نشاطات المنتدى

النخب والكفاءات العراقية أمام المسؤولية الوطنية التأريخية

د صباح ياسين ، نائب الامين العام

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

في معنى المنتدى وغاياته

النخب والكفاءات العراقية أمام المسؤولية الوطنية التأريخية

    يثير مفهوم المجال العام لدى علماء الاجتماع جدلاً مستمراً لتحديد مفهومه ودلالاته الموضوعية والعملية ، ورغم ان القرن الثامن عشر في أوربا قد شهد تبلور مفهوم المجال العام باعتباره البيئة التي ينشأ فيها الحوار والجدل حول القضايا العامة من قبل المثقفين ، الا ان هذا المفهوم أخذ مجاله الاوسع من خلال انتشار وسائل الإعلام وبشكل خاص الصحافة ثم الراديو وبين قطاعات الشعب الواسعة ، فهي الممكنات التواصلية التي جمعت صناع الرأي وأصحاب التأثير المجتمعي على منصة تواصلية تحقق لانتشار ، وقابلة لحمل الحوار والرأي والرأي الاخر .

وفي نهاية النصف الثاني من القرن العشرين بدأ التلفزيون ، صاحب الصورة المبهرة ، يدخل غمار البيئة التواصلية الجماهيرية بقوة ، وانتقل الحوار بالكلمة من على صفحات الجرائد او بالصوت عبر المذياع الى الشاشة التي حقتت وبسرعة تميز احتكار الابهار والفورية والجمع بين الكلمة والصوت والصورة لتستحوذ على المتلقين وتجمع نخبة المثقفين والمبدعين كمنصة للتعبير عن الرأي والمواقف ، وبذلك أخذ مفهوم المجال العام بعداً عملياً لا حدود لامكانياته التأثيرية ، وأخذ كذلك مفهوم الاعلام الجماهيري معناه العملي بقدرته على إستنطاق قادة الرأي والنخب والكفاءات في المجتمعات للتعبير عن أرأهم ومواقفهم ، وبتحرر أكبر من سلطة الراقابة التي كانت تفرض على الصحافة المطبوعة .

وهنا انتقل التفاعل الى مديات أوسع وأشمل ، وأضحى التواصل البيني ، واستثمار رجع الصدى معززاً لفكرة المجال العام ، بل ان تلك الممكنات الإعلامية أسهمت في إنتشار فكرة التجمع والتفاعل بين الجماعات ذات الاهتمام المشترك ، وتوحيد جهودها الفكرية والعملية للنهوض بادوار وطنية ، او ذات دلالات اجتماعية مرتبطة بقضايا لتنمية او التقدم الحضاري ، وكما يعبر المفكر الفرنسي جان بودريار فان نشؤ وسائل الاعلام الحديثة أسهمت في انجاز تحولات عميقة في المجتمعات باتجاه تشكيل الرأي العام ، ولقاء النخب على مساحة واحدة من القضايا المشتركة ، وبالتالي خلقت فرصاً كبيرة لتواجد تلك النخب من أجل الضغط باتجاه تحقيق التحولات المطلوبة في السياسة والمجتمع .

وهنا تأتي فكرة وانجاز تجمع للنخب والكفاءات العراقية العاملة في المجال العام تحت عنوان ( المنتدى ) ليعبر ذلك عن موقف تأريخي لتلك النخب والكفاءات أزاء القضايا الوطنية المعروضة . وتلك القضايا والموضوعات هي تحديداً بئية المجال العام الحيوي الذي تنشط خلاله العناصر المثقفة حاملة راية التغيير والتقدم ، ولتمد عبره الجسور بين مختلف الاختصاصات المعبرة عن متطلبات التغيير والتقدم الحضاري .

وبالتالي فاننا يمكن ان ننظر الى المنتدى ( المنتدى العراقي للنخب والكفاءات ) باعتباره حركة إجتماعية معنية وهادفة للانشغال بتردد ايجابي بقضية الوطن ، وان هذا المنتدى يعد منصة مشروعة وجامعة لكل الخبرات المتراكمة والناشئة ، بغض النظر عن اية اعتبارات أخرى ، ودلالة هذا التجمع قد توضحت خلال مسيرة السنوات الماضية ( تأسس المنتدى عام 2014 ) بحزمة من النشاطات الفكرية والفعاليات المهنية بالاختصاصات العلمية المعبرة عن المشاكل القائمة في العراق منذ الاحتلال الامريكي عام 2003 ولغاية اليوم .

ان تعزيز هذا المجال الحيوي العام تحت عنوان المنتدى هو مسؤولية وطنية ملحة لكل النخب والكفاءات العراقية داخل الوطن وخارجة ، وهذا التجمع هو ايضاً مسيرة تأريخية لاتحدد بانجاز هدف بذاته ، ولكنها تعبير عن امكانية متجددة لدى المثقفين والخبرات المختلفة في كل مجالات الحياة للنهوض بالواقع الوطني من كل الجوانب الحياتية ، وبذلك يعد المنتدى هوية وطنية جامعة وعابرة لكل العناوين الفرعية الاخرى ، وبشكل خاص لتلك العناوين التفكيكية التي جاء بها المحتل وحاول ان يزرعها في البيئة الوطنية لافشال مشروع النهوض والتقدم والتحرر .

هنا فان المنتدى هو المجال العام الحيوي القابل والقادر عملياً على توظيف الطاقات والامكانات الوطنية المبدعة والخلاقة في كل ميادين الحياة ، والخيمة الاكبر التي يستضل بها العلماء والخبرات والكفاءات للدفاع عن الهوية الوطنية ، ولمواصلة مشروع النهوض والتجدد الحضاري ، وهو بالتالي ( المنتدى ) بيئة مستحدثة بإرادة وطنية بحتة ، وفضاء حيوي يستوعب كل الافكار والاجتهادات المبدعة لحل مشاكل التنمية والتطور في العراق .

وبهذا فان المعنى التأريخي للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات يستمد دلالته من تجمع ( المجال العام ) الوطني لكل النخب والكفاءات العراقية أزاء موقف تأريخي في مواجهة الازمة الراهنة التي يمر بها الوطن  ولانقاذه من الواقع الراهن ، ومواصلة مسيرة النهوض والبناء والتجدد الحضاري .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى