لجنة الصناعة و الطاقة

معركة غزة … معركة وعي يراد له الاندثار

بشار عبد الجبار عبد الرحمن صالح بك

عضو لجنة الصناعة والطاقة

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

قضية فلسطين في وعينا العربي الجمعي قضية لا تقبل القسمة على اثنين … قضية يتم التخطيط لدفنها وتمييعها منذ زمن طويل وبطرق شتى دون ان يعي الشعب العربي عامة والفلسطيني خاصة ذلك، بل ينساق وراء احداث وتشكيلات وقصص اضعفت هدفهم الرئيسي وشتتت جهودهم على مر 75 عاما بالتمام والكمال ولا زالت الخطة سارية…..

على الجميع ان يعوا ان الحرب هي حرب وجود ووعي قبل ان تكون حرب عدة وعتاد وارض….

لقد بدأ المشروع بزرع جسد غريب في جسمنا العربي كما يحاولون اليوم زرع فايروسات وقطع الكترونية في اجسادنا واذهاننا لتغيير بوصلتنا الحياتية وقبلها استخدام كل الوسائل المتاحة لحرف مسيرة البشر كما يشاء صناع القرار باختيار اجباري لا مناص من اتباعه.

تراكمت المحاولات والطرق ولم تقتصر على خسارات حربية مقصودة او مستوطنات مزروعة او حتى شق صف المقاومة الواحدة الى مقاومات بأهداف مختلفة وتمويل متنوع والتمويل داء يحرف مسيرة أي جهد وقتما يشاء …

بدأت المقاومة الفلسطينية كفكرة واحدة فتشعبت الى فئات وفرق بأيديولوجيات زرعت بدقة وحرفنة شديدتين لتضع بذرة الخلاف فيهم فأصبحت جبهة شعبية وحركة تحرير وحماس وقسام وجهاد إسلامي اختلفوا فيما بينهم على أطماع صغيرة ونسوا انهم جميعا توحدهم فكرة واحدة وهدف واضح … هو فلسطين والقدس عاصمتها.. عاصمة كل الأديان …

نحن بحاجة اليوم لفهم أصل الصراع والعودة الى الأهداف والاسس …

لكي اضرب مثالين للمقاربة:

في التسعينات وايام فرق التفتيش في العراق لازلت اذكر ما كان يقوله رئيس فريق المفتشين: (لا يهمني الأجهزة التي ندمرها والمواقع التي نكشفها ونحيدها… لكن ماذا عن العقول؟ اين هي وكيف نضمن تحييدها؟) هنا تتضح الصورة.. هم يبحثون عن الفكرة والمبدأ ليدمروه ولا يهمهم التفاصيل فهي تحصيل حاصل

ما اثار هذه الذكرى في داخلي ما قرأته يوم أمس في صحيفة إسرائيلية عن حرب غزة حيث قال الكاتب وهو محلل إسرائيلي كبير، قال وهنا اكتب النص: (إنَّ تدمير قدرات حماس العسكرية لن يؤدي إلى القضاء على فكرة “حماس” أو فكرة التطلع إلى تدمير “إسرائيل)

اليس المقصد واحد؟

واضح ان هدفهم ليس فقط حماس!!! بل الحاجة الى عملية طويلة الأمد هدفها إزالة الفكرة (فكرة التحرير) وقناعاتنا نحن العرب بمبادئ واهداف تربينا عليها…وزرع فكرة تغيير نمط وقناعات من خلال وسائل متاحة امامهم ومتمكنين من ادارتها سواء بالقوة الغاشمة او بالقوة الناعمة عبر الاعلام والتعليم والثقافة والدين والطائفة …

ان الحرب ليست ضد الحكم العسكري لحماس، بل هي ضد المفهوم المتجذر بعمق في سكان غزة خاصة وفينا عامة، وهو المفهوم الذي يرى أن إسرائيل عدو، وأن دولة إسرائيل ليس لها الحق في الوجود، والصراع مع هذا النهج ليس عسكريا فقط بل هي معركة اقتلاع لفكرة التحرير من الاذهان وزرع فكرة الخنوع والقبول بأمر واقع.

لقد سبق ان طبق الغرب وأميركا هذا المبدأ مع المانيا بعد الحرب الكونية الثانية حيث زرعوا فكرة المظلومية اليهودية في الاذهان وصاغوا القوانين لتأصيل ذلك، كما طبقوا ذلك مع اليابانيين في قانون مارشال وطبقوه في العراق في حرب 2003 وما بعدها …

الهدف هنا ليس المقارنة، بل إن الفكرة الأساسية متشابهة: فكرة التجهيل ومحو الذاكرة الجمعية لمجتمع انتقالا نحو مجتمع يريدونه ليؤمن مصالحهم واهدافهم الإستراتيجية….

ان (النصر الإسرائيلي) لا سمح الله لن يكون باستسلام حماس او السيطرة على القطاع … هذا انتصار معركة ولا يعني الفوز في حرب…

صورة النصر (من وجهة نظرهم) ستكون حقا حين اعتراف سكان غزة بإسرائيل وإنكار فكرة التحرير وفكرة المقاومة باسم (وليكن حماس او غيره) عندها فقط يمكنهم ان يقولوا انهم قد انتصروا وهو ما لا أتمنى ولا أتوقع ان يحصل قريبا. لماذا؟ لان ايديولوجية المقاومة وعودة الأرض لأهلها موجودة في كل بيت تقريبا، في كل ضمير.. في رحم الأمهات وفي جذور كل شخص وكل شجرة تعيش على هذه الأرض الطيبة الطاهرة المقدسة…

لنكن متيقنين ان إسرائيل في حروبها وعلى مدى تاريخها لا تحارب من اجل الأرض فقط (رغم أهمية ذلك عندهم) لكنها تحارب من اجل ترسيخ فكرة انها ليست عدوا للجميع وان لها حقا في الوجود في هذه البقعة وأنها تريد التعايش والتفاعل مع من حولها … هذا هو الهدف ومن يراقب تغلغلها في المنطقة يفهم ذلك جيدا … تغلغلها الهادئ ثقافيا واقتصاديا وتجاريا هو احتلال جديد بصورة لينة غير محسوسة ودون خسائر…. لنعي ذلك جيدا.. انها تمارس حربا ثقافية تقوم فيها بتغيير الهوية الثقافية للشعوب العربية والاسلامية كما تم التغيير الثقافي للألمان واليابانيين عبر تغيير طويل الاجل لنمط التفكير باستخدام كل ما أتيح تحت يدها من وسائل وأنظمة حكم وسياسيين، واعلام، ومال، واقتصاد. لذا علينا ان نستغل فرصة الوعي الذي ولدته نتاجات هذه المعركة لصالحنا ولتبيان ضعف حجة العدو وكيلهم بمكيالين لقضايا ومبادئ إنسانية يناشد بها الغرب والعالم الذي يسمونه متحضرا…

أختم بالقول.. ان طوفان الأقصى (حرب غزة) حتى وان كان ميدانها محصورا في منطقة غزة الا ان ميدانها اتسع ليشمل كل العالم. لقد انتصرت غزة في معركة الوعي وتهشمت الاسطورة وانهار البع بع واندثرت الهيبة والعنجهية الصهيونية حتى بين صفوف مؤيديها. واجب علينا الان وعلى امتداد العالم العربي و الاسلامي ان نقاوم المشروع الصهيوني الثقافي بالعزيمة والاصرار والشجاعة والشراسة التي واجهت فيها غزة الحرب عليها، فالحياد اليوم جريمة, والمداراة من الكبائر, والاختباء في الصف الرمادي عار, والجبن نفاق.

واجبنا الديني والانساني والاخلاقي ان نبدأ بتعزيز روح النصر والوعي في كل طفل وشاب ورجل وشيخ كبير ليوقنوا بما لا يقبل الشك ان يبننا وبينهم جبالُ جثثٍ، وأنهار حقدٍ، ودمٌ وثأر طويل لن تمحوه حروب وتجهيل وعمالة وخطط…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى