اللجنة الاقتصادية

هل أصبحت تركيا وجهة “carry-trade” المفضَّلة؟

شوان زنگنه

عضو اللجنة الاقتصادية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

خبير سياسي واقتصادي ، مُحكَّم ومستشار شرعي ، مستشار حكومي سابق

18/12/2023

“كاري- تريد”، “carry-trade”، هي المتاجرة بفروق الفوائد، يمارسها المستثمر الباحث عن الربح الوفير، إذ يقوم بالاقتراض بفائدة منخفضة من جهة مالية في دولة ما، وإيداع المبلغ المقترَض لدى جهة مالية في دولة أخرى، بسعر فائدة أعلى، لنفس الفترة، والاستفادة من فرق سعر الفائدة بينهما.

ويبدو أن سعر الفائدة المرتفع في تركيا على ودائع الليرة لدى البنوك التركية، واستقرار سعر صرف الليرة في مستويات محدودة ومنضبطة في المدى القصير (سنة واحدة)، قد أنعش تجارة “الكاري- تريد”، أو تجارة فروق أسعار الفائدة، وهو ما أشار إليه العديد من البنوك العالمية الرزينة، كبنوك (Goldman Sachs, JPMorgan, Deutsche Bank, وUBS).

وبحساب بسيط، يتبين لنا، أنه هناك احتمال كبير لجني أرباح بحدود 15%، إذا ما تم الاستثمار في هذه التجارة، بل ويَتوقّع بنك JP Morgan ربحا بحدود 20%.

فلو علمنا أن معدل الفائدة السنوي على الاقتراض من البنوك الأمريكية هي بحدود 7%، وأن معدل عوائد الفوائد السنوي على الإيداع في البنوك التركية هي 50%، وأن سعر صرف الدولار اليوم هو 29 ليرة تركية، وأن توقّع البنك المركزي التركي لسعر صرف الليرة في نهاية عام 2024م هو حوالي 36 ليرة تركية، فإننا سوف نتواجه مع ربح وفير من فروق أسعار الفوائد، وكالآتي:

لنفرض أن مستثمرا اقترض، اليوم، دولارا واحدا (مثلا) من بنك أمريكي بفائدة سنوية مقدارها 7%، وهذا يعني أنه سيسدّد دينه بمقدار 1.07 دولار للبنك بعد سنة واحدة، ثم قام بصرف هذا الدولار الذي اقترضه إلى ليرة تركية بسعر اليوم البالغ 29 ليرة تركية، وأودع ليراته الـ(29) في أي بنك تركي، فإنه سيحصل بعد سنة واحدة على: 29×1.5%= 43.5 ليرة تركية، باعتبار سعر فائدة مقداره 50% على وديعة الليرة.

وإذا كان سعر صرف الدولار بعد سنة، حسب توقعات البنك المركزي التركي، هو 36 ليرة، وبتحويل مبلغ 43.5 ليرة الى دولار بسعر صرف 36 ليرة، فان المستثمر سيحصل على: 43.5÷36= 1.208 دولار بعد سنة، فيكون ربحه حينئذ: 1.208-1.07=0.138 دولار، وهو يعادل حوالي 14% من أصل استثماره البالغ دولار واحد المذكور في المثال أعلاه.

توقعات البنوك الأمريكية والأوروبية أعلاه، بخصوص استقرار الليرة، وقدرة رفع سعر الفائدة في تركيا على خفض نسبة التضخم، بموازاة الانخفاض الملموس الذي سيحصل بعد منتصف العام القادم نتيجة قياسه بنسب التضخم لنفس الفترة من العام الحالي، والذي يُتوَقَّع أن يكون بحدود 40%- 45%، بالإضافة إلى انخفاض مؤشر مخاطر عدم سداد الديون ( (CDSإلى ما دون 300 نقطة، توحي بظهور قناعة لدى الأسواق المالية العالمية بسياسة الثنائي: محمد شمشك وحفيظة أركان، المالية والنقدية، وأنها تسير بالاتجاه الصحيح، وأن السيد أردوغان قد وسّع ساحة المناورة لهما بالقدر الكافي لإرساء قواعد الاقتصاد التركي على أسس عقلانية وواقعية رصينة.

وأعتقد أن هذه القناعة، ستدفع الرأسمال الأجنبي، الغربي والعربي، إلى الاستثمار في عدة مجالات استثمارية في تركيا، كالاتصالات والموانئ والمصارف وبورصة إسطنبول، وغيرها، وهذا يعني تعزيز الاحتياطي المركزي بالعملة الصعبة، وهو ما يؤدي، حتما إلى تقوية الليرة التركية، وتقليل حدة انخفاضها تجاه الدولار الأمريكي، والعملات الأخرى.

إلا أنني، في الوقت نفسه، أعتقد أن هذه الأموال المتوقع ضخّها إلى الاقتصاد التركي، سوف لن تساهم بشكل ملموس في الإنتاج والتصدير، وتخفيف العجز في الميزان التجاري، بينما ستؤثر إيجابا على الحساب الجاري، وستخفف من حدة العجز فيه.

وإذا تمكّنَ الثنائي “شمشك-أركان” من الاستمرار في مسيرتهما الاقتصادية الأرثدوكسية، وفق المبادئ الاقتصادية السائدة، وقدّمَ علاجات لفكِّ رِبقَة التصدير من تسلّط الاستيراد، ووَضعَ خططا حقيقية كفيلة بتخفيف وطأة التضخم، من حيث الكلفة والطلب، وسعر الصرف الذي أتوقّعُ السيطرةَ عليه بشكل أكفأ بعد ضخّ كميات كبيرة من النقد الأجنبي، فإن الوضع الاقتصادي، بعد الانتخابات المحلية التي ستجري في آذار من العام القادم، سيسير نحو الاستقرار، في ظل التوقعات الإيجابية للأسواق العالمية، وبالتالي، قد يكون العام 2025م، عام البدء بالخروج من الأزمات الاقتصادية.

ويجدر الإشارة هنا إلى الوجه الشرعي للمتاجرة بفروق الفوائد “carry-trade”، فهي توظيف للنقد بهدف جني الأرباح خارج العملية التنموية، وبمعنى آخر، هي عملية مداينة لا تستهدف إنتاجا، ولا تأتي بقيمة تنموية مضافة، ولا ينتج عنها إلا كتلة نقدية فائضة، تساهم في رفع معدلات التضخم، والإضرار بالاقتصاد، ناهيك عن كونها معاملات مالية تحمل في طياتها الكثير من الغَرَرِ والجَهالة والمخاطر، لذلك، فهي، أي: المتاجرة بفروق الفوائد، وتوظيف النقد فيها، معاملةٌ مالية مُحرَّمة، بسبب الغَرَر، وتوظيف النقد في معاملات مالية لا تستهدف الإنتاج والتنمية، وهذا خلافُ طبيعةِ النقود في المنظور الإسلامي، وواقعٌ تحت باب الغَرَر الذي نَهى عنه الشَّارِعُ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى