة في دول الغرب الذين وضعوا كل امكانياتهم في خدمتها للاسباب سالفة الذكر . لقد وصلت الامور في الكشف عن ملفات قديمة من بينها اتهام بعض المؤرخين الامريكان مثل مارتن ساندلر مؤلف ومحرر و أستاذ جامعي أمريكي للموساد بمقتل الرئيس الامريكي جون كندي  اثر اختلافه وغضبه على بن غوريون بسبب ذهاب الاخير الى انشاء برنامج نووي في ديمونة خلافا لمساعي الحد من انتشار الاسلحة النووية في ظرف دقيق وحساس من مراحل الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خاصة أثر ازمة الكاريبي .

ان الايام الاولى للحرب تختلف تماما عن الاسابيع اللاحقة في جميع مجالات الفعل ورد الفعل.

المحكمة الجنائية الدولية التي تجاهلت دعاوى ارتكاب اسرائيل جرائم حرب وابادات جماعية في غزة  حتى اتهمت بانها شانها لايختلف عن اعتماد المعايير المزدوجة لدى المنظمات الدولية ومنها الامم المتحدة  ومجلس الامن الدولي ، تحقق الان أستدارة لتبدأ النظر فعليا في تلك الجرائم وسط ضجيح الاحتجاجات من الدول والاشخاص واوساط الراي العام على طبيعة تلك الجرائم الدموية التي طالت الجميع اطفالا ونساءا وشيوخ دون تمييز، وانطلاقا من تاكيدات اسرائيلية رسمية انها ستحقق ابادة جماعية للشعب الفلسطيني الذي وصفه نتنياهو بالوحوش البشرية ، قتلا وتهجيرا اعتمادا على نصوث توراتية مزورة( ارض العماليق) لاتستقيم وابسط شروط حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني.

وهنا لابد ان نشير الى تطوع اكثر من خمسة الاف محامي دولي لعرض هذه الجرائم في مختلف المحافل الدولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية .

أن ماتقدم اثار العديد من الاهتمامات في عرض الجرائم الدولية امام المحاكم الدولية حيث الرفض القانوني  لاسقاط لمسؤولية  الجنائية  تحت حجة الدفاع الشرعي عن النفس و  خاصة أن اسرائيل هي دولة احتلال ، لم تلتزم بالقرارات الدولية وتجاوزت في ردة الفعل لديها عن الحدود الموصوفة في القانون الدولي للدفاع عن النفس في حالة توفره فعلا .وهو الامر الذي يعرض الكيان ومتخذي القرار فيه الى الاحالة الى المحاكم الجنائية الدولية  في اول فرصة متاحة ،بذات الوقت الذي ينبىء بتغييرات داخل نظام الكيان السياسي بفعل الاشكاليات الامنية والسياسية التي ادت الى سقوط نظرية الامن الداخلي وارتفاع اصوات من داخل اسرائيل تطالب بتغيير الكابينة الحاكمة للكيان وهو امر قد يفضي الى تيسير تقديم اشخاصه مثل نتنياهو للمحاكم الدولية وتجريده من صفة الحصانة الحكومية التي لاتمنع اصلا محاكمته عن جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبها اتجاه شعب فلسطين في قطاع غزة.

من جانب اخر ظهر مشهد اخر لدى الراي العام الامريكي خاصة والاوروبي عامة وفي عقر بريطانيا رغم كل الاجراءات القمعية اتجاه حقوق التعبير عن الراي وصل حد عزل وزيرة الداخلية البريطانية لاتهامها بالتعامل العنصري اتجاه الاصوات الداعمة للشعب الفلسطيني .

شملت هذه الظاهرة الجامعات والمدارس والكنائس  ، بل وتجاوز الامر الى مؤسسات حكومية شهدت احتجاجات واستقالات موظفين كبار في مؤسسات الخارجية الامريكية و والمخابرات احتجاجا على صمت الادارة الامريكية وتواطئها مع مايرتكب من جرائم دولية .

هنا نجد ظاهرة احتشاد الكنائس والمساجد الى جانب جاليات يهودية وبيانات تصدر عن كبار رهبان اليهود وعلمائهم ومثقفيهم وشخصيات نافذة فيهم  في العالم وهي لاتكتفي بادانة هذه الجرائم ، انما تصل الى وصف اسرائيل بانها كيان يتعارض وجوده مع اصل النصوص التوراتية غير المزيفة ، وان من يحكم تل ابيب هم ليسوا مجرمين يستحقون العرض على المحاكم الدولية والحكم عليهم كمجرمي حرب حسب ، انما هم وفق نصوصهم كفارا بالله وبكتابهم التوراة التي تمنع قيام كيان يهودي غير مسموح به من قبل الرب .

هنا يعود هذا الامر ليعبر عن حقيقة وجوهر البعد الاحتلالي الاستيطاني للكيان الاسرائيلي والذي لعبت وسائل التواصل الاجتماعية السوشيال ميديا دورها الرائع في سرعة وصول الحقائق وصور الجرائم للراي العام دون حواجز مؤسسات ألاعلام المقيد المحكوم برجال الحركة الصهيونية التي وجدت الامر يفلت من بين يديها ،

بعبارة اخرى فان السردية الاسرائيلية التي حجبت الحقائق  عن عقول الراي العام العالمي تم تدميرها بشكل واسع النطاق وفي عقر البلدان الداعمة للكيان الاسرائيلي ، حيث تشير الاحصائيات ان 93% من الروايات التي تسود الراي العام الغربي خاصة والدولي عامة هي الرواية الفسطينية ، في حين لم يتبق للسردية الاسرائيلية في الولايات المتحدة بالذات اكثر من 7%.وهو امر يستدعي العمل الدؤوب لادامته وتعزيزه من قبل المنظمات والاشخاص ألمؤثرة في أتجاهات ألراي العام .

تأسيسا على ماتقدم فان القضية الفلسطينية تطرح نفسها الان من جديد محليا ودوليا ،وهو الامر الذي يعبر عن نفسه بطبيعة التغير في تصريحات كبار المسؤولين لدى حكومات الغرب ومنهم الرئيس الامريكي جوبايدن الذي ذهب الى التاكيد على تعهده بالعمل على حل الدولتين ،وهو السيناريو الذي كاد يعلن موته امام اصرار ادارات الكيان الاسرائيلي على تجاهله، وبدلا من ذلك الذهاب نحو تصميم مشروع كبير للشرق الاوسط تكون فيه لاسرائيل دور القوة الاقليمية الكبرى القائدة له وضمن حلم المتطرفين في تفسيراتهم التوراتية لقيام دولة اسرائيل من الفرات الى النيل عبر برامج سبق التعبير عنها في صفقة القرن خلال عهد ترامب والتي تقضي بتهجير عموم سكان غزة والضفة الغربية الى سيناء والاردن وتعدي ذلك الى الاراضي العراقية والسورية حتى حدود الفرات .

ومما يؤسف له وضمن مظاهر الخنوع في النظام الرسمي العربي ، الصمت المريع للانظمة السياسية العربية وخاصة المطبعة مع اسرائيل عما يرتكب من قبل اسرائيل من جرائم دولية بحق الشعب العربي الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وهو الامر الذي يثير التساؤلات عن مستقبل النظام الرسمي العربي و مؤسسة الجامعة العربية اتجاه الغضب الذي يجتاح شعوب العالم العربي والذي تم  قمعه كي لايرتقي الى مستوى الاحتجاجات لدى الراي العام العالمي.

في ضوء ماتقدم فأن سيناريو بقاء الوضع على ماهو عليه قبل  اعلان اسرائيل الحرب رسميا يبدو امرا غير قابل للحياة , وان التغيير مقبل على سيناريوهات اخرى ليكون ماقبل السابع من اكتوبر غير ماستشهده المنطقة مابعد ايقاف الحرب وفق اي شكل من اشكال أيلولة الحرب .

كما ان سيناريو المعادلة الصفرية ايضا يبدو صعب التحقق في ظل اصرار الشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة على تحقيق مقاصد وطنية , يدعم ذلك التغير الذي يشهده العالم اتجاه القضية الفلسطينية كما اوضحنا سلفا.

أن المعادلة الصفرية بتحقيق نتائج حاسمة لاحد الطرفين تبدو فقط في حالة لجوء اسرائيل لاستخدام قدراتها النووية، وهنا ستكون اسرائيل امام وضع متفجر دوليا ليس فقط في اخفائها امتلاك الاسلحة النووية عن العالم ومنظماته الدولية حسب ، انما في تداعيات استخدامها ضد شعب مدني يطالب بحقوقه المشروعة وفق القانون الدولي  في الحياة ، الى جانب التاثيرات السلبية لهذا الاستخدام على رقعة من الجغرافية محدودة المساحة .

لنذهب لاحقا الى سيناريو اعادة الاعتبار لحل الدولتين .

هنا تثار العديد من القضايا الشائكة ابرزها: هل ان حل الدولتين يتم وفق القرار 181 لتكون القدس منطقة دولية مستقلة  لدولتين فلسطينية و اسرائيلية ؟

ام انها تتم وفق المطالبة العربية والفلسطينية بقيام الدولة الفلسطينية على اراضي ماقبل الخامس من حزيران وان تكون عاصمتها القدس الشرقية؟

أم ان اسرائيل ستتمسك باعتراف ادارة الرئيس الامريكي السابق ترامب باعتبار القدس عاصمة أبدية لاسرائيل باعتباره يتماشى والنبوءات التوراتية ؟

وهنا تثار الاسئلة عن امكانية موافقة اسرائيل على ازاحة جميع المستوطنات التي بنيت على الاراضي المحتلة خلافا لجميع القرارات الدولية التي رفضت ذلك عبر عشرات القرارات الاممية؟

وهل يقبل الطرف الفلسطيني المقاوم بذلك بعد ماحققه من منجز سياسي محلي ودولي  وتضحيات جسيمة من المدنيين قد تصل الى عشرون الف شهيد وربما تزيد اذا اشتعلت ضراوة الحرب وشهدت جرائم ابادة اخرى بعد انتهاء فترات الهدنة ,والتي تشهد جهود دولية لتحويلها الى وقف لاطلاق النار, وهو الامر الذي سيحقق للمقاومة الفسطينية اعتراف دولي بانها طرف اساسي في الصراع وليست بالوصف الذي  تتبناه اسرائيل بمساندة غربية من دول عديدة ، اتجاه أحقية الشعب الفلسطيني بالعودة لاراضيه بدون اذعان الانتقاص من حقوقه ؟

الاجابة على هذه الاسئلة صعبة والحرب لم تضع اوزارها بعد ولكن من حيث المبدأ فان حل الدولتين سيشهد تغييرات تبعا لطبيعة المتغيرات اللاحقة .

ولكنه  الحل الواقعي الممكن والاكثر عندي ترجيحا العمل به ولكن بعد اجراء مراجعة له في ضوء المتغيرات الراهنة ومعادلات القوة ، بيد ان ذلك ايضا يتاثر باعتبارات اساسية اهمها:

هل تقبل اسرائيل بالاعتراف بالحدود الطبيعية لكيانها ؟ وهي التي تعلن باستمرار تمسكها بثوابت عقائدية تعتبرها مقدسة والتي تضع لاسرائيل حدودها من النيل الى الفرات وفقا لنصوص توراتية يرى اليهود الملتزمين  الرافضين لهذا الكيان داخل وخارج اسرائيل انها نصوص مزورة لاتنتمي لارادة الرب انما هي نصوص وضعت قصدا من قبل ملحدين ذهبوا لتاسيس كيانهم وفق مصالح واعتبارات استراتيجية للغرب ؟؟؟

هل يقبل الفلسطينيون بهذا التأطير النظري واخص منهم الملتزمين بحقائق التاريخ بان فلسطين هي فلسطين الكاملة من النهر الى البحر؟

وهل سيشهد العالم العربي سيناريو تغيير جوهري يفضي الى نفض اليد من معاهدات التطبيع سواءا بالاختيار او بالاجبار للانظمة التي قد تشهد ربيعا عربيا حقيقيا قد ينفجر بوجه الانظمة المدانة من شعوبها بسبب موقفها الانهزامي من الحق العربي في فلسطين واصطفافها صراحة او ضمنا مع المنهج الاسرائيلي ومشاريعه الاستراتيجية؟؟؟

وهل سيؤدي التغيير الجدي للسردية الاسرائيلية  لصالح السردية الفلسطينية والعربية والاسلامية لدى الراي العام العالمي والغربي منه بشكل خاص الى تغيير في منهج القوى الاوروبية اتجاه اسرائيل بما يؤمن لها القبول عربيا وشرق اوسطيا .

هنا نذكر بمقولات عملية وموضوعية سبق لمفكري فلسفة الحركة القومية العربية وابرزهم المفكر الدكتور منيف الرزاز طيلة عقود النصف الثاني من القرن العشرين و مؤداها : أن الغرب لن يغير منهجه الداعم لاسرائيل الا حين ينظر ان خسائره من أستمرار دعمه  لاسرائيل ، بدأت تتفوق على مايربحه من وجودها ،والذي على اساسه سعى لاقامتها كما اسلفنا.

ولكن السؤال هنا يفرض نفسه: كيف سيتصرف قادة الكيان حين يدركون انهم على طريق الزوال ؟

وهل يلجأوون لسلاحهم النووي على  قاعدة علي وعلى اعدائي؟

هنا ايضا سنرى انفسنا على طريق السردية الدينية بنهاية هذا الكيان وفق اسطورة هرمجدون والتي تنبأ بها  أيضا مفكرون علمانيون امثال كيسنجر او رجال دين مسلمون توقعوا ان تكون النهاية لها بزحف مليوني عربي ومسلم لمواجهة الخطر الداهم بعد اسقاط انظمة الهزيمة العربية لترى اسرائيل انها امام خيار واحد يشمل افناء ملايين العرب والمسلمين وفق ماتقدم ذكره.

وننتهي بالقول : انها سيناريوهات محتملة ولكن يبقى فوق كل علم عليم والله اعلم وهو منفذا امره اولا واخيرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى