اللجنة القانونية

الجهات الفاعلة داخل الدولة ـــ مفهومها وسماتها

الجهات الفاعلة داخل الدولة ـــ مفهومها وسماتها

الدكتور ميثاق غازي فيصل الدوري

عضو اللجنة القانونية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

     تغيرت سمة الصراعات من صراعات دولية الى صراعات داخلية تطور ملحوظ في نطاق الصراعات, ومن ابرز معالم هذا التطور بروز الجهات الفاعلة من غير الدول طرفا في الصراعات الداخلية, وهذا ما دعا الامين العام للأمم المتحدة الاسبق الى الاشارة الى دورها في  تقريره ” عالم اكثر امنا“, فالحاجة الملحة الى منع خرق القانون الدولي الانساني وكذلك مساءلة من يرتكب الافعال المجرمة الواردة فيه, كل ذلك دعا الامين العام للأمن المتحدة الى التركيز على الدور المتعاظم للجهات الفاعلة من غير الدول في اذكاء تلك الانتهاكات وتعاظم جسامتها بحق المدنيين.

ومنذ صدور ذلك التقرير اضحى البحث عن تحديد لمفهومها امرا لابد منه كيما تتحدد ملامحها وتتضح عناصرها وتبرز خصائصها, وتعرف الجهة الفاعلة داخل الدولة بانها” مجموعة منظمة تنظيما رسميا او غير رسمي تستخدم القوة ضد المدنيين غير المنظمين, وتقتل(25) مدنياً غير مسلح في العام الواحد من خلال هجمات يومية ضيقة النطاق”

والملاحظ على هذا التعريف ان الجهات الفاعلة داخل الدولة يمكن ان تكون منظمة تنظيما

رسميا كالأجنحة المسلحة لبعض الاحزاب السياسية الحاكمة او المعارضة ومثالها الحركات المسلحة او حركات التمرد, كما ان استخدامها للقوة جاء وبحسب التعريف مطلقا فقد يستخدم اثناء الصراعات او بدونها, وان المعيار الذي استند اليه التعريف وهو قتل(25) مدنيا, ويستوي ان تقتل المدنيين داخل الدولة ام خارج حدودها فقد تنتقل احدى الجماعات المسلحة الى دولة مجاورة فتقتل المدنيين هناك, او تكون مدعومة من احدى الدول للمشاركة في الصراع, الا ان العدد المشروط لتحقق المعيار امر محل نظر لان المحكمة الجنائية الدولية اسندت تهمة ارتكاب جريمة ضد الانسانية للقائد (Tadetch) وقد اعترف بقتل شخص مدني واحد.

كما انها عُرِفت بانها مجموعات مسلحة او غير مسلحة منظمة تستخدم القوة ضد المدنيين او غير المسلحين وتقتل 10-12 مدنيا او غير مسلح في العام الواحد من خلال هجمات تقوم بها. ويمتاز هذا التعريف بانه جاء بمعيار التَسَلُح وغير التَسَلُح لِعَد الجهة فاعلة من عدمها فالجهات المسلحة هي جهات فاعلة داخل الدولة, اما الجهات غير المسلحة فهي ايضا جهات فاعلة لكن دورها يختلف من حيث الطبيعة فهي قد تؤثر في اقتصاد الدولة كجماعات الضغط الاقتصادية, او تؤثر في القرار السياسي للدولة كجماعات الضغط السياسية, وجاء التعريف كذلك ليقرر ان القتلى يمكن ان يكونوا من المدنيين او من افراد القوات المسلحة الذين القَوا سلاحهم وانظموا الى صفوف المدنيين خلال الصراعات المسلحة, وبهذا فان التعريف شمل الافعال التي ترتكبها تلك الجهات بنطاق حماية القانون الدولي الانساني.

ويصنف برنامج ابسالا لبيانات الجهات الفاعلة داخل الدولة الى ثلاثة انواع هي: الجهات المنظمة تنظيماً رسمياً” وهي جهات منظمة متمردة ذات مستوى مرتفع من التنظيم بالقدر الكافي لأدراجها في فئة الصراعات المسلحة داخل الدولة, وتشمل الجماعات المتمردة التي لها اسم معلن, بالإضافة الى الفصائل العسكرية, ومثالها الاذرع العسكرية لبعض الاحزاب السياسية التي لم تشترك في الحكومة, او الاحزاب السياسية المشاركة في الحكومة ولها جناح عسكري, ” الجهات المنظمة تنظيماً غير رسمي” وهي جماعات تتكون من مؤيدين او منتمين لأحزاب سياسية, والشائع الا تكون منظمة للقتال دائما؛ لكنها تستخدم هياكلها التنظيمية لهذا الغرض غالباً,. “الجماعات الاثنية او الدينية المنظمة تنظيماً غير رسمي “وهي الجماعات التي تتقاسم الهوية المشتركة وفقاً للاتجاهات الدينية او الاثنية او العشائرية او القومية او القبلية, وهي ليست منظمة دائماً للقتال ولكنها تنتظم للمشاركة فيه احياناً”, ومثالها تنظيم القاعدة وتنظيم داعش( ISiS) وجماعة بوكو حرام.

لابد لتصنيف هذه الجهة على انها جهة فاعلة من عدمه ان تتسم هذه الجهة بسمات معينة تفرقها عن غيرها من الجهات, وهذا ما سنبينه في ادناه:

اولا. ان تكون لها علامة مميزة: وجود العلامة المميزة احد العناصر المميزة للجهات الفاعلة داخل الدولة, هذه العلامة المميزة قد تكون راية تتخذها الجهة او ملابس خاصة يرتديها اعضائها, او قد تكون شارة يحملها افرادها, ومثال ذلك ما تتخذه بعض اجنحة الاحزاب من اعلام, وكذلك الراية السوداء لتنظيم داعش. والملاحظ ان العلامات المميزة للجهات الفاعلة تختلف باختلاف ايدولوجيتها, فنجد الجماعات المنظمة تنظيما سياسيا تكون علاماتها المميزة قريبة جدا من العلامات المميزة للقوات المسلحة النظامية, ومثالها الجيش الحر في سوريا فأعضاء الجيش يحملون الرتب العسكرية ويرتدون ملابس نظامية. اما الجهات الفاعلة الراديكالية فلها علامات خاصة فهي ترتدي ازياء تتناسب مع الايدولوجية التي تتبناها, كما ان العلامة المميزة لأعضائها شعر الراس الطويل والذقن الطويل, ووضع العمامة على الرأس, وهذا ما نلاحظه على اعضاء تنظيم داعش.

 

ثانيا. الهدف الذي تتغياه: تتغيا الجهات الفاعلة داخل الدولة الوصول الى السلطة او فرض سلطتها على جزء من اقليم الدولة, وقد تتوخى اثارة العنف بين بعض الفئات من الشعب, او تتوخى ظرب الدولة في اهم اركانها من خلال اضعاف دور مؤسسات الدولة.

والملاحظ ان الغاية تختلف باختلاف نوع الجهة الفاعلة, فالجهات الراديكالية غالبا ما تتغيا

اشاعة الذعر واقصاء المختلفين معها مذهبيا, كما ان غاية الجهات المنظمة تنظيما سياسيا هي ازالة النظام السياسي والحلول محله.

 

ثالثا. عدد الضحايا: يشترط البعض لإطلاق وصف الجهة الفاعلة على هذا الفصيل او ذاك ان يكون عدد ضحاياه (25) شخص فاكثر في العام الواحد, بينما يشترط البعض الاخر ان يكون عدد ضحاياه ( 10- 12) شخص في العام الواحد, هذه الاعداد يشترط فيها ان يكون الضحايا قتلى, أي يمكن ان يكون بالإضافة الى القتلى مفقودين ومغيبين قسريا.

الا اننا نلحظ ان معيار تمييز هذه الجهة الفاعلة عن تلك يكون بطريقة ارتكاب الجرائم بحق الضحايا, فالجهات الراديكالية تكون طريقة ارتكابها للجريمة بوحشية مفرطة, فالقتل يكون نحرا او حرقا او اغراقا, ومثال ذلك ضحايا تنظيم داعش. وقد يكون التغييب القسري والاخفاء والاتجار بالبشر, فيجري تغييب اعداد كبيرة واخفائهم في اماكن غير معروفة.

 

رابعا. الايدولوجية: تُعَد الجماعات الراديكالية سواء اكانت دينية ام اثنية ام عرقية من الجهات الفاعلة من غير الدول, وتتسم هذه الجماعات بانها مُعَبئة ايدلوجيا, سواء اكانت الايدولوجية التي تعتنقها دينية كما هو حال الجماعات المتطرفة, فهي بالإضافة الى كونها جماعات دينية مؤدلجة يتم تعبئتها مذهبيا, ومثالها البارز تنظيم داعش, كما قد تؤدلج تلك الجماعات عرقيا كما حصل في الجماعات الصربية.

 

خامسا. خرق القانون الدولي الانساني: هذه السمة من اهم السمات التي تتسم بها الجهات الفاعلة من غير الدول, فهي لا تخضع للقانون الدولي الانساني في الصراعات التي تخوضها, فهي تقتل المدنيين العزل وتهجرهم وتخفيهم قسريا, وتمارس ذات الاعمال بحق من ألقوا اسلحتهم من افراد القوات المسلحة المتصارعة, كما انها تخرب الاعيان المدنية والدينية وتهدمها, وهذا كله يشكل خرقا للقانون الدولي الانساني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى