لجنة الزراعة و الري

إدارة الموارد المائية عبر التقنيات النووية والنظيرية

إدارة الموارد المائية عبر التقنيات النووية والنظيرية

الدكتور المهندس كنعان عبد الجبار أبو كلل _ مهندس استشاري

عضو لجنة الزراعة والري ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

المقدمة :

توسم المياه طبيعيا ب” بصمات ” نظيرية يمكن استخدامها لتحديد مصادر المياه فوق سطح الأرض وتحته , وعمر هذه المياه وحركتها وتفاعلاتها . وتوفر هذه المياه الأساس العلمي اللازم لأدارة الموارد المائية بشكل سليم .

اصبح الأمن المائي – أي توفر المياه وجودتها وادارتها وحمايتها – مسألة حساسة بالنسبة الى التنمية البشرية والأستدامة البيئية والأقتصادية , لاسيما في ضوء النمو السكاني العالمي . وبذلك هناك تحدي من خلال منهجيات الهيدرولوجيا النظيرية المستندة الى العلوم ومن خلال التدريب التقني .

يعد الوصول الى مياه الشرب المأمونة والموثوقة عاملا رئيسيا في تلبية احتياجات السكان المتنامي عددهم والحفاظ على الصحة البشرية . كما انه يعٌد امرا بالغ الأهمية فيما يتعلق بالأنتاج المستدام للأغذية والطاقة , والصناعة وحماية البيئة . وتوفر التقنيات النووية النظيرية معلومات أساسية عن مصادر المياه والأثر البشري في البيئة .

ويروج الآن لتطبيق التقنيات النووية على جميع جوانب تقييم موارد المياه العذبة وإدارة المياه وحمايتها . والتدريب في مجال تحليل وقياس بيانات الهيدرولوجيا النظيرية .

التقنيات النووية والنظيرية في الزراعة :

تستخدم نحو 70% من الاستهلاك العالمي من المياه العذبة في القطاع الزراعي , بيد ان كفاءة استخدام المياه في العديد من البلدان تقل عن 50% . وتوفر التقنيات النووية والنظيرية بيانات عن استخدام المياه بما في ذلك الفواقد بسبب التبخر من التربة , وتساعد على تحديد المواعيد المثلى للري وتحسين كفاءة استخدام المياه .

وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة الدولية ان الأحتياجات العالمية من المياه لأغراض الزراعة سوف ترتفع بحلول عام 2050 م بمقدار 50% حتى تتسنى تلبية الطلب المتزايد على الغذاء بفعل الزيادة السكانية . ويشهد العالم تحول المياه العذبة الى مورد نادر على نحو متزايد , بسبب الإدارة غير السليمة والاستخدام العشوائي والمناخ المتغير .وتمثل ندرة المياه والمشاكل المتعلقة بنوعيتها في العديد من انحاء العالم تحديا خطيرا يتهدد الأمن الغذائي والاستدامة البيئية في المستقبل .

ويتطلب التصدي لهذه القضايا تحسين إدارة الأراضي والمياه . وبالاشتراك مع منظمة الأغذية والزراعة الدولية , تساعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدول الأعضاء في تطوير التكنولوجيات القائمة على المجال النووي والأخذ بها من اجل الارتقاء بممارسات إدارة المياه الزراعية الى المستوى الأمثل , بما يدعم تكثيف انتاج المحاصيل والمحافظة على الموارد الطبيعية .

وبغية ضمان الأمن الغذائي والإدارة المستدامة للمياه المستخدمة في الزراعة , ثمة حاجة ملحة لزيادة إنتاجية المحاصيل عن كل قطرة مياه تستخدم في القطاع الزراعي ومن ثم ضمان زيادة كفاءة استخدام المياه دون ان تكون لذلك آثار سلبية على كمية المياه ونوعيتها عند المصبات.

ويجب ان تستند التحسينات في التعامل مع موارد المياه الى نهج متكامل إزاء إدارة التربة والمياه والنباتات والمغذيات . وينبغي ان يشمل ذلك تحديد المواعيد المثلى للري والأخذ بنظم الري الأكثر كفاءة , مثل الري بالتنقيط ويتعين تحسين خصوبة التربة من اجل ضمان ألا يكون نمو المحاصيل مقيدا بسبب عقبات تتعلق بالمغذيات او عقبات مادية وان يكون من الممكن تحقيق الاستفادة الكاملة من كل قطرة مياه من اجل النمو . ويمكن تحقيق الكفاءة في امتصاص المحاصيل للمياه عن طريق تحديد مواعيد الري على أساس الطلب , على نحو يأخذ بنظر الاعتبار احتياجات مختلف المحاصيل من المياه ومراحل نموها والظروف البيئية السائدة .

ويمكن تحسين كفاءة استخدام المياه الزراعية عن طريق التقليل الى ادنى حد من فواقد الماء بفعل التبخر من التربة مقارنة بما يفقد بسبب نتح النباتات في الحقول , وتوفر القدرة على التقدير الكمي للتبخر من التربة ونتح النباتات معلومات عن كمية مياه الري اللازمة لأنواع المحاصيل ومراحل النمو المحددة , وتؤدي هذه المعلومات دورا رئيسيا في المحافظة على المياه وادارتها .

التقنيات النووية والنظيرية ومساهمتها في الزراعة :

تؤدي التقنيات النووية والنظيرية تؤدي دورا مهما في توفير المعلومات اللازمة لوضع استراتيجيات تحسين إدارة المياه الزراعية وكما يلي :

^ – تتيح البصمتان النظيريتان للأكسجين – 18 والهيدروجين – 2 في المياه المأخوذة من المحاصيل الحقلية الوقوف على توزيع مياه الري بين التبخر من التربة ونتح النباتات , ومن ثم توفير معلومات ضرورية لتحسين كفاءة استخدام المحاصيل للمياه .

^ – يعد قياس رطوبة التربة بالسبر النيوتروني أداة مثالية لقياس نسبة الماء في التربة في المناطق المجاورة مباشرة لجذور المحاصيل ,وهو مايوفر بيانات دقيقة عن توفير المياه . وتساعد هذه التقنية على تحديد المواعيد المثلى للري وهي الأداة الأكثر ملائمة لقياس رطوبة التربة في الظروف الملحية . كما تستخدم على نطاق واسع لمعايرة أجهزة استشعار الرطوبة التقليدية .

^ – تستخدم البصمة النظيرية للنيتروجين -15 لتتبع حركة الأسمدة النيتروجينية الموسمية في التربة والمحاصيل والمياه , وهو امر ضروري لتحديد العوامل التي يمكن ان تؤثر في كفاءة استخدام الأسمدة النيتروجينية وجودة المياه في المناطق الزراعية . تمكن البصمتان النظيريتان المجتمعتان للنيتروجين -15 والأوكسجين – 18 في النترات من تحديد وفصل مصادر التلوث بالنترات في احواض الصرف الزراعي .

^ – يستخدم السبر بنيوترونات الأشعة الكونية لتقييم تدفقات المياه على مستوى المناطق الطبيعية بهدف وضع استراتيجيات الإدارة المستدامة لاستخدام الأراضي والمياه .

 

تخصيص المياه :

يتطلب تقييم التخصيص المستدام للموارد المائية , سواء اكانت موجودة فوق سطح الأرض او تحته , معارف علمية سليمة بشأن توفير المياه وجودتها . ويمكن للأساليب النظيرية ان تساعد على توفير المعلومات اللازمة لإدارة هذه الموارد بفعالية وكفاءة .

توفر الأساليب النظيرية أدوات فعالة من حيث التكلفة وقوية ودقيقة لتحديد الروابط والتفاعلات الهيدرولوجية بين الأنهار ومستودعات المياه الجوفية الأقليمية . وتعد هذه المعلومات امرا جوهريا في صياغة القرارات المتعلقة بإدارة الموارد المائية , لاسيما عندما يتعلق الأمر بأنهار ومستودعات مياه جوفية عابرة للحدود . وتساعد المقتفيات النظيرية الطبيعية المستقرة والمشعة ,الى جانب النٌهج النظيرية التقليدية خلال عملية الأسترشاد بشأن اعتماد قرارات طويلة الأجل من هذا القبيل .

المياه الجوفية :

تعد المياه الجوفية اكبر مصدر للمياه العذبة بالنسبة الى البشرية . وتستخدم التقنيات النووية لتحديد منشأ المياه الجوفية ومعدلات تجددها , وهي معلومات يحصل عليها من خلال استخدام النظائر المستقرة والمشعة .

تمثل المياه الجوفية 30% من المياه العذبة المتاحة في العالم . وثمة نسبة إضافية تقدر ب69% من المياه العذبة محبوسة داخل الأغطية الجليدية القطبية , في حين ان مياه الأنهار والبحيرات تمثل فقط نسبة واحد بالمئة . وغالبا ما تكون المياه الجوفية مخفية في اغوار مستودعات المياه الجوفية والصخور النفاذية والرواسب ويتم استخراجها بأستخدام آبار الضخ . وفي كثير من الأحيان , يمكن ان تكون المستودعات الجوفية موارد مائية متجددة تتجدد ببطء عبر تسرب مياه الأمطار على مدى مئات او حتى آلاف من السنين .

وقد أدى العدد المتزايد من سكان العالم , الى جانب تزايد الزراعة المكثفة بقدر اكبر والاستخدامات الصناعية المتزايدة الى تزايد الطلب على المياه الجوفية . وقد تعين على المسؤولين عن الموارد المائية في العديد من المناطق التعامل مع فرط استغلال مستودعات المياه الجوفية التي يسهل الوصول اليها وهم غالبا مايكونون مجبرين على الاعتماد على مصادر المياه الجوفية العميقة القديمة لضمان امدادات موثوقة بالمياه العذبة .

ويضاف الى ذلك التهديدات المرتبطة بانسكاب الملوثات والسموم في المياه الجوفية , مثل الانسحابات الناجمة عن الزراعة او الصناعة او الأنشطة الحضرية .

ويعد اجراء تقييم علمي لمنشأ مستودعات المياه الجوفية ونسب تجددها امرا في غاية الأهمية لكي تؤدي هذه المستودعات وظيفتها وتتيح امدادات مائية موثوقة على المدى الطويل . ويمكن استخدام النظائر المستقرة والمشعة الموجودة طبيعيا في المياه الجوفية لمعرفة المزيد عن منشأ المياه الجوفية ومعدلات تجددها . ويتم استخدام نظائر الماء ( الهيدروجين والأوكسجين ) والنظائر المشعة ( التريتيوم ) , والكربون المذاب ( الكربون – 14 ) والغازات الخاملة

( الهليوم -3 , والهليوم 4 , والكربتون – 81 ) لتقدير اعمار المياه الجوفية .

ويعتبر التعامل مع تلوث المياه الجوفية امرا اكثر تعقيدا نظرا الى شدة صعوبة التصدي لتلوث مستودعات المياه الجوفية . وتستخدم المقتفيات النظيرية المستقرة والمشعة ( النيتروجين- 15 , والكربون -13 , والتريتيوم ) للمساعدة على تحديد مصادر الملوثات وقياس عدد التحولات التي تطرأ على الملوثات الموجودة في نظم مستودعات المياه الجوفية , ودرجات تحللها الأحيائي .

الأنهار:

تشكل الأنهار اقل من واحد بالمئة من جميع المياه العذبة المتوفرة . ولكنها تمثل عاملا مركزيا للبشرية من حيث الأمداد بالمياه , والطاقة والنقل . وتعد النظائر المستقرة من المقتفيات القوية لدراسة تفاعلات المياه الجوفية ومياه الأنهار , وتقييم وديناميات المغذيات المائية , وتحديد التوازن المائي لمستجمعات المياه وتناول مسائل دايناميات الترسيب .

لا يمكن الغلو في تقدير الأهمية التي تكتسبها الأنهار بالنسبة للبشرية . فقد كانت الأنهار من الأصول الاستراتيجية بالنسبة الى مختلف الحضارات منذ العصور القديمة , كما انها مثلت موارد للبشر عبر الحدود والتخوم .

وفي اطار الدورة الهيدرولوجية العالمية , تعمل الأنهار كأنابيب تجلب الأمطار والثلوج والجليد والمياه الجوفية الى العالم . بيد ان عوامل التلوث , وبناء السدود والخزانات وممارسات الري الزراعي المكثف غيرت بشكل كبير معظم اكبر ألأنهار ومستجمعات المياه في العالم . كما ان هذه العوامل اثرت في معدلات تصريف تدفقات المياه وموسميتها , وساهمت في تدهور جودة المياه, والحقت اضرارا بالموائل المائية الحساسة .

وثمة قدر هائل من الاهتمام الدولي بالمعلومات العلمية التي تساعد في مجال القيادة التعاونية لمياه الأنهار  . فباستخدام نظائر الأوكسجين والهيدروجين , يمكن تتبع مصادر مياه الأنهار , في حين ان النيتروجين والكربون والنظائر الكبريتية وغيرها من البارامترات الجيوكيميائية تقيٌد دايناميات المغذيات والرواسب في احواض البحيرات وتساعد على نمذجتها . وبغية تحسين فهمنا العالمي بشأن الأنهار استحدثت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أداة الكترونية خاصة بالموارد تتضمن معلومات من هذا القبيل , وهي الشبكة العالمية لاستخدام النظائر في دراسة الأنهار .

توفير المياه :

تستخدم المقتفيات النظيرية المستقرة والمشعة في الدراسات الهيدرولوجية الواسعة النطاق كأدوات قوية لتقييم كمية المياه ومنشئها وما اذا كان القدر الذي يتم استخراجه مستداما ام لا. وتساعد هذه الأدوات على رسم خرائط موارد المياه وعلى الحصول على معلومات دقيقة عن توفرها .

غالبا ما تشمل التقييمات الشاملة للموارد المائية الرسم النظيري لخرائط موارد المياه في اطار حدود زمانية ومكانية مختلفة . وتسعى هذه التقييمات الى ملء الفجوات المعرفية القائمة عندما يتعلق الأمر باستغلال الموارد المائية على نحو شامل ومستدام . ويمكن ان يشمل ذلك جوانب متنوعة من قبيل حجم مستودعات المياه الجوفية , والجيولوجيا , وخصائص التدفق , وجودة المياه , وعمر المياه , والخزن ومعدلات الاستخراج المحتملة للمياه . وتتمثل العوامل الرئيسية لتجنب معدلات مرتفعة جدا فيما يتعلق باستخراج المياه من الأنهار في تحديد مدى توازن مياه الأنهار , وجريانها , وتفاعلاتها مع المياه الجوفية .

وتستخدم المقتفيات النظيرية الطبيعية المنشأ الى جانب النٌهج النظيرية التقليدية للكشف عن المعلومات الحيوية بشأن توفر الموارد المائية . وقد وضعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروع مبادرة لتعزيز توفر المياه بغية تعزيز القدرات الوطنية على جمع بيانات الموارد المائية وادارتها وتفسيرها واستخدام التقنيات المتقدمة لتحسين إدارة الموارد المائية . وهذا المشروع هو مثال جيد عن الكيفية التي يمكن بها للبلدان تحديد الفجوات الكامنة في المعلومات الهيدرولوجية واستخدام النٌهج النظيرية لبلورة فهم شامل لمسألة توفر المياه على الصعيد الوطني .

 

— المصادر نشرات وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى