اللجنة القانونية

العدالة الجنائية التوافقية

العدالة الجنائية التوافقية

المستشار سعيد النعمان

عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات ، اللجنة القانونية

سبق أن نشر لنا موقع المنتدى مقالات ودراسات عن العدالة المطلقة والعدالة النسبية والعدالة الانتقالية والعدالة الاجتماعية . في هذا المقال سأتناول صورة أخرى من صور العدالة الأ وهي العدالة الجنائية التوافقية أو ما يطلق عليها بالعدالة التصالحية والتي تعرف بأنها ( اللجؤ إلى المجتمع في التعامل مع الجريمة والانحراف أو هي استجابة للجريمة بطريقة تعزز إعادة الحالة إلى طبيعتها وتوفق بين جميع الإطراف المتضررة من الجريمة ) وهي ليست البديل عن العدالة الجنائية بل هي تعمل إلى جانبها . وأن الشريعة الإسلامية الغراء أجازت الصلح والتراضي والصفح والعفو في جرائم الدم بقصد وأد الرغبة في الانتقام والثأر .

والعدالة التوافقية تعالج القضايا الجنائية بالحوار والتوافق والتصالح والتوفيق بين أطراف النزاع وتحديدا في الجرائم الجنائية وهي لا تتم إلا بمشاركة جادة من الإطراف النافذة والقادرة على تعويض المجني عليهم وتعقب الجريمة وتزيل أثأرها وأضرارها . ولكي نقيم تطبيقات هذه العدالة في العراق نجدها رائدة ونافذة بسبب عدم قناعة المجتمع العراقي بإجراءات التحقيق والمحاكمات المطولة وشدة العقوبة والغرامة والتعويض المغالى فيه في دعاوى الجنح والجنايات وتأخير حسمها . وزحمة السجون ومؤسسات الإصلاح وارتفاع تكاليف نظام تطبيق العدالة العقابية .

كما أن العدالة التوافقية تؤدي إلى تطبيق القواعد المنظمة لحقوق المحكومين والمتضررين من الضحايا وبعدالة متوازنة دون التعسف في استخدام السلطة وإجراءاتها الميدانية وكذلك التخفيف من الحماية المرهقة للأجهزة الشرطية والأمنية والحد من أعباء وتراكم الدعوى .

والملفت للنظر أن المشرع منح المساحة الكافية لتطبيق هذه العدالة التوافقية ففي قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته تضمنت المادة ( 130/ا ) التنازل عن الشكوى وكذلك نجد أن المادة 194 تضمنت (يقبل الصلح بقرار من حاكم التحقيق أو المحكمة أذا طلب المجني عليه أو من يقوم مقامه قانونا في الدعاوى التي يتوقف تحريكها على شكوى المجني عليه وفق الأحكام المبينة في المواد (195 ولغاية 198) والتي تناولت الإلية لتطبيق المادة (194) وكذلك ورد الصلح والتنازل عن الشكوى في المادة ( 9) كما ورد الصلح في الدعاوى المدنية في المادة ( 698 ) من القانون المدني رقم (40 ) لسنة 1951) وأن هذه المواد شرعت للحد من الجريمة والعقاب والتقليل من الإضرار الناجمة عنها . وهي أيضا بمثابة وسيلة لمعالجة النزاعات الجنائية وترسيخ الحوار والتسامح بين إفراد المجتمع والتقليل من العداوات والحد من تفشي الخصومة .

لقد كان لرؤساء العشائر والمشايخ وأعمدة القوم دورا جوهريا في المعاونة والمساعدة لفض النزاعات المسلحة الى جانب السلطة وأجهزتها في تحقيق أهداف العدالة التوافقية وتعزيز الأمن الاجتماعي والمساهمة في تعويض الإضرار الشخصية وإعادة الاعتبار للمجني عليهم وذويهم بعد تحديد الآثار الضارة للجريمة . كما أن الإسلام أساسه المحبة والوئام  والقران الكريم حث على الصلح بين المتخاصمين في آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله أن كنتم مؤمنين ) سؤره الأنفال الآية 1. وقوله تعالى ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) سؤره الحجرات الآية 9 . وقوله تعالى ( وليعفوا وليصفحوا إلا تحبون أن يغفر الله لكم ) سؤره النور الآية 22 . وقوله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فأجره على الله ) سؤره الشورى الآية 50 .

وهناك آيات عديدة لا يسع المجال إلى ذكرها وبالإمكان الرجوع القران الكريم . وللرسول المصطفى أحادث نبوية شريفة كثر عن الصلح والعفو والتسامح والصفح والمؤدىة والرحمة والتعاطف منها ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) ( اسمح يسمح لك ) ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )  أن الله تعالى عفو يحب العفو ) (أفشوا السلام واطعموا الطعام وكونوا أخوانا كما أمركم الله )  وألان نعرض أهم التوصيات التي تكونت لدينا بعد هذا الإيجاز: ـ

1 ـ أن وضع نظام خاص بالعدالة الجنائية التوافقية في غاية الأهمية متضمنتا الوساطة الجنائية والصلح الجنائي والفصل العشائري وبإشراف وتوجيه الدولة ومؤسساتها العدلية والشرطية .

2ـ تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في ترسيخ خطواتها الجريئة مواجهة الجريمة ومخرجاتها وصولا إلى تحقيق العدالة التوافقية وحصد ثمارها .

3ـ ضرورة وضع مناهج خاصة بالعدالة التوافقية في التعليم العالي وكليات الشرطة والمعهد القضائي تتضمن أسس وقواعد العدالة القيمية والنوعية لنظام العدالة التوافقية ومبرراتها ونتائجها .

4 ـ التوسع في نطاق الشكوى والتنازل عنها في دعاوى الحق الشخصي المنصوص عليها في المادة ( 3 أ الفقرة 3 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتوسع في شمول الأقرباء إلى الدرجة الرابعة .

5 ـ تفعيل دور نقابة المحامين في تطبيق العدالة التوافقية وبالذات وكلاء أطراف الدعوى باتجاه بذل الجهود للتراضي والمصالحة والتنازل عن جزء من إتعاب المحاماة  .

6 ـ ضرورة دعم الحكومة لشيوخ العشائر في تحقيق المصالحة بين أطراف النزاع بكل الوسائل المتاحة ماديا ومعنويا . فهم يمثلون إطراف الخصومة ولديهم الخبرة والتجربة ومحل احترام من الجميع . والإسراع في تشريع قانون مجالس القبائل والعشائر الذي وضعت مسودته منذ عام 2016 .

7ـ أن تتضمن قرارات العفو محاضر الصلح والتنازل الموقعة من قبل الفرقاء والمصدقة من قبل مختار المحلة وكاتب العدل قبل أخلاء سبيل المحكومين من قبل اللجنة التي تقوم بتنفيذ هذه القرارات .

8 ـ نقترح على مجلس القضاء الأعلى بأن يصدر تعميما إلى السادة القضاة بأن لا يكونون طرفا في المصالحة بين الخصوم كي لا يتعرضون إلى النقد والشبهة وعدم الحياد وبالذات في الدعاوى التي ينظرونها أو حتى في غيرها حفاظا على مبدأ استقلال القضاء وسمعته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى