اللجنة الاقتصاديةلجنة الصناعة و الطاقة

محطة دربندخان الكهرومائية ، عذراء في معركة

المهندس الاستشاري سحبان فيصل محجوب

 رئيس لجنة الصناعة والطاقة ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

 

في شتاء عام 1987 وفي خضم المعارك الدائرة في الحرب مع ايران , وردتنا اوامر محددة من وزارة الصناعة والمعادن بتفكيك ونقل ما يمكن من معدات واجهزة محطة دربندخان الكهرومائية ( 3*83 ) ميكا واط والمحطات الثانوية الملحقة بها والواقعة في قضاء دربندخان ضمن محافظة السلمانية , كنت حينها مديرا لتوليد كهرباء منطقة الشمال الشرقي ,كانت هذه المحطة العذراء بوحداتها الثلاثة جاهزة لرفد الشبكة الوطنية بانتاجها حال اكمال الخط الناقل للطاقة منها والذي يربطها بمحطات التحويل القريبة حيث تاخر انجازه لظروف خارج الادارة في حينها ,,

هذه المحطة الانيقة بابنيتها ومعداتها والعاملين فيها لم تدشن بعد ان تم تنفيذها من قبل احدى الشركات اليابانية المعروفة , كان قد التحق بها مجموعة من ملاكات الهندسية والفنية متدربة ومكتملة الخبرة في مجال الصيانة والتشغيل حيث يقطنون وعوائلهم في الحي السكني التابع للمحطة كان من الصعوبة عليً شخصيا ابلاغ امر التفكيك والنقل لهؤلاء العاملين المتلهفين لسماع صوت دوران توربينات محطتهم منتظرين بفارغ الصبر لساعة التشغيل الفعلي لمحطة …….

شُكلت فرق عمل عديدة برئاسة السيد مدير عام المنشأة العامة لتوليد ونقل الطاقة الكهربائية كان حينها المهندس وليد سليم محمود الذي التحق الى موقع المحطة ومعه مجموعة من الخبراء الاكفاء المعروفين بقدراتهم الفنية في مقر المنشأة ومحطات التوليد الكهرومائية واذكر منهم المهندس طارق الصائغ والمهندس غازي محمد كامل , حيث تمت المباشرة بوضع خطط التنفيذ ومساراته لاعمال تفكيك ونقل معدات محطة التوليد والمحطة الثانوية الخاصة بها وخزنها بمواقع امنة لحين انتهاء العمليات العسكرية للحرب الدائرة مع ايران حيث اختير موقع مديرية شبكات كهرباء المنطقة الوسطى في بغداد الجديدة وكذلك موقع مديرية شبكات كهرباء المنطقة الشمالية في ناحية تازة / محافظة التأميم .

بالتوازي مع عمل هذه المجموعات باشرت فرقا اخرى من ملاكات وزارة الري بازالة بوابات السد الرئيسية حيث كانت من ضمن الاجراءات الاحترازية في منع الجانب الايراني في استغلال مخزون المياه في بحيرة السد لاحداث اغراق مناطق بعد السد او استخدامه كورقة ضغض في الصراع الجاري معه في حالة سيطرته العسكرية على هذا السد .

وضع برنامج عمل على مستوى كل مجموعة مشاركة وتم الشروع في اعمال ( التفكيك والتحميل والنقل ) والتفريغ في المواقع التي تم اختيارها مسبقا بعد اجراء ما يمكن من عمليات الحفظ والتغليف اما عن منتسبي المحطة الذين شاركوا بجدية في هذا العمل فكانوا بمظهر ( المضطر ) حيث كنت دائما اوجه اليهم عبارات التشجيع لغرض الحفاظ على همة المواصلة وافهامهم بان هذا القرار كان لصالح محطتهم ولصالحهم ايضا وان كل مانقل منها بمثابة ( امانة ) اودعت في المواقع التي نقلت اليها ونحن كما انتم بانتظار الوقت المناسب لاعادتها الى اماكنها الاصلية .

بالرغم من ان التوجيهات المركزية المتتالية تطالب في الاسراع لانجاز المطلوب فقد استمر العمل لمدة شهر تقريبا وبوجبات عمل توصل النهار بالليل وبهمة عالية لايأبه  العاملون بما يسقط قرب مواقع العمل من قذائف المدفعية او دوي الانفجارات المستمرة في ساحة جبهات القتال القريبة .

في خضم هذا سجلت في مخيلتي ( دمعة وطنية صادقة ) سقطت من عيون المهندس المرحوم صباح الياس يلدا احد المهندسين الاكفاء المتمرسين من مهندسي مديرية شبكات كهرباء المنطقة الوسطى,,,  عندما سمع دوي سقوط صندوق كبير من كان معلقا باحدى الرافعات العالية وبداخله مكونات وملحقات قاطع دورة ( 33 كيلو فولت ) لغرض تحميله على احدى الشاحنات المكلفة باخلاء المعدات حيث ادى سقوطه الى تحطم بعض المعدات في داخله , ما ان شاهدت عيني المرحوم صباح الياس هذا المشهد انفجرت الدموع منها وبدأ العاملين وانا في مقدمتهم بمواساته في موقف درامي لا ينسى وكـأنه قد فقد احد الاعزاء الذين لا يعوضون ,,,, وسجلت في ذاكرتي حادثة اخرى ,,,,, وهي انطلاق السيد المدير العام المشرف الاول على هذا العمل بركضة ماراثانونية سريعة  وراء احدى الناقلات المحملة بواحدة من ثلاث محولات كبيرة ( رئيسية ) بعد تحركها باتجاه طريق جبلي منحدر , حيث سقط متدحرجا ونهض بسلام بعد ان اكمل مهمته التي كان يقصدها بوضع كمية من التراب الناشف تحت اطار احدى عجلات الناقلة منعاً لانزلاقها ,,,,,,

بعد مايقارب العام صدرت الاوامر الخاصة في اعادة مكونات واجهزة هذه المحطة الى مواقعها الاصلية فكان ذلك هو التحدي الحاسم امام الملاكات الهندسية والفنية العاملة ,,, اول معضلة امام هذا التحدي الكبير … ان ملاكات قطاع الكهرباء في حينها كانت قد تعاملت حديثا مع المعدات المعزولة بالغاز

وتنقصها الخبرة المتكاملة في صيانة وتركيب هذا النوع من المعدات ,,,, من مراحل الاعادة الرئيسية هي (G . I . S . انظمة ال  (

تركيب مكونات محطة التحويل جهة ضغط عالي

( 132 KV )

التي تعمل بهذا النظام . بعد ان وصلنا الى طريق مسدود في التفاوض العقيم مع الشركة اليابانية المنفذة للمشروع والذي حضر موفديها الى موقع المحطة في بغداد لغرض تقديم الاسناد الفني من قبلها في اعادة منظومات المحطة ورفض  شروطها التي يغلب عليها طابع الابتزاز , اتخذ القرار الجريء بمحاولة الاعادة بواسطة الملاك الوطني في قطاع الكهرباء ,,,,  وهنا بدا المهندس القدير طريف حسيب سلمان كان في حينها المدير الفني لشبكات كهرباء منطقة الشمال الشرقي مع مجموعة من معاونيه بدراسة المخططات الخاصة بالمحطة واختبار السبل المتوفرة البديلة في التعامل مع هذا النوع من المعدات و هنا لابد من سرد طريقة فريدة من الصعوبة ان يطويها النسيان …

ذلك بعد اكتمال تنصيب كامل اجزاء المحطة ( المعزولة بالغاز ) واجراء كافة الفحوصات التشغيلية المتاحة في حينها سألت رئيس الفريق المهندس طريف عن تقديراته في نسبة نجاح تشغيل المحطة فأجابني وبأسلوبه الخاص المعروف ( نحن نضعها تحت الفولتية فاما ان تعمل او تنفجر )) .

فعلا وضعت معدات المحطة حيز التشغيل وعملت بنجاح ولم تنفجر الحمدالله .

اكملت كافة فرق العمل واجباتها المحددة وتم اعادة بوابات السد الرئيسية للعمل من قبل الملاكات المتخصصة من وزارة الري وكان هذا بالتوازي مع انجاز خط الكهرباء الناقل

( 132 kv )

المنوه عنه في بداية القصة , حيث تم تدشين هذه المحطة وتشغيلها بوثوق وكفاءة عالية من قبل ملاكاتها واحتلت اهميتها في منظومة انتاج الطاقة الكهربائية في الشبكة الوطنية … وبهذا استحق تسمية ( عروس المنظومة )

تحية للعاملين في هذه المحطة الذين عانوا الكثير من ضغوط العمل النفسية وتحملوا حجما كبيرا من الواجبات التي كلفوا بها مواكبين مراحل التفكيك والاعادة بتفاصيلها المعقدة والصعبة , وتحية لكل من ساهم في هذا الانجاز الوطني الفريد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى