اللجنة القانونية

الدكات العشائرية ومشروع قانون العشائر

الدكات العشائرية ومشروع قانون العشائر

المستشار سعيد النعمان ، عضو اللجنة القانونية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

لقد عادت ظاهرة الدكات العشائرية وتصاعدت خلال هذه الفترة مع اقتراب الانتخابات النيابية وبقوة مع استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة أحيانا في عددا من المحافظات الجنوبية حتى شملت المحافظة بغداد وإطرافها . وهذه الظاهرة خطيرة ومؤذية وهي نتيجة العودة إلى التخلف والجهل والفتنة بين العشائر التي غابت عن البعض من مشايخها ووجهائها الحكمة والتروي والصبر  في حل الأمور المختلف عليها  بين أفرادها وغياب السلوك الحضاري في التعامل مع أبناء عشائرهم.

كما إن هذه الظاهرة تعتبر من الجرائم الجسيمة التي يعاقب عليها القانون بعقوبات غليظة لا أنها تتحدى هيبة الدولة وتقاليد وقيم العشيرة وتعبث بالأمن المجتمعي في غياب الحكومة وأجهزتها الأمنية ومؤسسات الدولة الأخرى .

كما يلاحظ إن المادة (45 الفقرة / ثانيا ) من دستور 2005 ألزمت الدولة على النهوض بالعشائر والاهتمام بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون والقيم الإنسانية وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان . ولم يبخل مجلس القضاء الأعلى في مساندة الحكومة فقد وجه القضاة بان التكييف القانوني للدكات العشائرية  توازي جريمة الإرهاب وفقا للمادة ( 4 ) من قانون مكافحة الإرهاب رقم (13 لسنة 2005 ) . ومع ذلك فان هذه الجريمة ما زالت مستمرة طالما إن قضاء الدولة أصبح له أكثر من منافس في إصدار القرارات والإحكام أوعدم تنفيذها وان قراراته باتت غير ملزمة لهذه العشائر التي تطبق القانون العرفي العشائري . وفي خضم تصاعد النزاع بين الدولة والعشيرة وبغية حل النزاع تمت القراءة الأولى لمشروع قانون مجلس قبائل وعشائر العراق من قبل مجلس النواب في1/12/ 2016 لقد تضمن المشروع التأسيس والأهداف وتشكيل المجلس ومهامه وصلاحياته وأحكام عامة وختامية والأسباب الموجبة التي استندت إلى المادة 45 الدستورية .

وحسنا فعلت لجنة الصياغة تأجيل القراءة الثانية إلى أجلا غير مسمى وبطلب من لجنة العشائر النيابية بالتريث في طرحه على التصويت ولأسباب عدة منها شكلية وأخرى موضوعية وعلى الرغم كون العشائر قوة مجتمعية مؤثرة إلا أنها مازالت تعمل بعقلية مخالفة لمدنية الدولة وسيادة القانون وتتحكم في شؤون المواطنين . وعندما يتكرر الحديث ومنذ سنوات عن السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة إلا إننا لم نسمع تصريحا وحتى تلميحا من قبل الحكومات السابقة وحكومة السيد ألكاظمي بحصر سلاح العشائر الثقيل والمتوسط بيد الدولة ويعود ذلك إلى عدم رغبة الحكومة بفتح أبواب جديدة قبل أجراء الانتخابات المبكرة. إن تشريع قانون مجلس قبائل وعشائر العراق يتعارض مع روح الدستور والقوانين النافذة التي تؤسس إلى بناء دولة القانون والدولة المدنية العادلة والضامنة للحقوق والحريات. كما إن هذا المشروع يكرس دور العشيرة على حساب مبدأ المواطنة ويتقاطع مع الكثير من القوانين التي تقيد وتحد من دور العشائر ضمن مؤسسات الدولة .

وفي حالة تشريع هذا القانون سيضع المواطن في حيرة من أمره إلى من يلجأ في حالة اندلاع نزاع مدني أو جزائي مع الغير إلى قانون العشيرة المقترح أم إلى القضاء والمحاكم المعترف بها دستوريا وقانونيا . ويجب إن تكون مهام شيوخ ووجهاء وحكماء العشائر العمل على إرساء دعائم العفو والصلح والصفح والتسامح التي هي أعلى مراتب الأخلاق السامية والتقاليد والعادات العشائرية التي تغذي المجتمع بالخير والرفاهية للجميع . إن العراق ليس بحاجة إلى صياغة قوانين تتعارض مع السلطة القضائية المستقلة وتتدخل في شؤونها لإضعافها والنيل منها ولو رغب المشرع الدستوري في صياغة قانون العشائر لأضاف عبارة وينظم ذلك بقانون إلى نص المادة (45/ الفقرة ثانيا ) كما فعل بالنسبة لعددا من النصوص الدستورية . ويبقى دور العشيرة مهما وجوهريا في المشاركة في توطيد أعمدة الأمن والأمان كوظيفة اجتماعية بعيدا عن استخدام السلاح في حل النزاعات والخلافات دون الحاجة إلى قوانين مكتوبة .

أذن لا نجد مبرر إلى تشريع هذا القانون فالعراق بحاجة إلى تشريعات جديدة وحديثة وحضارية تعزز وترسخ الحياة المجتمعية الآمنة والمستقرة وتأكيد الولاء للوطن والهوية الوطنية ومدنية الدولة والعدالة القضائية وبسط سلطة الدستور وتطبيق نظرية قوة القانون لا قانون القوة على الجميع حاكما ومحكوما .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى