لجنة الصناعة و الطاقة

أزمة الطاقة العالمية .. هل هي الجائحة الجديدة؟

أزمة الطاقة العالمية .. هل هي الجائحة الجديدة؟

بقلم الدكتور بشار عبد الجبار 

استشاري واستاذ مشارك 

عضو لجنة الصناعة والطاقة في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات 

في مقال سابق ذكرت ان اوربا تمر بأزمة طاقة عامة وخصوصا في مجال الطاقات الاحفورية (خصوصا الغاز الطبيعي) وعدم قدرة الطاقات البديلة التعويض وبسرعه…

ازمة طالت اغلب دول اوربا وتنتقل الى باقي انحاء المعمورة وبسرعة … ترافق معها ارتفاع واضح في أسعار الطاقة العالمية والتي من المرجح جدا ان تستمر في الارتفاع مع قدوم فصل الشتاء وخصوصا في نصف الكرة الأرضية الشمالي الامر الذي سيترك بصمته على اقتصاد لازال في طور النقاهة من صدمة “كوفيد-19” وخصوصا في الدول المستوردة للطاقة التي بدأت طبقتها الأقل دخلا بالمعاناة من الان. لذا فمن المتوقع ان تشهد اغلب دول الاتحاد الأوربي والصين تراجعا في اقتصادها وخصوصا في القطاع الصناعي !! إضافة الى استمرار الحاجة الى سوق فاعل لنقل الطاقة وخزنها وليس انتاجها فقط حيث سيشكل هذين العنصرين مفاتيح الحل وطوق النجاة لسوق الطاقة العالمي بلا شك.

ما زاد من الطين بلة هو ارتفاع سعر برميل النفط ليصل حاجز ال 80 دولارا مع ازدياد الطلب على الغاز الذي تمتلك مفاتيحه دول معدودة بعدد أصابع اليد …  ويستثنى من ذلك سوق الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة المستقل انتاجا وتوزيعا عن بقية العالم… 

في الأيام الماضية اجتمعت دول ( أوبك بلس ) التي تضم روسيا واتفقت على إبقاء اتفاق زيادة إنتاج النفط زيادة تدريجية متجاهلين دعوات من الولايات المتحدة والهند لرفع الإنتاج وإن كان على نحو متقطع.

ماذا عن اميركا اللاتينية؟ يقول مراقبون ان ارتفاع أسعار الطاقة في هذه المنطقة سيؤدي إلى اضطرابات واحتجاجات تزامنا مع ارتفاع معدلات التضخم، مما يستوجب زيادة الإعانات الاجتماعية والإعفاءات الضريبية على الأسر المنخفضة الدخل، وهذا بالتالي سيؤدي الى عجز مالي كبير الا ان زيادة الأسعار سترفع أرباح شركات الطاقة التي تديرها الدولة وستزيد عائدات الضرائب من خلال زيادة قيمة الضرائب والرسوم الجمركية على النفط.

اما الدول الناشئة طاقويا فقد تستثمر الحدث لصالحها باستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، لكن من غير المرجح أن تسهم الشركات الأوروبية الكبرى في تعزيز الإنتاج في هذه الدول بسبب تركيزها على الاستثمار في الطاقات البديلة والنظيفة.

تعتبر الصين من اول الدول التي تأثرت بهذه الازمة حيث يتوقع المراقبون والمحللون أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى اضطرابات في التيار الكهربائي مع حلول فصل الشتاء، وقد يتسبب ارتفاع الأسعار والسياسات الرامية إلى تقليل الانبعاثات في حدوث نقص في إمدادات الطاقة في جميع أنحاء الصين.

الصين اليوم امام خيارين صعبين أولهما، مواصلة التزامها بدعم أسعار الطاقة وتقييد رفع الأسعار مما سيسبب ازعاجا وخسارات كبيرة لمنتجي الطاقة في الصين سيدفعهم الى إغلاق العديد من محطات توليد الكهرباء لعدم قدرتهم على تحمل الخسارات المتتالية .. اما الخيار الثاني فيتمثل في سماح الحكومة الصينية برفع أسعار الطاقة أو دعم المنتجين، وهذا بدوره سيؤدي ذلك إلى ارتفاع الطلب الصيني على الطاقة، الا انه سيرفع الأسعار العالمية لأنواع الوقود وسيسبب ضغطا جماهيريا قد لا تستطيع الدولة تحمله. 

وعلى غرار الصين، سيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى عرقلة الانتعاش في دول شرق وجنوب شرقي آسيا، خصوصا وان دول جنوب شرق آسيا واليابان تعتمد اعتمادا أكبر على الغاز الطبيعي المسال -المستورد بأسعار عالية، ومن المنتظر أن تعمل حكومات هذه الدول على تكثيف جهود استكشاف الغاز الطبيعي المسال واستخراجه، والاستثمار في الطاقات البديلة الا ان الزمن ليس في صالحهم بتاتا.

من الدول القلائل التي قد تستفيد من ارتفاع أسعار الطاقة هي روسيا التي يتهمها الاتحاد الأوربي بالتلاعب بالسوق، حيث يصبّ ارتفاع الأسعار في مصلحة شركة “غازبروم” (Gazprom) المملوكة للدولة، وشركة النفط العملاقة “روسنفت” (Rosneft)، وكذلك الشركات الروسية الخاصة مثل شركة “نوفاتيك” (NOVATEK) المنتجة للغاز الطبيعي المسال. وستقدم إيرادات الطاقة دفعة للاقتصاد الروسي، وتساعد على تخفيف القيود المفروضة على الميزانية الفدرالية. ومن المنتظر أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية في أوروبا إلى تعزيز الاتهامات لشركة غازبروم وبقية المنتجين الروس بالاتفاق مع الكرملين للضغط على الدول الأوروبية.

كما ان روسيا تسعى حاليا إلى إقناع أوروبا بالموافقة على مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2″، على أن يتم تشغيله بمجرد اكتمال التصديق عليه في يناير/كانون الثاني 2022 بحجة تعويض الخلل في تجهيز الطاقة!!

 

ماذا عن اوروبا والدول الصناعية؟

كما قلنا انفا فان القطاع الصناعي سيكون اول المتضررين جراء ارتفاع أسعار الطاقة مما سيعرقل النهوض والتعافي الاقتصادي في أوروبا في مرحلة ما بعد جائحة (كوفيد-19). حيث يتوقع المحللون الاقتصاديون أن تواجه الصناعات تكاليف تشغيل أعلى، مع ارتفاع تكاليف المعيشة للمستهلكين، وقد يؤدي ذلك إلى توقف عمل العديد من الشركات الأوروبية في مختلف قطاعات الاقتصاد وإلى ارتفاع معدلات التضخم في جميع أنحاء أوروبا.

وإذا شهدت القارة شتاء باردا واحتاجت إلى إمدادات غاز طبيعي أعلى من المستويات المعتادة، ستواجه منافسة كبيرة على واردات الغاز المسال مع دول شرق آسيا. وقد تقدم الحكومات مزيدا من الإعانات والإعفاءات الضريبية، للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة، لكن هذه المساعدات ستكون على حساب الميزانيات التي تعاني من عجز مرتفع، وذلك سيزيد من صعوبة العودة إلى الانضباط المالي على المستويين القصير والمتوسط.

 

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ولو عدنا الى منطقتنا (الشرق الأوسط وشمال افريقيا إضافة الى وسط اسيا ) التي تضم أكبر احتياطيات النفط والغاز في العال فسنجد ان الدول المنتجة للنفط والغاز في هذه المناطق وتحديدا كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان ستحصد اسرع من غيرها ثمار ارتفاع الأسعار. 

كما ستوفر الإيرادات متنفسا للدول المثقلة بالديون، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على صادرات الطاقة مثل العراق ، إذ ستساعد على تمويل الميزانية التي انخفضت بسبب تقلص الطلب على النفط خلال جائحة كورونا. وستتمكن دول الخليج من ضخ مزيد من الأموال في جهود التنويع الاقتصادي.

لكن ارتفاع الأسعار سيهدد بتعطيل التعافي الاقتصادي على المدى القريب في دول مثل لبنان وتركيا، حيث ستؤدي التكلفة الإضافية إلى ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم.

 

أفريقيا 

سيجد منتجو الطاقة في القارة الأفريقية صعوبة في تلبية طلبات المستهلكين وتجنب أي اضطرابات اجتماعية، في حين ستجني الدول المنتجة للنفط في أفريقيا ثمار ارتفاع الأسعار، وبالتحديد أنغولا ونيجيريا وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو والغابون.

أما في نيجيريا التي تعدّ أكبر منتج للطاقة في أفريقيا جنوب الصحراء، فسيضع ارتفاع أسعار النفط الحكومة في موقف صعب إزاء ما يتعلق بأسعار الوقود، إذ إن تدهور قطاع التكرير يجعل البلاد تعتمد بصورة أكبر على الواردات.

يعاني المستهلكون في جميع أنحاء أفريقيا من ارتفاع أسعار الغذاء والمياه والغاز والسلع الأساسية الأخرى، كما ارتفعت الأسعار في شرق القارة بسبب الجفاف المستمر، وزادت تكلفة المعيشة في دول المنطقة بنسبة 20% عما كانت عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي.

 

المصادر

وكالات الانباء ومواقع اقتصادية دولية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى