لجنة الزراعة و الري

حاجة العراق للبحوث العلمية و خاصة في موضوع تأثيرات تغير المناخ العالمي


نصرت آدمو

عضو لجنة الزراعة والري ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

باحث في الموارد المائية وتغير المناخ العالمي

 

يعتبر البحث العلمي أحد اهم دعائم التقدم الحضاري والتقني في البلاد المتطورة مهما بلغ حجم او ثراء تلك البلاد. ولم تبلغ دولة ما أي مستوى من التقدم إلا من خلال البحوث ألمنسقة والموجهة التي أخذت طريقها إلى التطبيق ألعملي فيها ، ولذلك نرى أن هذه الدول تخصص نسب عالية من ميزانياتها السنوية لأغراض البحث والتطوير. فنجد  مثلا ان الولايات ألمتحدة انفقت (2.74%) من دخلها المحلي الإجمالي عام 2014 على هذه البحوث بينما انفقت الصين (2.10%) ، ودول الاتحاد الأوروبي (1.94%) ، واليابان (3.58%) ، وفرنسا (2.57%) ، والمملكة ألمتحدة (1.7%) ، واستراليا (2.12%) ، والسويد (3.16%) ، والدانمارك (3.05%) من دخولها المحلية الاجمالية في نفس العام . وعلى النقيض من ذلك انفقت كل من الامارات العربية المتحدة (0.49%) والباكستان (0.29%) والملكة ألعربية السعودية (0.25%) وإيران (0.12%) والفلبين (0.11%) والجزائر (0.07%) من دخولها القومية الاجمالية على هذه البحوث في نفس السنة (1) .

ويفيد أحد المصادر الموثوقة ان إنفاق العراق على البحث والتطوير لم يتجاوز(0.03%) من دخله القومي الإجمالي عام 2011 : راجع )الشكل 16.5 (في الصفحة(439  من ألمرجع (2). بينما غابت اية تخصيصات في الموازنة العامة عام 2013 وكذلك في عام 2014 ، ولم نتمكن من الحصول على ارقام مقنعة من موازنات السنوات اللاحقة لأية تخصيصات تذكر. ويمكن الرجوع الى المصدر (3) لمعرفة المزيد عن الواقع المزري للبحث والتطوير في العراق مقارنة مع باقي دول ألعالم .

من هذا نرى عدم وجود قواعد رصينة للتطور في المجموعة الثانية من الدول أعلاه واعتمادها الشبه الكامل على مخرجات البحوث من دول المجموعة الأولى كما نرى تخلف العراق المريع في هذا المضمار ، مما لا يبشر باعتماد هذه الدول عامة والعراق خاصة على نفسها في أي تطور تقني وطني واصيل في المستقبل .

وما ذكرته أعلاه ليس إلا مدخلاً إلى الموضوع الأساسي لهذا المقال وهو حاجة العراق من البحوث فيما يتعلق بتغير المناخ العالمي واثاره البالغة السلبية عليه . و سوف اترك المجال للأخرين للخوض في الموضوع المعقد والشائك الاخر وهو الحاجة الى البحث والتطوير في المجالات الأخرى كافة.

فلقد دعيت في شهر تشرين اول الماضي  الى مؤتمر أقامته جامعة كومار في السليمانية عن ألموارد ألمائية في العراق  بعنوان Water Resources in Iraq- Perspectives and Prognosis وكان احد محاوره الرئيسية تغيرات المناخ  واثاره السلبية وقدمت في ألمؤتمر ألمذكور ورقة بحث بعنوان Climate Change and the Need for Future Research  استعرضت فيها بصورة مختصرة ألبحوث والدراسات السابقة ألتي قادت الى التعرف على مسببات الاحترار العالمي والظواهر الشاذه المصاحبة له في العالم إضافة الى الجهود الدولية الحالية في اجراء المزيد من البحوث عنها . وبعدها تطرقت الى ما يتطلبه الامر لفهم افضل لهذه الظواهر ومن ثم تلافي اثارها الكارثية على العالم .  ولم يغب عني أن اذكر في هذا البحث ان العراق هو من اكثر دول العالم تضررا من جراء تغيرات المناخ تلك ، ليس اقلها شحة السقيط المطري والجريان السطحي والتدهور في مصادر المياه الجوفية وتضافر كل ذلك في تدهور الزراعة و ازدياد مساحات التصحر والكثبان الرملية على حساب الأراضي الزراعية وأخيرا وليس اخر ازدياد تكرار وحدّة العواصف الرملية والغبارية ، مما يقود بالمحصلة الى هجرة السكان وتفاقم وضعية الامن الغذائي مستقبلا وتاثير كل ذلك على السلم الأهلي وتدهور حالة الانسان العراقي الى مستوى غير مسبوق في  التاريخ. ويستدعي كل هذا حلولا عملية وجذرية من واجب الحكومة العراقية ان تبدأ باتخاذها بموجب خطوات مدروسة منذ الان. وقد ولقد سبق لي ومجموعة من الزملاء ومنهم الأستاذ الاكاديمي نضيرالانصاري والخبير الأستاذ فاروجان سيساكيان ان نشرنا العديد من أوراق البحوث فيما يجب اتخاذه من إجراءات عملية لتلافي الكارثة فضلا عما قدمناه في المؤتمرات والندوات الدولية .

لذا فقد استعرضت في البحث المنوه عنه مجالات وأنواع البحوث الواجب القيام بها الان لتحديد الخطوات الواجب اتخاذها الان من اجل جعل تلك الخطوات العملية تأتي بثمارها. ومن سوء الحظ فان توصيات البحث هذا لم تدرج في مقررات وتوصيات ألمؤتمر ، مما يقودني للاعتقاد ان ذلك جاء سهوا بسبب الكم الكبير من أوراق البحوث المقدمة التي تجاورز عددها المائة والسبعون بحثا وعلمي بحرص القائمين على المؤتمر بعدم اغفال أي شيء وذلك لتمتعهم بدرجة عالية من المؤهلات العلمية والخبرة . لذا وحرصا مني على تعميم الفائدة اوجز ادناه اهم توصيات البحث فيما يخص العراق حصرا.

اولاً : على المستوى الإقليمي وحيث ان الظواهر السلبية لتغير المناخ عابرة للحدود فعلى العراق أخذ زمام المبادرة والقيام بدعوة جميع دول الشرق الأوسط إلى إنشاء لجنة حكومية إقليمية لبحوث تغير المناخ على غرار اللجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ  (IPCC) ، والتي يمكن أن يطلق عليها اللجنة الحكومية لتغير المناخ لأقليم الشرق الأوسط  (ME-IPCC) ويكون هذا بدعم من(IPCC) نفسها والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ( (WMOوبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) وتتمثل مهمة اللجنة في تنسيق قضايا السياسات البيئية وزيادة جهود البحث العلمي وتشجيعه في مجالات تغير المناخ واثاره السلبية في جميع الدول الأعضاء ، كما تعمل أيضا على تجميع قواعد البيانات وتحليل النتائج وجعلها متاحة للجميع ، خاصة وأن تأثيرات تغير المناخ لا تعرف حدودًا سياسية. وفي ذات الوقت تركيز اللجنة على تطوير نماذج إقليمية وعالمية لتغيرات المناخ باستخدام البيانات المحلية وإيجاد حلول للتأثيرات السلبية المتوقعة على البلدان الأعضاء ، وصياغة المقترحات والتوصيات لصانعي السياسات في الدول الأعضاء من اجل الالتزام بالإجراءات والسياسات المشتركة للتخفيف من وطأة الاثار السلبية ألمتوقعة .

ثانياً : اما على الصعيد الوطني فأن الحكومة العراقية مطالبة بأن تعمل على بناء القدرات العلمية ألوطنية من خلال تشجيع الأكاديميين والجامعات على التعامل مع جميع قضايا الآثار السلبية لتغير المناخ ، وذلك بالقيام بالبحث المتخصص وتشجيع التفاعل مع المجتمع العلمي العالمي بحضور المؤتمرات وورش العمل الدولية . وكذلك توفير التخصيصات المالية الوفيرة وتجهيز قدرات الحاسوب الكبيرة جدا لتطوير النماذج المناخية الجديدة وإجراء عمليات المحاكاة المعقدة المطلوبة. علاوة على الاستثمار في تربية جيل جديد من الباحثين المتخصصين من خلال توفير فرص الدراسات العليا داخل وخارج القطر . هذا أضافة الى تشجيع النشر في المجلات العلمية الوطنية والأجنبية المحكمة والرصينة والصرف على ذلك بسخاء.

ثالثاً : الصعيد الوطني كذلك هناك حاجة ماسة للقيام بما يلي:

  1. وضع خطة إستراتيجية جديدة لإدارة الموارد المائية والتربة ، حيث يجب ان تأخذ هذه الخطة بعين الاعتبار جميع تأثيرات تغير المناخ السلبية المتوقعة الحالية والمستقبلية وهو ما اغفلته الخطة الاستراتيجية الحالية (الدراسة الإيطالية) ، وفي ذات الوقت عدم اغفال اتخاذ مايلزم  لتحسين حصص العراق من موارد مياه نهري دجلة والفرات بقيام الحكومة العراقية ببذل الجهود المكثفة مع جميع البلدان المشاطئة معه في هذين النهرين وهي تركيا وسوريا وايران،  خاصة وان تغير ات المناخ في هذه الدول سوف تدفعها لامحالة الى استقطاع المزيد من حصص العراق المائية العادلة فوق ما تستقطعه الان من كميات مجحفة مما سيجعل الوضع أسوأ بكثير مما هو سيئ بالفعل الان ، وبالتالي يتوجب القيام  باجراء بحوث معمقة تظهر الاثار الكارثية على العراق في حالة عدم تقاسم الضرروذلك من اجل دعم موقف العراق في أي تفاوض مستقبلي مع هذه الدول حول قسمة المياه ، كما تدعم موقفه في المحافل الدولية اذا ما تطلب رفع الامر للقضاء او التحكيم الدوليين.
  2. قيام الحكومة ببذل جهود مضاعفة  للتخفيف من آثار تغير المناخ في كافة المجالات المسببة لشحة المياه ، لذا من الضروري إنشاء محطات بحوث ومشاريع تجريبية للوصول إلى حلول قابلة للتطبيق في ظروف العراق المناخية من اجل تقليص النفقات الرأسمالية والتشغيلية وزيادة الكفاءة في المجالات التالية:
  • تحسين طرق استخدام اساليب الري الحديثة.

ب- توفير مصادر إضافية وغير تقليدية للمياه كما في حصاد مياه الأمطار واستخدام مياه الصرف الصحي المعاد تدويرها وتطبيق طرق تحلية المياه على نطاق واسع والاستفادة من الطاقة الشمسية في ذلك تقليصا بالنفقات.

  1. إجراء مزيد من البحوث حول مكافحة التصحر والحفاظ على الغطاء النباتي للأرض ، وتقليل انتشار الكثبان الرملية ، وزيادة فهم ظاهرة العواصف الرملية وسبل الحد منها.
  2. القيام بالمزيد من الأبحاث في استخدام سلالات محاصيل زراعية ذات استهلاك مائي قليل ودرجة عالية من تحمل الجفاف ، وتجربة أفضل الدورات الزراعية لمثل هذه الحالات وخاصة للاستفادة القصوى من محتوى الرطوبة للتربة .
  3. تشجيع استخدام الصور الفضائية وأساليب الاستشعار النائي في البحوث المتعلقة بتحسين إدارة المياه وممارسات إدارة الأراضي ، وتحسين الغطاء النباتي وغيرها من المواضيع ذات العلاقة واتخاذ كل ما يلزم اتخاذه في هذا السبيل .
  4. تبني وتشجيع ألقيام بالبحوث المكثفة ألخاصة بموضوع ارتفاع مناسيب مستوى سطح البحر (SLR) بسبب تغير المناخ وازدياد ذوبان الثلوج القطبية وارنفاع مناسيب البحار والمحيطات المتوقع ، وهو ما يهدد بصورة كبيرة  الجزء الجنوبي من العراق والاضرار بكافة البنى التحتية هناك بما في ذلك حقول النفط والطرق والجسور والأراضي الزراعية وفو ق كل المراكز المدنبة من مدن وقصبات . حيث يجب القيام بذلك الآن من أجل الحصول على خطط جاهزة للتطبيق في مثل هذه الحالة.

 

المراجع

(1)Wikipedia. “List of countries by research and development spending”.

https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_countries_by_research_and_development_spending

(2) Al Zou’bi M, Mohamed – Nour S, El Kharraz J, Hasan N. “Chapter 17: The Arab States”. UNESCO Science Report “Towards 2030”. 430-469. UNESCO Publication.  https://en.unesco.org/sites/default/files/usr15_the_arab_states.pdf

(3) Khudair R, al-Abadi O K. “The role of research and development in economic growth Selected international experiences with reference to Iraq”. University of Karbala College of Management and Economics Department of Economics. 2018.

https://uokerbala.edu.iq/wp-content/uploads/2022/04/Rp_-The-role-of-research-and-development-in-economic-growth-Selected-international-experiences-with-reference-to-Iraq-pdf.pdf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى