إصدار كتاب جديد للدكتور أثير الدليمي
صدر حديثاً عن مركز الدراسات العربية بجمهورية مصر العربية ، كتاب بعنوان ( القواعد الدولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية والسيبرانية.. دراسة مقارنة ) للدكتور أثير هلال فليح الدليمي ، أستاذ القانون الدولي العام والمتخصص في الجرائم السيبرانية الدولية، عضو اللجنة القانونية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
- مقدمة الكتاب بقلم مؤلف الكتاب الدكتور أثير الدليمي
منذ القدم تباينت الصور الإجرامية لظاهرة الجريمة، وتشعبت أنواعها فلم تعد تهدد العديد من المصالح التقليدية التي تحميها القوانين والتشريعات منذ عصور قديمة فحسب، بل أصبحت تهدد العديد من المصالح والمراكز القانونية التي استحدثتها التقنية المعلوماتية بعد اقترانها بثورتي الاتصالات والمعلومات.
ومن الملاحظ ان المصالح التقليدية التي تحميها كل التشريعات والنظم القانونية منذ زمن بعيد قد بدأت تتعرض إلى اشكال مستحدثة من الاعتداء بواسطة هذه التقنية الحديثة، فبعد أن كان الاعتداء على الأموال يتم بواسطة السرقة التقليدية أو النصب، و كانت الثقة في المحررات الورقية يعتدى عليها بواسطة التزوير، أصبحت هذه الأموال يعتدي عليها عن طريق اختراق الشبكات المعلوماتية وأجراء التحويلات المصرفية الإلكترونية من اقصى مشارق الأرض إلى مغاربها في لحظات معدودة؛ كما اصبحت تلك الحقوق الثابتة في الاوعية الورقية يتم الاعتداء عليها في اوعيتها الإلكترونية المستحدثة عن طريق اختراق الشبكات والانظمة المعلوماتية دون الحاجة إلى المساس باي وثائق او محررات ورقية.
فمنذ منتصف القرن الماضي وحياة الإنسان المعاصر آخذة في التطور والتقدم على نحو لم يسبقه اليه الإنسان في العصور القديمة والوسطى، وقد كان من أهم تجليات تلك التطورات الحديثة أن ازدادت استخدامات التكنولوجيا ،وتجلت ثورة المعلومات في الأعمال اليومية، والتي لا شك أنها اصبح لها التأثير الكبير على النظم القانونية والادارية والبنيان الاقتصادي للدول، وذلك من خلال استخدام التقنيات الحديثة وشبكة الإنترنت التي أصبحت تسيطر على مجمل حياة الإنسان وبها تتطور الدول والأعمال وتخلق الانشطة والوظائف، فكان لابد من وجود رد فعل سريع من المشرع لضبط وتنظيم تلك التطورات الهائلة، وحتى لا يُساء استخدامها خاصة وأن المستقبل يبشر بمزيد من التطور في نظم المعلومات واستخدام التكنولوجيا الحديثة لا سيما بعد اتصال تلك التقنيات الحديثة بالأقمار الصناعية.
واذا كانت حياة الإنسان المعاصر قد زاد رخاؤها وتطورت على نحو هائل واستخدم الإنسان التكنولوجيا وساد النظم المعلوماتية وسخرها من اجل خدمته وخدمة مجتمعه فإنه ولا شك أنها سلاح ذو حدين؛ حيث أساء البعض استخدامها وارتكبوا من خلالها -وما زالوا- العديد من الافعال التي تعد جرائم بحسب القانون الجنائي والقواعد المستقرة في القانون الجنائي الدولي وما اصطلح على تجريمه في القانون الدولي الجنائي، مما أدى الي أقلاق حياة الناس وتحويل الرفاهية التكنولوجية إلى مصدر لتكدير الأمن العام الإقليمي والدولي بارتكاب العديد من الجرائم التكنولوجية الآخذة في الزيادة كل فترة مما ينتهك حياة الناس وارواحهم ويستهلك بدون وجه حق أموالهم وأملاكهم، فكان لابد من مجابهة ومواجهة داخلية ودولية واقليمية للقضاء على تلك الظاهرة المستشرية في جميع المجتمعات العربية منها والأجنبية فكانت الاتفاقيات الإقليمية والدولية بداية كرمز على الاتفاق العام والدولي على تحريم وتجريم تلك الأفعال ومحاولة جادة ومستميتة من المجتمع الدولي والمشرع الداخلي في القضاء على الجرائم الإلكترونية واجتثاثها من المجتمع. ولا شك أن تلك المحاولات قد قوبلت بالعديد من المصاعب- لا سيما -مع طبيعة المجرم الإلكتروني ومع الطبيعة المعقدة للجرائم في نظم المعلومات والتكنولوجيا والتي تختلف اختلافاً تاماً وجذرياً عن الجرائم العادية الداخلية كما تختلف عن الجرائم الدولية العادية.
هذا وقد احتلّ التقدّم في مجال المعلومات والاتّصالات جانباً كبيراً ومُهمّاً في حياة النّاس وتعاملاتهم؛ فصار الحاسوب أساس التّعامل بين الأشخاص والشّركات والمؤسسات، وقد ازداد التوجّه لاستخدام شبكات المعلومات الإلكترونية في الفترة الأخيرة بصِفَتها أداة اتّصال دولية في مُختلف مناحي الحياة، مُوفِّرةً بذلك الكثير من السّرعة والمسافات والجهد على الإنسان، إنّ الاستخدام الكبير لِلأنظمة التكنولوجية قاد إلى الكثير من المشاكل والمَخاطر، وقدّم أصنافاً من الجرائم لم تكن مُتداولةً سابقاً؛ سُميّت بالجرائم الإلكترونية.
ولا شك أن اختلاف طبيعة الجرائم الإلكترونية عن غيرها من الجرائم وتميزها بسمات لم يعهدها المشرع الجنائي وسهولة هروب الجناة واختفائهم؛ إضافة إلى جهل الكثير من الناس بتلك التقنيات الحديثة وبعد العديد من المجتمعات عن الخوض في علومها، وتأثيرها على الدول إدارياً واقتصادياً مما يوهن الأمن العام ويشغل الأنظمة ويضعفها، من أجل ذلك كان حري بنا في خضم تلك الدراسة أن نلقي الضوء على تلك النقاط الهامة. ولتكن دراستنا لبنة في جدار مكافحة الجريمة الإلكترونية دوليا واقليميا وخطوة في طريق الاستخدام الصالح، والأمثل لنظم المعلومات والتكنولوجيا متبنين فيها رأي المجتمع الدولي والمشرع الداخلي بتجريم تلك الأفعال وضرورة ملاحقة فاعليها والقضاء عليها تماما مع تناولنا لمصاعب مكافحتها ومحاولة التوصل إلى افضل الحلول المؤدية إلى مجتمع دولي خال من الجرائم الإلكترونية.
هذا.. ويذكر أن انتشار الجرائم الإلكترونية في المُجتمعات إلى الكثير من المخاطر والتهديدات، ومنها: المساس بالاقتصاد والأمن الوطني وتهديده والمساس بالعلاقات الأسرية وتشكيل الخلافات بين أفراد الأسرة ممّا يؤدّي إلى التفكك الأسري، وذلك بسبب الكثير من النتائج التي تُسبّبها بعض أنواع الجرائم الإلكترونية كالتّشهير ببعض الأفراد ونشر الأخبار الكاذبة والإشاعات.