اللجان التحقيقية وغياب النتائج
اللجان التحقيقية وغياب النتائج
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
دأبت الحكومات المتعاقبة على السلطة في العراق ومنذ الاحتلال على تشكيل لجان تحقيقية ثلاثية وخماسية وسباعية للتحقيق في جرائم مختلفة بدأ بجرائم التفجيرات والاغتيالات والقتل الجماعي والفساد والتهريب وغيرها من الجرائم .
لقد اتضح للقاصي والداني ( البعيد والقريب ) ان هذه اللجان اصبحت تشكل خطورة لان الهدف من تشكيلها بعثرت الادلة والتلاعب بها للتغطية على كشف معالم وادوات الجرائم التي تخطت الالاف دون ان تحصد نتائج تذكر.
وهذه اللجان شكلت اساسا للتعتيم على مرتكبي الجرائم وحمايتهم وافلاتهم من العقاب والحساب وطمس الحقائق واضاعة الجهد والوقت وتسويف الجريمة . واذا كانت هناك نتائج تم التوصل اليها من خلال اجراءات التحقيق فيجب نشرها عبر وسائل الاعلام كي يطلع عليها ذوي المجني عليهم والمواطنين ليثق بهذه اللجان ثم ينتظر صدور الاحكام من قبل القضاء.
والملفت للنظر ان هذه اللجان منحت صلاحيات كبيرة وواسعة دون ان تخضع الى متابعة واشراف القضاء والادعاء العام او تشكل برئاسة احدهما حيث لا يجوز دستوريا وقانونيا التشكيل في غيابهما في اللجان الموقتة والدائمة . وان جميع اللجان التي شكلت سواء كانت بقرار من رئيس الوزراء او وزير الداخلية او المحافظ وغيرهم لا يعتد بها باستثناء اللجان الادارية والانضباطية التي وردت في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم ( 14 لسنة 1991 / المادة 10 / الفقرة اولا ) التي نصت على تشكيل اللجنة التحقيقية بحق الموظف المخالف لواجبات وظيفته .
ويلاحظ ان ( المادة 19 / الفقرتان / حادي عشر وثاني عشر) من الدستور منعت الحجز والتوقيف في غير الاماكن المخصصة لذلك في حين ان هذه اللحان لا تلتزم بهذه المادة حيث يتم التوقيف والحجز في اماكن مجهولة . كما تضمنت المادة ( 88 ) من الدستور القضاة مستقلون ولا يجوز التدخل في القضاء او شؤون العدالة في حين ان تشكيل اللجان يعتبر تدخلا صارخا في صلاحيات القضاء واختصاصاته وخلافا للمادتين (51 52 ) لقانون أصول المحاكمات الجزائية ( رقم 23 لسنة 1971 ) التان تضمنتا ان مهمة التحقيق الابتدائي والقضائي من اختصاص قضاة التحقيق وكذلك المحققون تحت اشرافهم وفي جميع الجرائم .
كما ان تشكيل اللجان يتعارض مع قانون هيئة النزاهة رقم ( 20 لسنة 2011 ) التي تقوم بالتحقيق في جرائم الفساد وسرقة المال العام وغير ذلك .
ولكي يتسم عمل هذه اللجان بالمشروعية لابد من أعادة النظر في طبيعة عملها وصلاحياتها لتتوافق مع الدستور والقوانين الاجرائية والعقابية ومنها :
ـ ان يترأسها قاضي اواحد أعضاء الادعاء العام وان لا تكون بديلا للقضاء
ـ وان تحرك الشكوى بحق كل من يتدخل في عمل اللجان استنادا الى المواد ( 233 و 234 و 235 ) الخاصة بالجرائم الماسة بسير العدالة وبسير القضاء
ـ ويجب تحديد سقفا زمنيا لا انجاز اعمال هذه اللجان في غضون شهر كحد أعلى
ـ وضرورة توفير الحماية للمخبرين والشهود عند التحقيق في جرائم الارهاب والامنية واغتيال المتظاهرين
ـ وان تقوم الدائرة الاعلامية في مجلس القضاء الاعلى بتزويد وسائل الاعلام بالأحكام والقرارات التي تصدر عن المحاكم وبالذات التي أجري التحقيق فيها من قبل هذه اللجان
ـ وان تعمل اللجان بحياد تام وتعلن الحقائق بعد أنجاز اعمالها
ـ وان لا تستغل لتصفية الحسابات واستخدام صلاحيتها لهذا الغرض .
لقد تولدت القناعة الكاملة لدى المواطنين ان هذه اللجان لا خير فيها لا نها وسيلة لكسب الوقت ولفت الانظار والتضليل والخداع وحماية الفاسدين الكبار في الحكومة والاحزاب في عراق الادولة .